التجارب الإصلاحية في العصر الحديث 01 | أحمد السيد
التجارب الإصلاحية في العصر الحديث 01 | أحمد السيد
[موسيقى] طيب، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد. أما بعد، فنستعين بالله ونستفتح الإجابة عن هذه الأسئلة الكثيرة المتعلقة بالجماعات والتجارب الإصلاحية. ما الموقف منها؟ ما الذي كان صح؟ ما الذي كان خطأ؟ ما العقبات التي واجهتها؟ ما الإشكالات التي تعرضت لها؟ ما المطلوب في الواقع؟ ما المتوقع في المستقبل؟
هذه الزيادة من عندي الأخيرة: ما الذي ينبغي وما لا ينبغي في مثل هذه القضية؟ طيب، هو، خلينا نرجع للتاريخ شوية. التاريخ البعيد، يعني أقصد شوية. إحنا عندنا أول شيء، كان الدين والسياسة مجتمعين، بمعنى أنه كان الخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم يقومون بالعملين سويًا: العمل السياسي والعمل المتعلق بحفظ الدين، كما مر معنا في سلسلة خير القرون كثيرًا.
وكانت هذه القضية هي الصورة المعبر عنها في الخطاب النبوي بخلافة النبوة، يعني هي الصورة الأفضل التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتدحها. طبعًا هذا وجه من وجوه امتدادها، ووجه من وجوه كمالها، بحيث أن السياسي والقائد، خلينا نقول الخليفة، يعني الإمام الحاكم، هو الذي يقوم بمهام حفظ الدين على أكمل وجه وعلى أتم وجه.
ثم بعد ذلك إذا توفي، يختار للمسلمين من هو أصلح في القيام بهذه المهام. أما الملك فلا يختار من هو أصلح، وإنما تستمر السلالة الملكية في الحكم وفي قيادة الناس. وبعد ذلك، يعني أنا أعبر عنها أحيانًا: أنت وحظك. إن كان الملك الذي جاء محبًا للدين، فتنعكس آثار حبته للدين في كثير من الأعمال.
وإن كان غير محب للدين، فقد يكون له آثار سلبية كبيرة على الواقع وإشكالات الواقع وزيادة فيها. لكن الذي كان طبعًا أول، يعني انتهاء مرحلة الخلافة كانت بالحسن بن علي رضي الله تعالى عنه. بنهاية مرحلة الحسن. طبعًا، قالوا: إما بنهاية علي رضي الله عنه أو الحسن بن علي.
ثم بدأت مرحلة الملك. أمّا لما صارت مرحلة الملك، بدأت بالدولة الأموية ثم العباسية. هذه مرحلة الملك، الجزء الأول منها. ما أقصد الأموية العباسية. لكن إذا قلنا أنها، يعني، استمرت تقريبًا ستة قرون، أو خمسة ونصف أو نحو ذلك، إلى أن سقوط الدولة العباسية 656.
طبعًا بعد ذلك استمر الملك، يعني بس أنا أقصد الأموية العباسية، إحنا عندنا القرون الثلاثة الأولى منها، خاصة القرون من ناحية الأجيال، كان الدين محفوظًا بحركة العلماء وبمدى تأثيرهم داخل المجتمع. ولم تكن السياسة مسيطرة على حركة العلماء، وإنما كانت السياسة، نعم، قد يكون في حاكم ظالم، قد يكون في فساد مالي، قد يكون في تسلط على الأموال، قد يكون في فساد شخصي متعلق بالخمور أو نحو ذلك.
لكن ما كان الحاكم يدخل في إشكالية مع العلماء من ناحية أنه لا تدعوا إلى الله، لا تبلغوا الدين. إحنا عندنا مشكلة مع التدين، إحنا عندنا مشكلة مع هذا. ما كان موجودًا. جيد. والأصل أنه الحاكم كان من أهم أدواره، من أهم أدواره هو حماية ثغور الإسلام وحماية الأمة المسلمة في مقابل المعتدين على بلاد المسلمين.
بالمناسبة، ترى، يعني، أسست أحكام الفقه بناءً على ذلك. أسست أحكام الفقه بناءً على ذلك. يعني ترى، ما يتعلق بطاعة ولاة الأمور، وما يتعلق بالأمور بعدد من الأمور المتعلقة بالسياسة، بعدد من الأمور المتعلقة بعلاقة الحاكم بالشعب والشعب بالحاكم، وما إلى ذلك، هي أسست بافتراضات أصلية معينة.
أن يعني، أنه هذا الحاكم له دور معين منها، مثلًا، جهاد الإسلام. مثلًا. بس أنت لما تقرأ كتب الفقه عامة، كتب الفقه عامة، كتب الفقه ما تتحدث، ما تنص على هذه القضية نصًا، لأنه هي قضية مسلمة. يعني ما يجي يقول لك الإمام مثلًا في أحكام كثيرة متعلقة بالإمامة.
لا، أقصد فقط الكتب اللي تكلمت عن السياسة الشرعية، وإنما حتى أحكام المتعلقة بإمام المسلمين منثورة في أبواب الفقه، منثورة في أبواب الفقه. تجدها مثلًا في باب الحدود. جيد. ومن الذي يقيم الحدود وكذا وإلى آخره؟ لكن لا تجد أنه ما حكم الإمام الذي لا يقيم الحدود أو لا يقيم الشريعة؟ يعني هي هذا، يعني افتراض غير موجود، فهمت الفكرة؟
قد يكون أشار له البعض، قد يكون كذا، لكن الأصل هو دائمًا لهم يطرحوا الأشياء يطرحونها بشكل تنفيذي. يعني، من الذي يقيم الحدود؟ هل يجوز للناس أن يقيموا الحدود؟ حدود؟ هل كذا وإلى آخره؟ ولي الأمر ودوره في هذه القضية، وتدخل في مسائل تنفيذية متعددة. الاستتابة، طريقة قطع اليد، إيش اللي يصير بعدها؟ ماذا لو نتج عن الحد فساد في الجسد؟ ماذا لو حصل عن الحد تلف في الشخص؟ من الذي يضمن؟ هل هناك ضمان أم ليس هناك ضمان؟ كل هذه مسائل متفرعة عن أصلًا نظام إسلامي قائم ويتحدثون في كتب العقيدة.
في كتب العقيدة، يتحدثون عن مسألة طاعة الإمام أو طاعة ولي الأمر، ليش يتحدثون عنها في مسألة العقيدة؟ باعتبار أنه نشأت بعض الفرق عندها إشكال في هذه المسألة. أنت عندك صورة إمام أو حاكم مسلم يحكم بالشريعة، ينصر الإسلام، يحمي الأمة، يقوم بأدواره الأساسية. لكن قد يكون عنده انحراف أو ظلم، أو حتى ما عنده جيد.
ففي في ظل هذه الصورة، نشأت فرقة الخوارج التي لا تعترف بهذا الإمام بل وتقاتل، تخرج عليه، تقاتلهم. هذا حصل حتى عند حتى في زمن الخلفاء الراشدين، لما خرجوا على علي بن أبي طالب وخرجوا على عثمان أيضًا، خرجوا على عثمان من الخوارج، والذين خرجوا على علي هم الذين نزل فيهم جاء فيهم النص المحدد النبوي في أن هؤلاء من الخوارج.
فصار هؤلاء الخوارج لهم اطروحات معينة، لهم عمل ميداني معين فيه خروج، فيه دماء، فيه فيه سفك، فيه قتل، فيه كذا. فصار العلماء يعتنون بقضية ولي الأمر وطاعة ولي الأمر من جهة من جهة العقدية، وصاروا يتكلموا عن مسألة وهي أنه إذا تعارضت إذا تعارضت، إذا تعارض أمران، أمر أن يكون الإمام فاجرًا، عنده فجور شخصي، والنظام قائم إسلامي، لكن هو عنده فجور شخصي.
وأن يقام الجهاد في سبيل الله لرد الأعداء تحت إمامة هذا الإمام الفاجر، فتجد الكلمة في كتب الفقه وفي العقيدة، هنا تشترك الفقه والعقيدة، تجد في الفقه في باب الجهاد وفي العقيدة يقولون: ويغزى مع الإمام الفاجر، يغزى مع الإمام الفاجر، ليش؟ تغليبًا للمصلحة العليا للإسلام والمسلمين.
لأنه من أهم أدوار الإمام هو الجهاد في سبيل الله وحماية الدين ورد أعداء الملة عن الملة. جيد. إيه. طيب. الآن، الدين في داخل المجتمع المفترض من الذي يكون له الدور الأساسي في تثبيته وحمايته وفي نشره وبثه؟ الدور الأساسي المفترض أن يكون عند الحاكم كشيء من المهام الكبرى، والمفترض أن الذي يقوم تنفيذيًا بهذه بهذه المسألة هم العلماء ومن يتبع للعلماء. جيد.
طيب، هي، هي المسؤولية مشتركة، يعني هي ليست ليست المسؤولية، مقول الحاكم أنه هي المسؤولية عليه فقط، ولذلك إذا قرأنا في كتب التفسير، في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59]، ستجد أن كثيرًا من المفسرين يقولون: أولو الأمر هم العلماء والأمراء، اثنين العلماء والأمراء.
جيد. ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]. هنا اللي هي إيش؟ المرجعية العليا. أنه الحاكم مهما كان، لأنه ﴿تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [النساء: 59]، هذه آتية في سياق ولاة الأمر. أنه الحاكم مهما كان، هناك مرجعية أعلى منه، وعلى الأمة أن تحافظ على هذه المرجعية اللي هي فردوه إلى الله والرسول، وأجمع العلماء على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته.
فهذا إجماع بين العلماء، نقله ابن القيم، والمسألة معروفة عند العلماء في هذه القضية، اللي هو أنه الرد إلى الله والرد إلى كتابه والرد إلى الرسول والرد إلى سنته. وكذلك نقله ابن حزم رحمه الله. الجميع بدأ التطبيق العملي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ربى النخبة أو ربى أصحابه الذين قاموا بالدين من بعدهم، بعدما ارتد الناس.
ثم قاموا بالدين وأقاموا الخلافة وفتحوا الفتوحات، كان من أوائل الأمور التي اهتم بها هؤلاء الصحابة خلفاء الرسول طلاب النبي صلى الله عليه وسلم، من أوائل الأمور التي أع أعنوا بها، من أوائل الأمور والأعمال التي عملها الصحابة الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم وامتدح باسمائهم، القيام بأمر السياسة والجهاد.
قبل دفن النبي صلى الله عليه وسلم، قبل دفنه، اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة وتناقشوا في قضية السياسة وتناقشوا في قضية حكم الأمة ومن الذي يحكم وحلوا القضية، واليوم التالي أو في بعض الأقوال في نفس اليوم دفن النبي صلى الله عليه وسلم، غُسل ودفن النبي صلى الله عليه وسلم.
فكانت قضية السياسة والحكم بالإسلام والحكم بالشريعة وقضية حماية الإسلام والجهاد في سبيل الله والقوة التي تحمي الإسلام، هي من القضايا المركزية التي نشأ عليها الجيل الأول الذي حمل هذا الدين. فكرة أنه فصل الدين عن السياسة، ما أدري إيش خرابيط اللي سرنا، يعني صارت في هذا الزمن المعاصر، هذه أشياء يعني من آخر ما يتوقع أو ما كان يتوقع حتى ما ما يجي حتى في التوقع أصلًا أنه ممكن يتوقع أحد من أمة الإسلام أن هو أنه اطروحة تأتي أنه يمكن أن يطرح أصلًا في سياق أنه أنه السياسة شيء والدين شيء.
وإنه الدين يجب أن يكون، أنه السياسة يجب أن تكون معزولة عن الدين، وإنه الناس يصطلحون على الحكم الذي يرتضونه في في ظل مرجعية عاد تسميها ما شئت علمانية مرجعية بشرية مرجعية ايا كان. لكن نجي للسياق المعاصر، إحنا الآن بس نبغى نقول في التاريخ، إحنا ليش نرجع للتاريخ؟ وليش نرجع للنموذج الأول؟ لأنه من أهم الأسباب أنه هو النموذج التطبيقي العملي في هذه الأمة التي ننتمي إليها، الذي فضله النبي صلى الله عليه وسلم بالنص.
فقال في غير ما حديث: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. ولذلك فإن التطبيقات العملية للقرون المفضلة بنص النبي صلى الله عليه وسلم هي من أهم الأمور التي ينبغي أن تستجلب في الواقع وأن تستجلب عند فساد الأحوال وتغيرات التاريخ.
ومن أعظم الانحرافات التي حصلت في العصر الحديث الانحراف القائل بأننا نرجع إلى خير القرون لناخذ موقفهم من الاعتقاد النظري دون أن نأخذ موقفهم من القضايا الكبرى المتعلقة بالجهاد والسياسة وما إلى ذلك من القضايا.
فهنا صار انحراف داخل بعض المدارس خاصة بعض المدارس السلفية في تقرير فكرة أن مدار الاقتداء بخير القرون هو الاقتداء بهم في المعتقد في التقريرات العقدية النظرية. وصار معيار كون الإنسان سلفيًا أو ليس سلفيًا هو مدى اعتقاده بهذه الاعتقادات النظرية، ولو خالف هو كفرد أو كجماعة خالفوا أم الطبيعة العامة لتقريرات خير القرون وتقريرات السلف في القضايا الكبرى المتعلقة بالجهاد والسياسة وما إلى ذلك.
بل صارت بعض الأطروحات السلفية تتبنى فكرة الابتعاد عن السياسة وعدم الدخول في السياسة. بل وصار من البدع المعاصرة تسمية قضايا الأمة الحت التي لا دخول فيها في قضايا الحكم وما إليها، وإنما فقط في نصرة قضايا الإسلام وقضايا المستضعفين، صارت تسمى قضايا سياسية على سبيل الذ. صارت تصير قضايا سياسية على سبيل الدم.
يعني أنه إحنا نشتغل بالعلم بس ما نشتغل بالسياسة. تتكلم عن فلسطين يقول لك إحنا يعني ما ندخل في السياسة. إذا جيت تتكلم عن المستضعفين في الأرض وما الذي يحتاجونه وما الذي يقول لك والله هذا شيخ جيد بس أنه عنده كلام في السياسة. ومن السياسة ترك السياسة وإلى آخره من الكلام.
هذه من البدع المستحدثة الضالة التي ضل بها خلق من من هذه الأمة. إذا نحن لا ننازع في كون خير القرون هم النموذج التطبيقي الذي ينبغي الرجوع إليه، وإنما ننازع في أن يكون خير القرون أن ينحصر أن يحصر الاقتداء بخير القرون أن يحصر في قضية إيش؟ الاعتقاد النظري.
وممن نبه إلى هذا المعنى لكنه كان ملاحظًا الجانب السلوكي أيضًا. يعني يعني الاعتقاد والسلوك، ابن رجب رحمه الله، في رسالة من رسائله اللي في مجموع، نص عليها بالنص أنه أنه حصل خطأ في بعض المتأخرين في حصر الاقتداء بالسلف في الجانب العقدي وكذا، بينما السلف كان لهم منهج في السلوك وكان لهم منهج في في أظن حتى كان ذكر التورع عن الأموال أو في قضية الأكل تحري الحلال وما أدري إيش؟ وإنه هذا من معالم خير القر.
هذا مؤدى الكلام. ولعلي غدًا إن شاء الله، لعلي آتي به بالنص، يعني إن تذكرت إن شاء الله ما انسى. طيب، لما انتهت مرحلة الخلافة الراشدة وجاءت مرحلة الملك وثم بعد ذلك دارت عجلة الزمان قليلًا نشأت أيظ توالت قضية الفتن وتوالت قضية المشكلات. ثم حصل في مرحلة من المراحل، ليست ليست هي الأمر المعتاد إلى ذلك الوقت، تدخل السياسة في بعض القضايا الدينية من جهة التحكم في الآراء الداخلية أو التفصيلية للناس في فرض رأي معين هو رأي أصلًا منحرف.
في فرض رأي معين عليه. هذا حصل في زمن المأمون لما تبنى القول بخلق القرآن وأراد فرضه فرضًا. هذا شيء جديد الآن، هذا شيء لم يكن موجودًا سابقًا. أراد فرض هذه هذا القول على الأمة وعن طريق فرضه على العلماء وما كان عنده استعداد لأنه يكون مجرد فرض فكري، وإنما كان مستعدًا أن يقتل في سبيل ذلك.
طيب، كان جناح العلماء الذي لم يفسد بعد، والذي كان لا يزال محافظًا على الدين، كان جناح العلماء هو الأكثر تأثيرًا في الشعب من الدولة نفسها. على أن الدولة كانت تمتلك من مساحة الأرض ومن ومن يعني خلينا نقول القوة العسكرية الشيء العظيم جدًا، لأنه إحنا نتكلم عن ذروة وقت الدولة العباسية وذروة قه الدولة العباسية. فما كان أحد أصلًا يستطيع أن ينافس الدولة في الناحية العسكرية أو ناحية السيطرة السياسية.
لكن مع ذلك ومع كل ما حاولوا ومع قتلهم من قتلوا، لأنه قتل بعض العلماء في سبيل خير في سبيل خلق القرآن، أقول ومع ذلك كان القول السائد في الشعب والقول السائد في طلبة العلم والعلماء هو القول الذي تبناه العلماء لا الذي تبنته الدولة، لأنه أصلًا هذا كان ما كان يعني هو مو لأنه في أدوات إعلامية عند العلماء ولا شيء، لأنه كان من قبل ذلك على مر التاريخ السابق كان كان العلماء يقومون بدورهم في حفظ الدين في الشعب.
وكان العلماء يقومون بدورهم حتى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان لهم تأثير كبير في مختلف القضايا. طبعًا كان في موقع كان يمكن أن نقسم العلماء إلى جناحين: جناح داخل تحت مظلة الدولة وجناح كان يرى أن الدخول تحت مظلة الدولة، طبعًا بين قوسين، الدولة التي تحكم بالشريعة والتي تجاهد في سبيل الله والتي يذهب شفتوا المأمون؟ المأمون، المأمون هذا اللي فرض خلق قرآن وعذب العلماء وسوّها، هذا المأمون مات في الثغر.
مات في الثغر، مات في الثغر، الثغر اللي فيه الروم والصليبيين والنصارى وجيوشه كانت في الثغر. جيد. اللي عذب الإمام أحمد وجلده جلدًا شديدًا أو أكثر عملية تعذيب كانت في وقته وكانت تحت أمره المباشر هو المعتصم الذي يتغنى به المتاخرون: ربما معتصماه، انطلقت ملا أفواه الصبايا اليتم قالت وا معتصماه. هو نفس المعتصم ذا هو اللي جلد ظهر الإمام أحمد لما سلخ وتسليخ على مسألة خلق القرآن.
يعني إيش؟ يعني كان من المسلمات، بغض النظر عن الصلاح الشخصي من عدم الصلاح الشخصي، بناء على إيش تتبنى من رأي فقهي ولا رأي عقدي ولا إشكال عقدي ولا إيش، بغض النظر. كان من المسلمات أنه السياسي والحاكم من أهم أدواره أن هو يحمي أمة الإسلام بجيوشه وبالقتال العسكري وينتصر لأمة الإسلام ويكون ظهيرًا لهم وظهراً لهم وسندًا لهم، بحيث أنه ما يتجرأ أعداء الإسلام على هذه القضية على أنه يدخلون إلى بلاد المسلمين أو يحتلون بلاد المسلمين أو إلى آخره من من الإشكالات التي يعملونها.
هذا كانت من الأدوار الأساسية. شوف، لاحظ، إحنا نتكلم عن مرحلة إشكال عقدي عند إيش؟ عند الخلفاء أو عند الحكام وفي نفس الوقت جيوشهم في الثغور وهم يذهبون إلى الثغور ويحرصون أو خلينا نقول يحرصون على تثبيت الجند وعلى رعاية الثغر. إيه. لكن قبل ذل إحنا قلنا العلماء على على جناحين: جناح كان يرى الدخول مع الدولة للقيام بالأعمال الشرعية، الشرعية زي إيش؟ القضاء.
أهمها القضاء، أنه هو يكون قاضي، يعني يرضى أنه إذا عينوا السلطان قاضي، لما يعينوا السلطان قاضي، ما يعينوه، هو ما يعطيه قرارات يحكم فيها، ما يقول له مثلًا احكم على فلان 15 سنة، ما يقول له كذا ولا يقول له أنه شو اسمه، [موسيقى] يعني في مرجعية إحنا اصطلحنا عليها اليوم، أنه القانون الفرنسي، القانون البريطاني، القانون ما في. هو هو يختار قاضي، تكوين القاضي هذا في غير أطروحات الدولة.
لأنه أصلًا الدولة ما كانت تتبنى التعليم النظامي لكل الناس لكل الشعب، ما كان في. هو طبعًا التعليم اليوم هو تعليم مرتبط أصلًا من ناحية الدولة الحديثة ومن ناحية غرس بعض المفاهيم الوطنية، وفي الأخير التعليم هو جزء أساسي لتخريج مواطن ضمن هذه الدولة، أهم ما يتعلمه، يعني، أهم ما يتلقاه المواطن ليكون مواطنًا في الدولة الحديثة هو ما يتلقاه عن في سبيل التعليم أو في سياق التعليم.
طيب، لما يصير قاضي في وقت هارون الرشيد ولا في وقت المعتصم ولا في وقت المأمون ولا في وقت أي أحد، هو وين تعلم؟ هو ما تعلم في مدارس الدولة، ما في، ما في مدارس عامة للشعب يتعلمون فيها. هو تعلم عند العلماء، يعني وقت وقت القضاة في ذلك الوقت هو هو يكون أصلًا تلقى عن واحد من التابعين. التابع أخذ عن ابن عمر ولا ابن عباس ولا جابر بن عبد الله ولا أبي بن كعب ولا زيد بن ثابت، فاهم؟ هو هو من هنا تعلم، يعني كان في سياق داخل المجتمع كبير اسمه العلم والعلماء وتلقي تابعي التابعين عن التابعين عن الصحابة، لأنه إحنا نتكلم عن خير القرون. جيد. هذا السياق.
إيه. ومع ذلك، إحنا نقول، ومع ذلك ومع كون القاضي مستقلًا ومع كون القاضي هو تأسس يعني في دائرة علمية، مع ذلك كره كثير من العلماء كره كثير من العلماء الدخول مع الدولة أو مع السياسة في أي عمل. بل وكانوا يشددون في القضية إلى درجة أن كثيرًا منهم كانوا يهجرون بعض العلماء الكبار والفقهاء من أهل قيام الليل من أهل الورع من أهل التقوى ومن أهل مخافة الله، يهجرون لأنهم دخلوا مع الدولة، بين قوسين، التي تحكم بالشريعة وتجاهد في سبيل الله وتسوي كل شيء، بس أنه عندها مخالفات وعندها ظلم وعندها كذا.
فأنت ما تدخل معهم في هذا السياق، وهذا بالمناسبة القول الأكثر تفشيًا بين علماء الحديث وعل ماء الحديث يعتبرون مرجعًا لكثير أو لكثير من السياق السلفي المعاصر الذي يتبنى فعل بعضهم يتبنى عكس هذا القول تمامًا. يعني حتى لو كان في دول أصلًا القانون اللي فيها، يعني بصراحة، يعني معلن مثلًا، ها، أنه قانون فرنسي مثلًا أو قانون بريطاني، جيد، ولا يعترف بالمرجع الإسلامية كمرجع حاكم على هذا، فتجد أنه بعض المشايخ أو بعض كذا، هو يرى أنه من أهم الأعمال التي ينبغي أن يتقرب بها إلى الله وأن ينتفع بها الأمة هو دعم وتأييد والدخول مع، وبـ العكس، قد يهنا الإنسان على وظيفة رسمية دخل فيها يكون هو جزءًا من هذا.
حين أعقد مقارنة ما قلت يعني لفظًا صح ولا خطأ، بس جالس أعقد مقارنة، بس جالس أقول أنه في ناس أو أو السياق العلمي السابق من المحدثين أنفسهم الذين يعزى إليهم هذا الانتماء، ها، كان بعكس ذلك. كثير من منهم كانوا بعكس ذلك. طبعًا من أشهرهم الإمام أحمد.
الإمام أحمد كان شديدًا في هذه المسألة جدًا جدًا جدًا، إلى درجة أنه هجر ابنه صالح، كان يسكن معه في نفس البيت فضرب بسور داخل البيت، جدار بن جدار بينه وبين صالح وأولاده حتى ما يختلط معاه. هجر هجر ابنه، وضع بينه وبينه جدارًا وحاجزًا السلطان. فهجر ورأى أنه هذا أخذ المال من ظالم في إشكال وإلى آخره، مواقف كثيرة ومعروفة.
ولما تكلموا على إسماعيل بن عليه وتكلموا على يعني تكلموا عليه بكلام شديد، إسماعيل بن عليه لما تقرأ سيرة تجده من العباد من الصالحين من أهل الحديث من العلماء، لكنه دخل مع الدولة في بعض الأعمال خاصة الأعمال اللي تكون فيها قضية مالية، يعني يكون مثلًا أي الجباية أو شيء أو كذا، هذه يعني يشددون فيها تشديدًا عظيمًا.
وبعض العلماء لا كان ما عنده إشكال وكان يتبنى من العلماء الكبار من وقت بني أمية كان يتبنى أنه ما في إشكال في هذا السياق طالما أنه الإنسان في نفس عمله لا يعمل الحرام، وإنما عمومًا هذه مسألة عند العلماء السابقين وكانت معروفة جدًا. وكان من المشه من المشهور عند طوائف من العلماء حتى من الكبار جدًا الهرب الفرار من السلطة من الحاكم من الجند من العسكر للحكومة اللي تحكم بالشريعة أصلًا وكذا.
لما يطلب للقضاء أنه أحيانًا يطلب للقضاء أو يطلب لبعض الأعمال، فهو يهرب، يعني يختبئ، يختبئ يعني يروح يهرب من الحاكم وأحيانًا يسوي بعض الحركات، أحيانًا يسوي أنه مجنون، أحيانًا يسوي كذا، حتى يهرب. وكل قصص موجودة في سير أعلام النبلاء وغيرها حتى ما يدخل في السياق هذا، طبعًا ليس بناءً على نظرية فصل الدين عن السياسة، وإنما بناءً على نظرية تنزيه الدين والعلم عن أنه يكون السياسة اللي فيها شيء من الظلم ها، أنها أنها يعني إيش؟ تفسد تفسد في هذا الدين.
ولذلك من المشهور عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى أنه كان لما كان عنده شيء من الدنانير أو شيء يتاجر فيه أو شيء، فكأنه انتقد أو قيل له فقال: لولا هذه الدنانير لتمندل بنا هؤلاء الملوك. تمندل يعني من المناديل، خذونا ممسحة. فلولا هذه الدنانير اللي هي تعطيني قدر من الاستقلال عن الحكومة أو عن السياسة، لتمندل بنا هؤلاء الملوك، ها، الثقافة المعيارية اللي نشأ اللي ينشأ عليها الإنسان الشرعي أو طالب العلم في ذلك الوسط، هذا إيش؟ هذا الآن إحنا مع أن طبيعة علاقة الدولة بالشعب لم تكن مثل طبيعة علاقة الدولة الحديثة بالشعب.
يعني ما في علاقة الدولة ما هي هي هنا في ذاك الوقت ما هي علاقة في الهيمنة الشمولية ما هي علاقة في أنه أنت كل شيء مسيطر عليه، وكل حركة وكل سكنة وكل طلعة وكل نزلة كل سفر وكل ذهاب وكل مجيء وكل مولود وكل دراسة وكل شهادة كله يعني تحت نظام معين، أنا ما أتكلم عن هذه. كل الخطوات هذه أو أغلبها أصلًا تؤخذ منها أموال وفي سبيلها أموال.
ما أتكلم عن هذه، نتكلم عن مجرد الهيمنة الشمولية والرقابة الشمولية التي تحدث في نظام الدولة الحديثة. هذا أصلًا ما كان موجودًا سابقًا. ولذلك تجد أنه أصلًا أنه عادي عالم يكون نشأ في المدينة بعدين يعجبه شيخ في دمشق في يجهز الناقة ويطلع ويروح دمشق ويسكن في دمشق فيقول لك المدني الدمشقي خلاص يجلس بعدين في دمشق بقية عمره، الحدود مفتوحة، الدنيا الناس رايحة جاية.
عجبك هذا المكان ما عجبك تروح هناك حتى التغرب في طلب الرزق، يعني يعني صار في كساد في السوق ولا في شيء، عادي أنت ممكن تاخذ تجارتك وتروح بلد ثاني إلى إلى أقصى الأرض، يعني أنت تتكلم كل ما هو تحت حكم الإسلام، أنت ممكن تروح مثلًا من اليمن إلى سمرقند ولا شو اسمه بخارة هناك جهة أوزبكستان أو تروح إلى بلاد خراسان أو كذا أو بالعكس سيد. تعرفوا الإمام البخاري جاء من أوزبكستان إلى مكة، من أوزبكستان إلى مكة مهاجرًا في سبيل أن هو، يعني في الطريق طبعًا ما في حد يقول له الجواب التأشيرة الختم شو اسمه العموله الضريبة إلى آخره، عندك مخ تأخر في سداد كذا ما في، يعني هو طبيعة الحياه كانت طبيعة حرة.
أنا أقول ومع ذلك حصلت هذه المواقف من العلماء في الكلام على الإشكالات اللي يعني ممكن تكون موجودة عن، طيب هذا السياق العلمي الذي حفظ به الدين بعدما فسد السياق السياسي أو صار في إشكال في السياق السياسي، هذا إيش؟ ببطارية ولا إيش؟ هنا لا في حجرين معطية إشارتين مو حجرين إشارتين.
طيب، فإنا أقول إنه هذا السياق العلمائي الذي حفظ به الدين لم تكن الدولة تحاربه، لم تكن الدولة حتى مع فسادها تحاربه في التاريخ، وإنما كان الدولة تدخل في قضية أنه ممكن تعيين الفقهاء الكبار: من هو قاضي القضاة؟ من هو قاضي الحنفية؟ من هو قاضي المالكية؟ من هو قاضي الشافعية؟ يحلوا بعض المشاكل يعتنون بقضية ربما الأوقاف بقضية كذا، بس ما ما كانوا يتدخلون في مثلًا أنه أنت تلقي كلمة بعد الصلاة ما تلقي، عندك دروس تبغى تسوي خمسة دروس في اليوم، تب تسوي أربعة ثلاثة إ خلاص هو السياق العلمي مستقل له مدارسه له طريقته له علمائه والناس كانوا يتلقون دينهم بهذه الاستقلالية. اللي بيدرس شريعة يروح عند العلماء هذول. جيد.
إيه، طبعًا إحنا نقدر نقول أنه في مرحلة خير القرون من أبرز علاماتها أنه الدين في الشعب كان محفوظًا عبر العلماء. بعد ذلك حصل اختلال في موازنة حفظ الدين عن طريق العلماء. وأنا أظن أن حديث خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. ومن أهم ما فيه والله أعلم، من أهم وجوه الخيرية هو أن أنه السياق الداخلي للأمة كان محفوظًا فيه الدين بسبب العلماء. ثم بعد ذلك.
حصل فسادٌ حتَّى في الناحية الداخليَّة. هذا الفساد بغضِّ النظر عن قِلَّة عدد العلماء، وظهور البدع وكثرتها، وانتشارها وهيمنة بعضها، إلى درجة أنَّه صار فيه عرف، ثمَّ صار في موازنةٍ بين السنَّة والبدعة، ثمَّ صار في غلبةٍ للبدعة. فنشأت البدع خاصَّةً في تلك المرحلة البدع الكلاميَّة والطوائف إلى آخره، إلى درجة أنَّ الَّذي وقف أمام هذه البدع الكلاميَّة الاعتزاليَّة الشديدة الَّتي كانت منتشرةً جدًّا هم أناسٌ من أهل الفضل والخير، ولكنَّهم أيضًا كانوا خارجين أصلًا من السياق الكلامي، ولديهم بعض الإشكالات الكلاميَّة. فصار أنَّه حتَّى الدِّفاع عن السنَّة صار بطريقةٍ غير صافيةٍ، مثل الَّتي كانت قبل ذلك.
هذا التغيُّر الَّذي حصل أدَّى إلى إشكالاتٍ كبيرةٍ في واقع الأمَّة الإسلاميَّة. هذه الإشكالات استمرَّت عبر التَّاريخ. هذا مهمٌّ في التَّاريخ، ومهمٌّ في التَّصوُّر. هذه الانحسار، قِلَّة عدد العلماء، قِلَّة دور العلماء، وضعف دور العلماء، وظهور البدع، وسيطرة البدع، وانتشار البدع، وضعف السنَّة، كان له تأثيرٌ في هذه الأمَّة فيما بقي من التَّاريخ. طيب، بعد ذلك ضعفت الدَّولة العبَّاسيَّة، وعندما ضعفت الدَّولة العبَّاسيَّة، كان من أظهر صور ضعفها هو نشوء الدُّول المستقلَّة. في نفس الوقت نشأت بعض الدُّول في تلك المرحلة.
ثمَّ بعد ذلك صارت هيمنة بعض الوزراء، وهيمنة بعض رجال الدَّولة، والَّذين هم كانوا من الفرس والتُّرك. وصار في تغيُّراتٍ كثيرةٍ في السَّياسة. بعد ذلك حصل الاحتلال الصَّليبي. لمَّا جاء الاحتلال الصَّليبي، جاء والسَّاسة متفرِّقون تفرُّقًا شديدًا، وعندهم أَنَانيةٌ شديدةٌ في حفظ بلدانهم على حساب حفظ الأمَّة الإسلاميَّة. ما أبغى أفصِّل كثيرًا في هذه المراحل التَّاريخيَّة حتَّى لا يضيع أساس الموضوع، أو أساس السُّؤال. لكن الشَّاهد أنَّه بقي دور السَّاسة متقلِّبًا.
تارةً يصعد، وتارةً ينزل، وأحيانًا يجيء، وبدأت حتَّى الأدوار الَّتي ما كانت موجودةً سابقًا، صار في خياناتٍ. تجي خيانات، لكن هذه الخيانات هي خلاف الأصل. لم يحدث قبل ذلك أنْ أُسِّس نظامٌ ملكي إسلامي على فكرة التَّبعيَّة للصَّليبيين، أو تبعيَّة لقوى الاحتلال، بحيث أنَّ هذه التَّبعيَّة تصير تبعيَّةً راجعةً حتَّى إلى القانون، وراجعة إلى الثَّقافة، وراجعة. هذا ما حصل في التَّاريخ.
جيد، ما حصل في التَّاريخ، ما في شيء زي كذا. تحصل خياناتٌ فرديَّة. حصلت خياناتٌ فرديَّة ضمن نظامٍ معيَّن. يعني مثلًا في وقت الأيوبيِّين حصلت خيانات، في وقت الأندلس بعض الحكَّام حصلت خيانات. هذه الخيانات لمصالح شخصيَّة متعلِّقة بالبلد الَّذي يسيطر عليها الإنسان. طيب، الَّذي صار بعد ما تقلَّب التَّاريخ، وطبعًا جئنا للأيوبيِّين، بعدين جئنا للمماليك، بعدين جئنا للعثمانيِّين، أنَّه ظلَّ أمرٌ عامٌّ في النَّاحية السَّياسيَّة محافظًا عليه. لمَّا نقول محافظًا عليه، محافظ عليه بضعفٍ، بقدرٍ من، لكنَّه محافظ عليه في الجملة.
في الجملة، الَّذي هو: مرجعيَّة الشَّريعة وحماية الأمَّة من أعدائها الخارجيِّين الصُّرَحاء. جيد، لكن مقصد حفظ الدِّين، إحنا نقول كانت فيه أدوار من السَّاسة، وكانت فيه أدوارٌ من الحكَّام، وكان لهم سعيٌ في حفظ الدِّين، وكان لهم يتفاوت ما بين حاكمٍ إلى آخر، مع صورة الانحراف الَّتي صارت فيه أصلًا. يعني صار أحيانًا حفظ الدِّين، يعني حفظ هذا المذهب، هذا التَّمثُّل للدِّين بالنِّسبة للحاكم، سواء مذهبٌ عَقَديٌّ، أو مذهبٌ فقهي. لذلك صار فيه انتشارٌ لبعض المذاهب العقديَّة، وانتشار لبعض المذاهب الفقهيَّة، بناءً على تبنِّي حاكمٍ من حكَّامٍ لها.
هذا الحاكم يدعمها، ويدعم هذه المدارس، ويرى أنَّ هذا هو الإسلام الَّذي ينبغي الحفاظ عليه. فهو صورةٌ من صور حفظ الدِّين في الأخير. يعني حتَّى لو كان فيها انحرافاتٌ وإشكالات، بس حفظٌ للدِّين في الجملة أمام الكفر الصَّريح. والَّذي حصل في الزَّمن الحديث أنَّه جاءتنا مرحلة الاستعمار. مرحلة الاستعمار لمَّا جاءت، جاءت على طبيعةٍ جديدة. كان الاستعمار يستصحب معه فكرة التَّغيير الثَّقافي في البلدان الإسلاميَّة، وفكرة محاولة إفساد السَّياسة، والتَّحكُّم في الواقع الإسلامي.
ما نبي ندخل كذلك في التَّفصيل في سياق الاستعمار، الَّذي بدأ مع نابليون، طبعًا في أواخر القرن الثَّامن عشر، بعدين القرن التَّاسع عشر كاملًا هو قرن استعمار. بعدين القرن العشرون إلى منتصفه هو قرن استعمار. جيد، وسادة الاستعمار هم الفرنسيّون والبريطانيُّون. والَّذي بدأ الاستعمار هم الفرنسيّون على حملة نابليون، الَّتي توجَّهت إلى مصر، ثمَّ توجَّهت إلى الشَّام، وهُزمت أمام أسوار عكَّا، ورجعت مرَّةً أخرى. ثمَّ بعد ذلك الاستعمار البريطاني.
وطبعًا بعدين الاستعمار الفرنسي صار على المغرب العربي، واستمرَّ في الجزائر. استمرَّ في الجزائر 130 سنة استعمار صريح فرنسي. من 1830، إلى 1962. وبعدين عندنا، طبعًا حتَّى في الشَّرق، صار الاستعمار البريطاني على الهند، وهذا قصَّته قصَّةٌ، وفي تاريخ، وفي معارك، وإلى آخره، وطبعًا إلى أنْ، إلى أنْ هذا كلُّه الآن في ظلِّ وجود دولة بين قوسين، أو في الإجمال هي إسلاميَّة، وهي الدَّولة العثمانيَّة. هذه الدَّولة قامت بجانب حفظ الدِّين المتعلِّق بـ، عفوًا، بحفظ الأمَّة المتعلِّق بالجهاد في سبيل الله، والقتال، خاصَّةً في المرحلة الَّتي قبل الاستعمار، بحيث أنَّه في فتوحاتٍ حصلت في أوروبا لم تحدث في أيِّ تاريخٍ، أيِّ دولةٍ سابقة، حصلت على يد العثماني.
وبالنِّسبة لحفظ الدِّين، هم كانوا يحفظون الدِّين بناءً على التَّصوُّر الَّذي لديهم في قضيَّة المذهب الحنفي، وكذا، وإلى آخره، والحرص على، والحكم بالإسلام عمومًا. في مخالفاتٍ، في مخالفاتٍ، في ظلمٍ، في ظلمٍ، في إشكالٍ، في إشكالٍ، لكن في الأخير السِّمة العامَّة الَّتي تجمع الصِّفتين، الَّتي هي مرجعيَّة إسلاميَّة. يعني مثلًا الدَّولة العثمانيَّة ما كانت مثلًا تعتمد الدُّستور الفرنسي، ولا البريطاني. جيد، في الأخير هي تعتمد دستورًا إسلاميًّا، أو مرجعيَّة إسلاميَّة. نعم، صار في تقنين وصياغة هذه على شكل قوانين، بس هي في الأخير قوانين مستمَّدة من الفقه.
والظُّلم كان موجودًا بلا شكٍّ، وبشكلٍ واضحٍ. وعلى تفاوت، حماية المسلمين والأمَّة، هذه كانت واضحةً جدًّا في زمن العثمانيِّين، خاصَّةً في الأزمنة الأولى للعثمانيَّة. لأنَّك تعرف أصلًا الدَّولة العثمانيَّة هي أوائل، أو جذور نشأتها، هي نشأةٌ أصلًا قتاليَّة مع الصَّليبيِّين. هي هذه بدايات البدايات الأولى. بعد ذلك صار، يعني صارت حدود الدَّولة العثمانيَّة دائمًا هي ثغرٌ في مواجهة الصَّليبيِّين. كان من الأدوار الكبيرة الَّتي صارت في دولة، في وقت العثمانيِّين، حماية الأمَّة من المدِّ الصَّفوي.
وقت إسماعيل هذا الصفوي هو كان ترى مرشَّحًا، لو لم تكن هناك قوَّةٌ واضحةٌ عثمانيَّة، كان مرشَّحًا أن تكون عامَّة بلدان العالم الإسلامي تحت السَّيطرة الصفويَّة الشِّيعيَّة. وكان هو هذا إسماعيل كان ترى يمتلك بعض المؤهِّلات والقدرات العسكريَّة، الَّتي تؤهِّله أنَّه هو يسيطر على العالم الإسلامي. الَّذي وقف له مين؟ سليم، أظنَّها سليم. وقف له سليم، وصارت المعركة الكبيرة الَّتي هي في تبريز كانت، وأظنُّ، وانكسر المدُّ الصَّفوي، وكُسِرت الفكرة التَّوسُّعيَّة. فالحفاظ على دور الأمَّة، على مكانة الأمَّة. طبعًا الحروب الَّتي في أوروبا، القتال مع مختلف الدُّول الأوروبيَّة، إلى آخره.
هذا الاست. بس الدَّولة العثمانيَّة ضعفت لمَّا ضعفت، وجد الاستعمار بعض الأطراف الدَّولة العثمانيَّة لقمة سائغة. وفي نفس الوقت، السِّياق الأوروبي، ولأوَّل مرَّة في التَّاريخ، ولأوَّل مرَّة في التَّاريخ المتعلِّق بالمسلمين، تحصل له هذه النَّهضة. لأوَّل مرَّة في تاريخ الصَّليبيِّين والمسلمين يحصل للسِّياق الأوروبي هذه النَّهضة الشُّموليَّة. يعني سابقًا ممكن نقول والله جاء فيهم قائدٌ قويٌّ. ممكن سابقًا في مرحلة الحروب الصَّليبيَّة، نقول والله كان فيهم مثلًا جيوش مخلصة للفكرة النَّصرانيَّة، العقيدة النَّصرانيَّة. والله ممكن كانت الإمداد ما تنقطع. هذا كلُّه شيء.
وفكرة النَّهضة الفكريَّة والشُّموليَّة الَّتي حصلت في أوروبا في وقتٍ ما، كان في المسلمين الدَّولة العثمانيَّة شيء آخر تمامًا، وهذا كان يتصاعد، بدايةً من القرن العاشر، ثمَّ بدأ يتصاعد، ثمَّ بدأ يتصاعد، إلى أن وصلت الذُّروة في القرن التَّاسع عشر. وكان في، طبعًا، زي ما قلنا، نابليون، وانتشرت وقتها حتَّى في الغرب فكرة القوميَّات وكذا، وصار في انعكاسٍ لها في الهيمنة على الشُّعوب الأخرى، والتَّنافس بين الغرب في السَّيطرة على الشُّعوب الأخرى، والَّتي هي بطبيعة الحال الشُّعوب المسلمة في الأساس. كان الغرب قد وصل إلى مرحلةٍ متقدِّمةٍ في كثيرٍ من الإنجازات، ومن أهمِّها في تلك المرحلة، الإنجازات في الاختراعات والصِّناعات.
صار في تفوُّق مادِّيٍّ كبير، وأظنُّ يعني لمن قرأ شيئًا في تاريخ نابليون مع مصر أنَّه كان في مفارقةٍ عجيبةٍ جدًّا في القتال الَّذي حصل بين البنادق الفرنسيَّة وبين أسلحة مماليك. أنَّه يعني عارف كأنَّه كانت الصُّورة عبارةً عن مفارقةٍ بين حضارتين، أو بين، خلينا نقول، سياقين في الجانب التَّقني، المماليك جايين يقاتلون بالأسلحة القديمة وبشو اسمه وبخي ما أدري كان عندهم بعض البنادق ولا لا، أمَّا الفرنسيون جايين بأسلحةٍ متطوِّرةٍ وحسمت المعركة، يعني السَّبب الأساسي فيها، أو من أهمِّ أسبابها، الأسلحة والتَّطوُّر الَّذي فيها. طبعًا ظلَّ الغرب يتطوَّر بشكلٍ مهولٍ ومتسارعٍ جدًّا، إلى أنْ صار هناك ترسانه عسكريَّة هائلة ظهرت خاصَّةً مع الحرب العالميَّة الأولى.
طبعًا في نفس قبل الحرب العالميَّة الأولى صار في اختراعات، الَّذي هو السَّيَّارة، والطَّائرة، إلى آخره، كلُّ هذا اختراعاتٌ في الأخير حصلت في السِّياق الغربي. وهي نتيجة تسلسل فكر، وتجيء أهميَّة دراسة الفكر الغربي، وإيش التَّطوُّر الَّذي صار فيه، وليش هم بدأوا كذا، وليش صاروا في كذا، وأيش المرتكزات الَّتي، هذه كلُّها لها انعكاسات، الغرب كانوا في ذيك المرحلة، يعني في قمَّة الاستعمار، الَّذي هو في أواخر القرن إيش؟ التَّاسع عشر، في أواخر القرن التَّاسع عشر، وفي بداية القرن العشرين.
طب، وينك يا دولة عثمانيَّة الَّتي كنتِ تحمين الحدود، والَّتي كنتِ تحمين الأمَّة؟ الآن ضعيفة، وصار فيها أصلًا فسادٌ داخليٌّ، وصار فيها إشكالات، وصار فيها، وفيها، وفيها، وبالتالي جاءت بريطانيا وبكلِّ بساطةٍ وضعت يدها على مصر. طبعًا مصر بالنِّسبة لأيِّ دولةٍ إسلاميَّة، لأيِّ خلافةٍ إسلاميَّة، خلينا نقول، ملكٍ إسلامي عامٍّ، مصر تأتي في، يعني في ذروة الأهميَّة. فلمَّا جا، لمَّا استعمر البريطانيُّون مصر في ظلِّ وجود الدَّولة العثمانيَّة.
طبعًا هي قبل كذا كانت، يعني مصر استقلَّت عن الدَّولة العثمانيَّة بشكلٍ تنفيذي، يعني، خلينا نقول، تحت حكم محمَّد علي باشا وذرِّيَّة محمَّد علي باشا، لكن في الأخير هو في دولةٍ كبيرةٍ إسلاميَّةٍ موجودة، دولة عثمانيَّة. طبعًا إلى الآن ما سقطت الدَّولة العثمانيَّة. بدأت ظاهرةٌ جديدةٌ، هذه الظَّاهرة الجديدة لم تكن موجودةً سابقًا في التَّاريخ، وهي ظاهرة الهيمنة الفكريَّة والتَّأثير الفكري على العالم الإسلامي عبر المحتلِّ.
في عندك محتلٌّ سابقًا، المحتل الثَّقافي، الشَّعبيَّة العامَّة، والثَّقافة العلمائيَّة العامَّة، والثَّقافة النُّخبويَّة العامَّة، هي مقاومةٌ لهذا المحتل، حتَّى الَّذي ما يقاومه الآن قتالًا، يقول ما نقدر، هو يرى أنَّه أهميَّة مقاومة هذا المحتل، وهذه الثَّقافة الَّتي يُنشأ عليها الجميع. الآن صار عندنا في ظلِّ الاستعمار، وحتَّى الدَّولة العثمانيَّة موجودة، صار عندنا أمنيَّةٌ لكثيرٍ من الشَّعب في العالم العربي أنْ هو يروح لبلد المحتلِّ ويتعلَّم عند المحتلِّ، ويتطوَّر مثل ما تطوَّر المحتلُّ الَّذي احتلَّني.
وهذا أكثر ما حصل في العالم العربي في زمن محمَّد علي باشا في مصر. لمَّا أخذ يرسل البعثات المصريَّة إلى فرنسا لتتعلَّم، وتأخذ من الثَّقافة الفرنسيَّة. وهنا جاء عالم، أو خلينا نقول طالب علم، ولا شيخ من الوسط الشَّرعي المصري، تخيَّل. شوف السَّابقة، شوف السَّابقة، الَّتي لم تكن موجودةً في التَّاريخ يترجم الدُّستور الفرنسي إلى اللغة العربيَّة. الَّذي ترجم الدُّستور الفرنسي إلى العربيَّة، رفاعة الطَّهطاوي. جيد، هذا شيء، يعني أنت لو تجي في زمن المماليك مثلًا، طلع إيش؟ ما تطلع من بلاوي في زمن المماليك على كيفك، بس هم ترى في الأخير، المماليك عندهم شيء أساسي، الَّذي هو حماية الثَّغر البحري من الهجمات الفرنجة والصَّليب.
شيءٌ مُسَلَّمٌ. أمَّا أنَّ المماليك كانوا يرسلون ناسًا للفرنجة يتعلَّمون ثقافتهم، وهذا وبعض يتبعون لهم، هذه مصيبة. فهذا حصل بالمناسبة حتَّى رفاعة الطَّهطاوي، الَّذي ترجم الدُّستور الفرنسي إلى اللغة العربيَّة، والَّذي كان متأثِّرًا بتلك الثَّقافة، والَّذي كانت لا تزال المكوِّنات الشَّرعيَّة الَّتي تكون منها، أو بها، لا تزال كانت تعطيه بعض بعض الومضات في استعلائيَّة.
متحف وكذا، عارف في كذا، في نزعة استعلائيَّة. شاهد أنَّه حصل أنَّ هذه أشياء تحدث لأوَّل مرَّة، أشياء تحدث لأوَّل مرَّة. لمَّا نقول تحدث لأوَّل مرَّة، لأوَّل مرَّة معناها أنَّه أنت الآن كمان تحتاج إلى قراءةٍ جديدةٍ. يعني لازم تفهم، لازم تستوعب إيش صار، ما يصير تتعامل بنفس أنَّ الوضع زي ما هو سابقًا. طبعًا نفس الشيء صار في الدَّولة العثمانيَّة. صار في أتراك، عامل الدَّولة العثمانيَّة أحلامهم وأمانيهم أنْ يدرسوا في فرنسا. في نفس وجود، ظلِّ وجود الدَّولة العثمانيَّة. وبالفعل ذهبوا إلى فرنسا، وصار في أندية، وتجمُّعات تركيَّة تعيش في فرنسا، وتؤمن بغلبة الثَّقافة الفرنسيَّة، وتقدُّميَّة الثَّقافة الفرنسيَّة، وتخلُّف الوسط، أو المرجعيَّة الإسلاميَّة، أو المرجعيَّة الفقهيَّة، أو أيًّا كان.
هذا الآن أشياء جديدة. هذه الآن أشياء جديدة. يعني هذه في العرف لامي، في العرف التَّاريخي، في عرف التَّاريخ، هذه أشياء جديدة. ما في شيء زي كذا. وشيئًا فشيئًا بدأت الإكراهات بحكم التَّفوُّق العسكري، بدأت الإكراهات الغربيَّة على الدَّولة المظلَّة الإسلاميَّة الأساسيَّة، للدَّولة العثمانيَّة. بدأت الإكراهات الَّذي هو فتح السَّفارات في داخل الدَّولة العثمانيَّة، وكذا، واشتراطات للرَّعايا الأجانب، واشتراطات أنْ تكون لهم حقوق في مادري إيش، واشتراطات أنْ تكون لهم حقوق في كذا، وحقوق في كذا، وصاروا يتحكَّمون حتَّى لمَّا صارت حرب بين محمَّد علي باشا وبين الدَّولة العثمانيَّة، الَّذي فصل بينهم، وقف محمَّد باشا الغرب.
أي، ولا كان إبراهيم باشا ولد محمَّد علي باشا كان واصلًا لاسطنبول. فالَّذي رجَّعوه قالوا له يا حبيبي، يلزم حدَّك. صح أنَّك أنت يعني تحبُّ الثَّقافة الغربيَّة، وصح أنَّه أنت كذا، بس أنَّه إحنا عندنا موازناتٌ سياسيَّةٌ، وعندنا نظر إلى العالم كذا، وإحنا، وبعدين إيش، الَّذي تجي تأخذ إرث الدَّولة العثمانيَّة، إرث الدَّولة العثمانيَّة لنا، إيش الَّذي جاي كذا تأخذه كذا بسهولة. حتَّى لو أنت ما تأخذه، فوقفوا ورجَّعوه، أيوه. هنا صار في التَّحكُّم الغربي لأوَّل مرَّة. هذا كلُّه أقصد، مو في هذا الحدث، وإنَّما في مجموع هذه الأحداث. في نفس الوقت نشأ سياقٌ فكريٌّ كبيرٌ جدًّا، اسمه السِّياق الاستشراقي.
صارت عندنا دراساتٌ علميَّةٌ متقدِّمةٌ وكبيرةٌ، بل صارت هذه الدِّراسات، هذا النَّوع من الدِّراسات ربَّما بعضه لا يعرفه المسلمون سابقًا أصلًا. المسلمون المتفوِّقون في التَّأليف، بطبيعة الحال أنت تعرف إحنا أهمُّ الكتب الَّتي عندنا، وأعلاها، وأعظمها، وأعجبها، هي الكتب المؤلَّفة قبل ذلك في التَّاريخ. يعني إحنا تعرف، مو الكتب المعاصرة، ولا الكتب الَّتي في آخر 200 سنة. عندنا الكتب من القرن، أنا نقول لك، الرَّابع، الخامس الهجري، إلى القرن التَّاسع الهجري. هذا الزَّمن الذَّهبي لتأليف المرجعيات الكبرى في التُّراث الإسلامي، في مختلف العلوم الإسلاميَّة.
أنواع التَّأليف، وأنواع الإبداع في التَّأليف، والموسوعات الكبرى، وإلى آخره، إحنا صار عندنا الآن دراساتٌ مختلفة. صار في سياقاتٍ أكاديميَّة، هذه السِّياقات الأكاديميَّة غربيَّةٌ في الأساس، وهذه السِّياقات فيها دراساتٌ متخصِّصة، وهذه الدِّراسات المتخصِّصة ترجع تعيد قراءة التُّراث الإسلامي بعينٍ كافرة، بعينٍ أجنبيَّة، بعينٍ لا تعترف بأنَّ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم رسولٌ من عند الله، وتحاول أن. وهنا يجيء أهميَّة دراسة الفكر الغربي. تحاول أنْ تستعمل الأدوات الَّتي عُمِلت بها العلوم الفكريَّة، أو أُنتِجت بها العلوم الفكريَّة والإنسانيَّة في السِّياق الغربي، أخذت نفس الأدوات، وإيش سوت فيها، وقرأت بها التُّراث الإسلامي، وأعادت بها تفسير التُّراث الإسلامي.
ومن هنا صار عندنا شيءٌ كبيرٌ وواسعٌ جدًّا، اسمه التَّشكيك في ثوابت الإسلام. شبهاتٌ حول كلِّ شيءٍ في الإسلام، ولكن بطريقةٍ غير سطحيَّة. نعم، في شبهات، الشُّبهات نفسها فيها سخف، فيها أخطاء، بس تحت مظلَّةٍ علميَّةٍ عميقةٍ جدًّا، وفيها تفانٍ، وفيها تقدُّمٌ عجيبٌ وغريبٌ، لم يحصل في تاريخ المسلمين ضدَّ غير المسلمين، إلَّا نادرًا جدًّا جدًّا. يعني لم يحصل للمسلمين أنْ قرؤوا الأصول المرجعيَّة للتُّراث الغربي أو الصَّليبي في ظلِّ المعارك الصَّليبيَّة قراءةً شموليَّةً نقديَّة، يرجعون فيها إلى أساس التَّاريخ، وإلى أساس المنطلقات الفكريَّة، وما إلى ذلك.
لم يحصل هذا جيد، ولكنَّه حصل بالعكس، جاء. بس الله يجزيك الخير ما أكلها، ما أكلها، ما أكلها، الله يجزيك الخير. فحصل العكس. حصل أنَّ الغربيِّين قرؤوا التُّراث الإسلامي قراءةً شموليَّةً واسعة، وهذه القراءة الشُّموليَّة الواسعة نقدوا فيها كلَّ شيء. طبعًا، تعلُّم اللغة العربيَّة، مو تعلُّم اللغة العربيَّة، سوَّوا مراجع إسلاميَّة. صار، صار كثيرٌ من الباحثين الإسلاميِّين يرجعون إلى بعض مؤلَّفات المستشرقين الكفَّار، ليستفيد المسلمون أنفسهم في تراثهم هم، عن طريق الكتب الَّتي ألَّفها المستشرقون.
فحتَّى يعني في أشياء هم سووها لأنفسهم للتَّسهيل. سووا فكرة المعجم المفهرس مثلًا، المعجم الفهرس لألفاظ الحديث النَّبوي. هذا معجم سواه مستشرقون كفَّار. صار الباحثون في الحديث يستفيدون من هذا المعجم للوصول إلى الأحاديث والأسانيد، والكذاب، حكم دِقَّة هذا المعجم وشموليَّته، والله عجيب، شيءٌ جديدٌ، شيءٌ مهمٌّ، شيءٌ محكم. طبعًا في فكرة المعاجم موجودةٌ عند المسلمين، وأيضًا فيها إبداع، وفكرة الأطراف والأسانيد. لكن هذا شيء جديدٌ أيضًا. هذا أدَّى إلى انتشار وتغلغل الثَّقافة الغربيَّة في الأوساط الإسلاميَّة.
جيد، طيب، إيش وضع السَّياسة؟ إحنا هذا كلُّه الآن، هذا كلُّه الآن من جهة المحتلِّ، من جهة إيش وضع السَّياسة في ذلك الوقت؟ السَّياسة إذا جئنا نتكلم عن مصر مثلًا، بحكم أنَّها في قلب العالم العربي والإسلامي، السَّياسة كانت تشكِّل أوَّل صورةٍ انهزاميَّةٍ فكريَّةٍ أمام المرجعيَّة الغربيَّة والثَّقافة الغربيَّة. الَّذي هو من جهة دولة محمَّد علي باشا، ومحمَّد علي باشا أثره السَّلبي على الأمَّة الإسلاميَّة وعلى العالم الإسلامي كبيرٌ جدًّا جدًّا جدًّا. وبطبيعة الحال الآن يعرض على أنَّه بطريقة تمجيد، يعني مؤسِّس الدَّولة الحديثة، وكذا، وإلى آخره، لكن هو حقيقةٌ من، من أفسد، من أشدِّ من أفسد في العالم الإسلامي في تلك المرحلة.
وكان من أهمِّ صور الإفساد الارتباط بالمرجع الغربيَّة، أو بالثَّقافة الغربيَّة. على أنَّه إحنا نقول، كمان، ما هي التَّبعيَّة المطلقة الشُّموليَّة العمياء، وإنَّما، يعني تقدر تقول أنَّه كان فيها استفادة لتقوية الواقع المصري والدَّولة المصريَّة ببعض الأدوات الغربيَّة الحديثة، مادري إيش، كذا، مع انهزاميَّةٍ ثقافيَّةٍ، مع. بس ما وصلت إلى أبعد درجة. أمَّا فكرة دور حماية الدِّين، هذا إنسان إيش سوى؟ السِّياق العلمائي مفترض.
طب، إيش مثلًا قبل هذه المرحلة، قبل مرحلة محمَّد علي باشا على طول؟ هل كان في سياق علمائيٌّ في مصر له تأثيرٌ شعبيٌّ وله دورٌ في حفظ دين النَّاس، وما إلى ذلك؟ الجواب نعم، نعم، عبر الأزهر. طبعًا كان في مشايخ أقوياء، وكان في مشايخ، يعني لمَّا جاء الاحتلال الاستعمار الفرنسي، وبعد ذلك حكم محمَّد علي باشا، كان من الأشياء الَّتي عملها محمَّد عي باشا هو إضعاف الدَّور العلمائي والمؤسَّسة الدِّينيَّة بشكلٍ واضح. فهنا بدأ يضعف الأمران بشكلٍ جديدٍ، عارف.
وحتَّى الوسط العلمائي نفسه صار في نشأةٍ داخله، خلينا إحنا علمائي، مو بالضَّرورة العلماء فقط، العلماء هم لهم تخصصٌ شرعيٌّ. خلينا نقول الوسط الإسلامي جيد، نشأ، يعني خلنا نقول، ثقافات فيها، يعني فيها تأثُّرٌ ببعض الإشكالات الغربيَّة. يعني مثلًا لمَّا تشوف جمال الدِّين الأفغاني، جمال الدِّين الأفغاني كان في نفس تلك المرحلة، الَّتي هي متى؟ في أواخر القرن التَّاسع عشر. لمَّا تشوف جمال الدِّين الأفغاني وتأثُّره بطروحات المستشرق الفرنسي الَّذي هو كان مين؟ رينان، أظنُّه، لو تشوف بعض الرَّسائل الَّتي بين جمال الدِّين الأفغاني وبين هذا المستشرق، ومدى إيمانه ببعض اطروحات المستشرق، تقول يا لطيف، تقول يا لطيف.
هل هذا، هل إيش؟ نعم، لكنَّها مناظرةٌ فاشلة، فاشلة جدًّا. يعني لمَّا تجي تقول تقول يا ترى بالله هل هذا هو المصلح الإسلامي الكبير، الَّذي كان سيحرِّر الأمَّة؟ وعلى أساس أنَّه سيحرِّر الأمَّة، طبعًا مع الأسف يعني هو سار التَّأثر الفكري شيئًا فشيئًا. فصار أحيانًا تكون في قراءةٍ لجمال الدِّين الأفغاني أنَّه بالفعل هو محرِّر، أو هو الَّذي أيقظ الأمَّة الإسلاميَّة. طبعًا إحنا ما ننفي أيَّ دورٍ إيجابيٍّ لجمال الدِّين الأفغاني. هو كان له دورٌ إيجابيٌّ في السَّعي في مقاومة الاستعمار، وفي نفس الوقت لمَّا تجي تتكلَّم عن الأفكار الدَّاخليَّة لجماع الدِّين الأفغاني، هي أفكارٌ ليست صافية، أفكارٌ فيها إشكال، أفكارٌ فيها إشكال، حتَّى إشكال في التَّأثُّر بالثَّقافة الغربيَّة نفسها.
طبعًا هو عاش فترةً في فرنسا، ومع محمَّد عبده كانوا ينتجوا مجلَّة العروة الوثقى من فرنسا، بس هي في الأخير مجلَّة بين قوسين إسلاميَّة، يعني ليست هي مجلَّة غربيَّة، ليست مجلَّةً للثَّقافة الغربيَّة، مجلَّة الإسلاميَّة، ولكن في تأثُّرٍ عند جمال الدِّين الأفغاني ببعض الأطروحات، وبعض الإشكالات، فضلًا عن انتمائه الَّذي لا شكَّ فيه للماسونيَّة. انتماءٌ يعني ما في تشكيك في هذه القضيَّة، أنَّه انتمى ولا انتمى، وانتمى للماسونيَّة، لكن فقط هو البحث في أنَّه ليش انتمى الماسونيَّة، وأنَّه هل الماسونيَّة أصلًا كانت واضحةً في تلك المرحلة، وأنَّه لا، يا جماعة، ما كانت واضحة، وإنَّما كانت حركةً إنسانيَّةً تعنى بالتَّنوير، وتُعنى بـ، يعني كذا، وإلى آخره.
وأنَّه ليست القضيَّة هي ماسونيَّة الَّتي هي الحركة الباطنيَّة السِّريَّة، الَّتي تسعى لتمكين، إلى آخره، وسحق المكوِّنات الإسلاميَّة والتَّمكين للصِّهيونيَّة العالميَّة. يعني ما كانت، ما كانت هذه صورة الماسونيَّة في العالم. ولذلك هو كان في المحفل الماسوني، الماسوني، صراحةً، بس إحنا نتكلم على أساس الفكرة، أنَّه أنت جاي مصلح، على أساس أنت بتحرِّر الأمَّة من الاستعمار، وداخليٌّ في الماسونيَّة، حتَّى باعتبارها حركة تحرُّرٍ إنسانيٌّ، ولا حركة يعني إخاءٌ إنسانيٌّ. وفي الأخير، يعني نفس الغطاء الفكري هذا هو خطأٌ في إشكال.
لاحظ أنت الآن، إحنا شوف جالسين نذكر صورًا متفرِّقةً، النَّاظِم لها إيش؟ صح، من جهة من جهة تدنِّي دور العلماء والسَّياسة. ومن جهةٍ أخرى هيمنة، بداية، بداية هذه بداية لأوَّل مرَّة منذ بعثة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، لأوَّل مرَّة في تاريخ المسلمين على الإطلاق، بداية الهيمنة الثَّقافيَّة الغربيَّة على الأوساط، أوساط العالم الإسلامي. بداية الهيمنة الثَّقافيَّة. حصل احتلالٌ عسكريٌّ، حصل جدالٌ فكريٌّ.
ترى في وقت الأندلس بين الصَّليبيِّين وبين، في في جدال. لكن أنَّه ما كان أبدًا، بالعكس، كانت تعرفوا السَّائد هو بالعكس أنَّه ترى النَّصارى كانوا يستفيدوا من المسلمين في الأندلس، وكانوا يدرسوا عندهم. تعرف الرِّسالة هذيك الَّتي قال: وحسرت على شباب العربي، شباب النَّصارى يذهبون فيدرسون الثَّقافة العربيَّة، ويكتبون حتَّى أنَّ بعضهم يتحدَّث العربيَّة أكثر ممَّا يتحدَّث اللاتينيَّة وكذا، وإلى آخره. نفس الَّذي صاير الآن بالنِّسبة للأمَّة المسلميَّة في البعض، أي.
فلاوَّل مرَّة يح، شوفوا، إحنا الآن ما جئنا الدَّورة الهيم الشُّموليَّة، إحنا بس الآن نتكلم عن بوادر هذه الهيمنة. مين الَّذي أسهم فيها؟ الَّذي أسهم فيها عاملان أو ثلاثة عوامل: العامل الأوَّل هو الحرب المباشرة نفسها، والَّتي كانت لم، والَّتي لم تكن حربًا سياسيَّةً فقط، وإنَّما كانت حربًا يجتمع فيها الجانب السَّياسي مع الجانب، عفوًا، الجانب العسكري مع الجانب الثَّقافي. ترى هذا من وقت نابليون نفسه. نابليون نفسه لمَّا جاء في أواخر القن التَّاسع عشر هو جاء وهو يستصحب فكرة التَّأثير الثَّقافي. هو جاي بهذا، يعني هذا من مقاصده.
جيد، والكلام هذا معروف، يعني ليس ليس كلامًا هو كلامٌ معروفٌ ومسلَّمٌ. هذا قلنا إيش؟ الجانب الأوَّل. صح؟ الأسهم الجانب الثَّاني هو التَّبعيَّة السَّياسيَّة، والضَّعف السَّياسي الَّذي حصل في الأمَّة الإسلاميَّة. خلينا نقول ما نبي نقول التَّبعيَّة المطلقة، نقول بداية التَّبعيَّة، بداية التَّبعيَّة السَّياسيَّة للعالم الغربي. طبعًا في وقت محمَّد علي باشا، محمَّد علي باشا زي ما قلنا، له دورٌ سلبيٌّ جدًّا، وكان له تأثيرٌ في قضيَّة التَّأثُّر بالثَّقافة الغربيَّة. وهو أرسل بعثات للعالم الغربي، لكن في نفس الوقت، يعني كانت صورته صورة الحاكم القويِّ، الَّذي يريد أنْ يطوِّر بلده، ويحمي شعبه، ويعني ينقل الأمَّة المص.
وبالمناسبة، في ذاك الوقت ترى بدأ مفهوم الأمَّة المصريَّة، أو حتَّى يعني في نفس تلك المرحلة بالضبط، يعني مرحلة محمَّد علي باشا، فظاهر بصورة الحاكم الَّذي يريد أنْ ينقل الأمَّة المصريَّة إلى أمجادها، ويعلي من شأنها ومكانتها، وأنَّ استعمال الأدوات الحديثة هذا بخلاف الدَّور الأكثر انحطاطًا، الَّذي صار في بعض أحفاده، يعني بعض أحفاده ما كانت عندهم عزَّة محمَّد، ما كان عندهم قوَّة محمَّد علي باشا، الَّذي هو أصلًا أجرم في حقِّ الأمَّة الإسلاميَّة كثيرًا، وأشكل، وسبب إشكالاتٍ كثيرةٍ ثقافيَّةٍ، لكن جاء من أحفاده أصلًا من لا يمتلكون حتَّى الصُّورة الاستقلاليَّة، ولا حتَّى القوَّة العسكريَّة، ولا، وإنَّما كان انبطاحًا للغرب، انبطاحًا مخزيًا، انبطاحًا مخزيًا.
واقرأوا في قصَّة إنشاء قناة السُّويس، والتَّعهُّدات الَّتي صارت فيها، وإلى آخره، ومقدار الذُّلِّ الَّذي صار على الأمَّة الإسلاميَّة، وعلى السَّياسة المصريَّة، والارتهان للقوى الغربيَّة في قصَّة إنشاء القناة، اقرؤوها، شوفوا، شوفوا كيف الذُّلُّ الَّذي كان موجودًا، والهوان الَّذي كان موجودًا، ومقدار
النفسُ من التخطيط، من الهيمنة الشمولية. أُضربُ الكرة هنا، لآخذها بعدين وأُحط هنا شيء، وبينما لا يستعجلون في إسقاط الدولة العثمانية.
الدولة العثمانية كانت تعرف أنَّها ستُضرب، ولكنهم لم يستعجلوا، أخذوا قليلًا قليلًا. ثمَّ يدخلون في جهة، في مكان، صابرين على الناحية الثقافية. صابرين على أن يأخذوا نُخبًا من الأمة الإسلامية ويربوهم في فرنسا. هذه العجلة في الصبر الغربي جعلت نتائج الاستعمار والاحتلال والهيمنة الغربية أكثر تأثيرًا.
وصلنا في سياق ما ذُكر إلى جانبين: الحرب الشاملة والصعبة، والحرب التي تجمع بين الأمرين. والضعف السياسي، ثمَّ بداية التبعية السياسية، والضعف العلمي. الضعف العلمي صار جزءًا منه بسبب محمد علي باشا والدولة الحديثة، والضعف الذي صار فيها.
كان هناك عالم تقليدي (بين قوسين)، أي على سبيل المدح لا الذم. لم يدخل في تجديد الفكر الإسلامي والنظرة الغربية والتأثر بها. جمال الدين الأفغاني تبعه محمد عبده. محمد عبده كانت عنده قدر من الانهزام الثقافي أمام الضغط المادي الغربي. لذلك، أنكر قضية المعجزات.
السبب في إنكارها هو أنَّ كل شيء تم اكتشافه وتفسيره فيزيائيًا وكيميائيًا ورياضيًا. فما فكرة المعجزات؟ انهزم أمام هذه القضية، وتبنى فكرة التجديد والإصلاح. التجديد والإصلاح له صورتان: الرجوع إلى ميراث النبي ﷺ وإزالة الحواجز التي عارضت هذا الميراث، أو الاتيان بالمكونات الثقافية الجديدة وبثها داخل التراث الإسلامي. محمد عبده تبنى الإصلاح الثاني، وهو مخطئ في هذا، ومُحق في جوانب الزيادة.
محمد عبده كان له وجه حق في جانب واحد في هذه القضية، وهو أنَّ هناك إشكالًا في بعض مقررات الأزهر، وبعض الجمود، يحتاج إلى علاج، ولكن ليس بالطريقة التي فعلها. هذا التقليدي كان منتبهًا لكل الأشياء التي زِيدت في الوسط الشرعي، ولكل المكونات التي بدأت تنتشر في طبقة المثقفين. هذه الطبقة نشأت في العصر الحديث.
في بداية القرن العشرين، محمد عبده توفي سنة 1905. هي نفس سنة مولد مالك بن نبي. بدأت تنتشر الثقافة الغربية في المجتمع. صار في جيل درس في فرنسا والغرب، ورجع، وأخذ دكتوراه. فكرة أنك ترجع وأنت دارس في فرنسا تعطيك ميزة كبيرة جدًا.
ما يزيد من قيمة هذه الميزة، الحكام الفاسدون، الذين هم من ذرية محمد علي باشا. فتحوا آفاقًا لهذه القضية، حتى وصل البعض ممن درسوا في الغرب وتأثروا به، إلى أن يصبحوا وزراء. طه حسين، نموذج ثقافي متأثر بالطرح الغربي، وتأثر بطروحات ديكارت في المنهج الشكي، وأراد أن يطبقه على التراث الإسلامي، وظهر بكتاب "الشعر الجاهلي"، وصارت ضجة كبيرة.
من هو العالم التقليدي؟ مصطفى صبري، آخر شيخ إسلام في الدولة العثمانية. لما صارت التغييرات الأخيرة في الدولة العثمانية بعد الانقلاب على عبد الحميد، ثم هرب من تركيا إلى مصر. مصر في تلك المرحلة كانت قلب التغيرات الثقافية في العالم الإسلامي. كل ما نسمعه من تغير ثقافي، من آثار استشراق، تغريب، استشكالات، جيل درس في الغرب ورجع، كله كان في مصر.
مصطفى صبري، كتاب "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وأنبيائه المرسلين". كتاب كبير في أربعة مجلدات. المجلد الأول هو الأهم. اقرأ هذا المجلد بعين أنَّ التغيرات التي حصلت في الوسط السياسي، العلمي أو السياسي، الإسلامي. هذا الكتاب من أهم الكتب التي ترصد التغيرات والتاثر الذي حصل في الوسط الإسلامي بالثقافة الغربية.
قبله كتاب عن المرحلة التي قبلها، وهو كتاب مهم جدًا جدًا يرصد التغيرات التي حصلت في الوسط الأدبي والثقافي، وتأثرها بالناحية الغربية، وفي مصر تحديدًا كقلب العالم الإسلامي، بالتفصيل الممل، أكثر من التفصيل الذي ألفه مصطفى صبري.
هذا الكتاب هو "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر". العنوان لا يدل على أنه بحث أكاديمي جامد، في دراسة الأساليب الأدبية والاتجاهات الشعرية، بل يرصد الفترة التي قبل مصطفى صبري. مصطفى صبري يرصد الفترة التي بعد الحرب العالمية الأولى إلى الثانية.
أقرأ عليكم المقدمة، لتروا كيف كان يعتبر أنَّ ما هو فيه هو من الجهاد، أنه صار في جهاد جديد. يقول المؤلف: إلى روح والدي، كان أعظم أمانيك في أمري. رحمه الله عليك وعلى والدتي. لم تكن تساندك فقط أو تساهم فقط، بل تسابق فيما يرجى فيه رضا الله تعالى.
كنت في ملتقى الشباب والصبية، وطلبت أن تسافر إلى قيصرية، المشتهرة بعلمائها بين مدن الأناضول. كان أعظم أمانيك أن أجتهد في طلب العلم وأصبح عالمًا من علماء الدين. كنت في رغبتك هذه أشد شرهًا من المنهي.
لما أتيت إلى استنبول ورأيتني أدرس في جامع السلطان محمد الفاتح، الذي كان في عهد الدولة العثمانية كالأزهر الشريف بالقاهرة وأفضل من الأزهر الحاضر. كنت في الثامنة عشرة من عمري.
في الثانية والعشرين، كنت مدرسًا في جامع الفاتح. لم يكن التعليم الحديث البائس قد فُرِضَ على الناس. في ذلك الوقت، قلت لبعض أصدقائي: اطلب العلم في الأستانة بعد القيصرية.
فحصلت على شهادة العالمية، وتربَّيت على كرسي التدريس. كان الواجب عندي أن أستمر في التعلم حتى أبلغ العُلى. كنت على حق في استقلال مكتسباتي العلمية. رأيتها قليلة. ولكن استعجال القدر في أمري ظهرت حكمته.
ثاني ما لم يسرك من موقفي يومئذ أني توليت وظيفة التدريس بمرتب من الحكومة. هذا كان على الرغم من أنك لست بذي ثروة تكفلني وأسرتي. لو كنت حيًا يوم توليت منصب المشيخة الإسلامية في الدولة العثمانية، ما ازددت مكانة عندك.
ولكن لو رأيتني وأنا أكافح سياسة الظلم والهدم والفسوق والمروق في مجلس النواب والصحف والمجلات قبل عهد المشيخة والنيابة وبعدهما، وأدافع عن دين الأمة وأخلاقها وآدابها وسائر مشخصاتها.
أقضي ثلث قرن في حياه الكفاح، معايشة الشدائد والمصائب ومغادرة الوطن مرتين في سبيل عدم مغادرة المبادئ، مع اعتقال فيما وقع بين الهجرتين، غير محسوبًا بالندم على ما ضحيت به في هذا السبيل من حظوظ الدنيا ومرافقها، لأُعْجِبَك ورضاك.
هذا الكتاب الذي وضعته في سنوات التوقف في المهجر عن الجهاد السياسي، متفرغًا للجهاد العلمي الديني، والذي كتبت فيه ما يحتاج المتعلم المسلم إلى معرفته من المسائل العلمية والفلسفية لتسلم عقيدته الدينية وتصمد أمام تيارات الزيغ العصري، وناضلت اشتاتًا من أهل العلم والأدب في الشرق والغرب أحياء وأمواتًا.
قد توغلت في طريق الجهاد حتى جاهدت مع الذين ناضلت، عجمة قلمي عند الكتابة لأنه أعجمي. أرجو أن يكون مما يرضيك، ويتفق مع ما كنت تتوقع مني بعد طلب العلم، وأحتسب في رضاك هذا رضا ربي سبحانه وتعالى.
أما رضا الله مباشرة، فذاك أجل وأسمى من أن يكون مبتغى مثلي من أقل عباد الله، بواسطة كتاب مثل كتابي. ثم إلى الفئة القليلة الذين يرغبون في قراءة كتاب هذا رغم ما تضمنت قراءته من أتعاب الفكر وشغل غير القليل من الوقت.
بدأت الشهادات العلمية، ولكن ليس بنفس الثقل الموجود الآن. قال: بقيت الطائفة المتعلمة التي يكون مقصودها من طلب العلم الحصول على شهادة العلم لا العلم نفسه. إذا استفادوا بتلك الشهادة شيئًا من الدنيا كالكسب والجاه والشهرة، كان ذلك شهادة على شهادتهم التي تحتاج إلى شهادة.
بقيت هذه الطائفة لا يعنيهم الدين ولا صلته بالعلم ولا مبلغ هذا العلم من القوة والأهمية. وهم الذين يكونون على كثرتهم وتجارتهم الرابحة رمزًا لفقر البلاد وإفلاسها المعنويين.
يقول: أن للبلاد في هذه الأونة شغلاً شاغلاً عن قراءة الكتب مهما كان مبلغ أهميتها في الدين والعلم، وفي فصل النزاع بينهما قدمًا في الغرب وحديثًا في الشرق الإسلامي، منذ تفانيها في تقليد الغرب. وهي مشغولة بالسعي في الاستقلال والتخلص من تحكم الدول الكبيرة الغالبة في الحربين العالميتين.
تسعى قبل كل شيء، وترجيح على كل شيء أن تتخذ لها مكانًا بين الدول سوية تعيش في الدنيا كما يعيش غيرها في مأمن من التدخل والعدوان. يا إخواني المسلمين في المشارق والمغارب، ويا أمم الدول الصغيرة قدمًا، أضعنا الدنيا، وبقينا ألعوبة في أيدي ثلاث دول كبيرة.
أولها ثالثة الأثافي، وثالثتها شر من أولاها. قد سنحت لنا باجمعها أثناء الحرب العالمية الثانية فرصة أَقَلُّ ما كان في انتهازها إلا نقع في ندامة من جرب المجرب، وأن لا نتطفل على الغالب.
فرصة فطن لها من فطن، فتقدم مثالًا لغيره، يدعوهم إلى الواجب. وكانت كزيا فرصة على فرصة، ولكنهم خذلوه وضيعوه. هذه كلمة حق أقولها ولو كره المبطلون، لعلها تنفعني يوم ينفع الصادقين.
أضعنا الدنيا وأضعنا الفرصة، فأصبحنا ألعوبة في أيدي الدول الكبرى اللائي فعلنا ما فعلنا في الحرب وقتلنا من قتلنا فيها من ملايين البشر. الآن وقد مضت على انتهاء الحرب ثلاث سنوات، لا يزال الموت الذي فتحت الحرب أبوابه على مصراعيها يأكل من سكان الأرض.
أتكلم عن تأسيس هيئة الأمم، وأنهم دعوا إليها مندوبين من كل دولة صغيرة وكبيرة ليحكموا فيها على من يشاؤون من الأمم ظلمًا وعدوانًا، ويقسمون وبال الظلم والعدوان بين مجموع الهيئة، حتى جعلوا من حق هذه الهيئة وفي وسعها أن تنزع بلادًا من أهلها وتمنحها قومًا غيرهم من غير حرب، ولكن كزكاة الظفر للحرب العالمية الثانية، إلى آخره.
أضعنا الدنيا وخسرنا، فلا نخادع أنفسنا بالاعتماد على قوة المستند العقلي وسلاح المنطق. هذا السلاح الذي كثيراً ما أدافع عنه في الكتاب، إن كان يجدي كل أحد.
يتكلم عن أصحاب الدين المكسور، وأصحاب العقل المكسور، ويتكلم عن تأثير فساد الأخلاق. لا نعترف بكون الأمم المتحضرة الحاضرة المتغلِّبة على الدنيا بغيًا وعدوانًا، لا نعترف بكونهم أعقل الأمم.
انتهى هذا الزمن بمصيبة عظمى. المصيبة هي إسقاط آخر دولة كانت تمثل سياق الحكم التاريخي، الذي يجمع بين مرجعية الشريعة والدفاع عن الأمة بالقوة العسكرية أمام الأعداء المحتلين. هذا السقوط سبقه انهزام تدريجي.
أواخر مرحلة الدولة العثمانية والإشكالات التي حصلت فيها والضعف الذي حصل فيها، وحصلت الحرب العالمية الأولى. دخلت فيها الدولة العثمانية، فسقطت مع انتهاء الحرب العالمية الأولى. جاءت المصيبة الكبرى، وهي تقسيم إرث الدولة العثمانية عن طريق وزير الخارجية الفرنسي ووزير الخارجية البريطاني.
جلسوا كما تضع الكيكة الكبيرة وتقسمها أقسامًا مناسبة للأكل. وقفوا أمام الخارطة ليتقاسموا ويتنازعوا ويتحاوروا على ما تركته الدولة العثمانية، التي لم تكن دولة بطبيعة الحال، منحصرا في تركيا، وإنما كانت مسيطرة على أجزاء كثيرة في العالم الإسلامي سابقًا ولاحقًا.
سقط منها أجزاء كثيرة، ولكن على الأقل بقيت عدد من البلدان، من أهمها بلاد الشام وبلاد العراق وبلاد الحجاز تحت الدولة العثمانية. تم تقسيم هذه الدول. لم يخرج الاستعمار بعد هذا التقسيم.
صار عند هذه الدول العربية المقسمة رغبة في الاستقلال عن الاستعمار. صار في حملات، دعوات، ندوات، لقاءات، تجمعات جماهيرية، حزبية، سياسية، وثقافية، وفكرية تدعو إلى تحرر البلاد عن المستعمر.
كان يشترك فيها الصالح والطالح، والمتاثر بالافكار الغربية والمحارب لها. كان مطلبًا عامًا عند الشعب. هذا المطلب لم يتحقق إلا بعدما كانت التبعية الثقافية الغربية قد استحكمت في الشعوب.
الجانب العلمائي لم يحدث فيه هذا الاستقلال إلا بعدما كان الجانب العلمي قد ضعف ضعفًا شديدًا. نتيجه لذلك، لما صار الاستقلال لم تكن صورته هي الاستقلال الثقافي والتبعية، والرجوع إلى الأصول والجذور والتراث والمرجعية الشرعية، وإعادة الخلافة الإسلامية.
إعادة الحكم بالإسلام الذي يتحقق فيه الأمران: مرجعية الشريعة وحماية الأمة. حماية الدين كانت في الدور الأول، وبعد ذلك صارت بدور متفاوت بين الملوك على مر التاريخ. حفظ الدين عند العلماء في البداية كان صافيًا تمامًا. ثمَّ بدأ مفهومًا عامًا يصدق على اتجاهات ومذاهب.
بعد ذلك، صارت الحرب العالمية الأولى، وقسمت الدول. صار كل مستعمر يأخذ حصته من هذا التقسيم. من صور الانهزام الثقافي، أنَّ الشعوب تؤمن بهذا التقسيم أكثر من إيمانها بالأمة.
عند كثير من الناس، صار التقسيم والولاء لهذا التقسيم وجهادًا في سبيل هذه الحدود. لا ينكر أحد أنَّ هذا شهيد، هذا شهيد.
من جهة المطلق، ما في جهة مطلقة. الحكم يصبح تبعًا لهذه السياسات. التغني بالأمجاد الذي يحصل في الأوطان اليوم، هو تغنٍ بأمجاد تابعة لهذا التقسيم في أغلبها.
أنت تمجد الاستقلال، ماشي عن العدو المحتل المباشر. لكنك مستقل في الحدود التي رسمها لك. الأساس في تقسيمها هو المستعمر. لم تجتمع الأمة الإسلامية وتناقش في ما بينها، في نظام سياسي يوزع.
تقسيم رسمه المستعمر المباشر، وقال لك طبق أنت هنا. أنا أحُل المشكلة بينك. ثمَّ تمَّ إنشاء هيئة عالمية مرجعية عبر نفس المستعمرين. الحق في الهيمنة على هذه المرجعية العالمية هو حق نابع عن منطق القوة فقط.
ببساطة وبكل بجاحة، يعني الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية هي التي وضعت، هي التي كان لها هذا الحق. وبالتالي بمنطق القوة وحده يكون مثل هذا الحل.
أما بناءً على أي شيء؟ طب إذاً، هل في مرجعية ثقافية؟ نعم، في مرجعية ثقافية علمانية وضعت بناءً عليها وثيقة حقوق الإنسان. وما يتعلق بها.
إذاً حتى المرجعية الثقافية التي تحكم هذا العالم هي مرجعية ثقافية. لا أقول فقط أنها بشرية، وإنما هي متصلة بالعلمانية. ومن حيث القوة والتنفيذ، هي مرجعية خاضعة لمبدأ القوة.
منطق القوة الذي بطبيعة الحال، من كان يمتلكه، كان يمتلكه الأوروبي الغربي الذي كانت قوته العسكرية هي المهيمنة. طيب، احنا قلنا كان الدين في البداية يحفظ بالسياسي الذي يجمع بين السياسي والعالم.
عمر بن الخطاب خليفة وعالم وفقيه ومفتي، ويحفظ الدين هنا ويحفظ الدين هناك. هو الذي يرسل الجيوش، وهو الذي ينتبه حتى للفتية، وهو الذي يعزز قضية الدين.
ويعزز قضية، خلصنا من هذا، صار بعدين شيئًا فشيئًا تغيّر الوضع. كان في ملوك يقومون بمثل هذا الدور، قلنا يتفاوت الدور. لكن صار فيه بعد ذلك انحراف في السياسة.
لكن بقي ايش؟ الثبات العلمائي الداخلي الذي يحفظ به الدين. تغيّرت الأحوال شيئًا فشيئًا. ضعف الجانب العلمي. صار الجانب العلمي أكثر ما يكون متصلاً بالمذهب.
المذهبية الفقهية والمذهبية العقدية. فأنا أحفظ الدين بهذا المذهب ولا أسمح لك أيها المذهب الآخر أن تأتي. بس هو في الأخير هذا المذهب يعني هو في الأخير.
إما من مرجعية شرعية أصيلة، وإما من مرجعية شرعية فيها إشكال، ولكن لها أصول في الأخير تراثية معينة. صار فيها انحرافات معينة، لكن في الأخير هي تنتمي لدائرة التراث الإسلامي.
اللي صار بعد ذلك أنه لا، تغيّر الوضع. تغيّر الوضع تمامًا لما سقطت الدولة العثمانية اللي كانت تحفظ بها الأمة. لما صار هذا السقوط صارت الأمة زي ما قلنا عريّة أو عارية عن الحافظ العام لها.
مفهوم الأمة غاب أصلاً. صارت التقسيم. صارت الوطنيات. هنا الوضع الداخلي. ماذا كان الوضع العلمائي؟ ماذا كان؟ احنا قلنا تسللت التبعية للغرب.
حتى في الوضع العلمائي. ليس في كل الوضع العلمائي، ولكن حتى يعني من كان يحمل لقب مفتي الديار المصري، هكذا اللقب مفتي الديار المصرية.
كان متأثرًا ببعض المفاهيم الغربية، زي ما قلنا كان ينكر المعجزات، مثلاً، إنكارًا ليش؟ إنكارًا تبعًا لقضية الهيمنة المادية الغربية. جيد.
احنا نقول حتى الجانب العلمائي صار في داخله جيوب وأجنحة منها جيوب وأجنحة أو متأثرة أو منهزمة صراحة أو بغير صراحة أمام الثقافة الغربية. الحين كم لنا احنا في الجواب؟ 11.
كم أخذنا؟ ساعتين؟ ساعة؟ الآن نبدأ في الجواب عن السؤال. السؤال كان عن الجماعات الإسلامية. وأنت ما كنت حتفهم فكرة ليش نشأت الجماعات الإسلامية.
إلا لما تفهم السياق اللي أوصل إلى حال هذا الجماعة الإسلامية. وبناء على ذلك نكتفي بهذا القدر المقدمة وغدًا إن شاء الله.