28 دقائق للقراءة
تفريغ مقطع مرئي
0:00/0:00
سجل دخولك للوصول إلى ميزة التظليل والمزيد من المميزات

أنوار السنة المحمدية | رياض الصالحين 27 | باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر | أحمد السيد

الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. نحمد الله ونثني عليه، ونستعين به ونتوكل عليه، ونستغفره من ذنوبنا ونتوب إليه.

ونشهد أن لا إله إلا هو، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد، فنستعين بالله ونستفتح مجلسًا جديدًا من مجالس أنوار السنة المحمدية، وتحت عنوان الاستهداء بالسنة النبوية. وهذا هو المجلس السابع والعشرون من مجالس التعليق على رياض الصالحين وأحاديث هذا الكتاب الثمين المفيد، الذي جمع فيه الإمام النووي رحمه الله تعالى كثيرًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسن عرضها وانتقائها وترتيبها.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. أما بعد، فهذا هو الباب الثاني عشر من أبواب رياض الصالحين، وهو باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر.

قال الله تعالى: (أو لم نعمدكم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير). قال ابن عباس والمحققون: معناه: أولم نعمركم ستين سنة؟ ويؤيده الحديث الذي سنذكره إن شاء الله، وقيل: معناه ثماني عشرة سنة، وقيل: أربعين سنة، قاله الحسن والكلبي ومسروق، ونقل عن ابن عباس أيضًا.

ونقلوا أن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ للعبادة. وقيل: هو البلوغ. وقوله تعالى: (وجاءكم النذير). قال ابن عباس والجمهور: هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: الشيب، قاله عكرمة وابن عيينة وغيرهما، والله أعلم.

ثم قال رحمه الله: وأما الأحاديث، الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة". رواه البخاري.

قال العلماء: معناه: لم يترك له عذرًا إذ أمهله هذه المدة، يقال: أعذر الرجل إذا بلغ الغاية في العذر. إذًا، هذا هو الحديث الأول، وقبله ذكر الإمام النووي رحمه الله آيتين.

مجرد التبويب هو التبويب فيه فائدة هذا الباب. يعني بمجرد صياغة العنوان "باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر"، هذا فيه فائدة كبيرة، وهو ربما يكون عكس مقتضى النشاط البشري والإنساني والتفكير المجرد.

إن الإنسان قد يفكر بالعكس، أنه ممكن يكون اشتغل في حياته، فإذا كبرت سنه حاول أن يرتاح وأن يتفرغ لراحته الشخصية وطيب مزاجه. الآن، حتى عندنا بعض العبارات الشعبية في هذا الأحيان. بعض كبار السن، ليس الكبار جدًا، يعني أحيانًا بعض النساء، مثلًا، حتى الرجال، يعني يبلغون الخمسين، خمسة وخمسين، تقول لك: "خليني أشوف حياتي، أشوف حياتي"، يعني أنبسط واستمتع وأعوض بعد ما فاتني في حياتي، وقد انشغلت بالأولاد وانشغلت بكذا وانشغلت. الآن دعوني أفرغ لحياتي.

هذا الباب بعكس ذلك. نعم، فيه معنى التفرغ، ولكن التفرغ لشيء غير الشيء الذي يتفرغ الناس لأجله في مثل هذا السن، وهو التفرغ للعبادة.

"أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير"؛ هذا المعنى، الذي هو: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين". أو حتى أخروا إلى ستين.

"أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير"، هذا فيه معنى إضافي في إقامة الحجة على الإنسان. يعني الآن الإنسان متى يكون مكلفًا؟ أليس كذلك؟ لكن حساب البالغ، والذي مات بعد بلوغه مباشرة أو في بداية شبابه، ليس مثل حساب من أخر أجله.

لأن الذي أخر أجله يرى من الآيات ومن العبر، ويزداد عقله، وتقل وتخف شهوته، ما يؤهله لمزيد من الطاعة، ومزيد من الابتعاد عن المعصية. فإذا لم يفعل ذلك كانت الحجة عليه أكبر. ولذلك ذكر في الحديث الثلاثة المذمومين، قال: ومنهم شيخ زان.

وهذا، وإن كان لقلة الدافع، إلا أن امتداد العمر كذلك هو محل لمزيد من المحاسبة. فأعذر الله إلى امرئ، يعني أعطاه غاية ما يمكن أن يكون من الفسحة، وأزال عنه أي عذر يمكن أن يتحجج به إذا جاء يوم القيامة، فلا يقول: "مت يا ربي صغيرًا، لم أعقل بعد، لم أفرغ، لما كذا، لم أجد، لم أسمع، لم..".

لكن أن يعيش الإنسان ستين سنة، وهذا محل لأن يزداد الإنسان من الخير. وهذه القاعدة، يا جماعة الخير، يعني إذا جعلها الإنسان في ذهنه أن الأعمال بالخواتيم، وأن أفضل ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان هو في أواخر عمره، وأنه ينبغي أن يزداد من الخير في ذلك في آخر عمره، فإن هذا يعطيه معيارًا صحيحًا للتعامل التعبدي والسلوكي في حياته، بخلاف المنطق الذي قد يكون سائدًا عند بعض الناس.

ثم قال رحمه الله: الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكان بعضهم وجد في نفسه". فقال: "لما يدخل، أو لما يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله".

وقال عمر رضي الله تعالى عنه: "إنه من حيث علمتم". فدعاني ذات يوم، فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم.

قال: "ما تقولون في قول الله: (إذا جاء نصر الله والفتح)؟". فقال بعضهم: "أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا". وسكت بعضهم ولم يقل شيئًا. فقال لي: "وكذلك تقول يا ابن عباس"، فقلت: "لا".

قال: "فما تقول؟" قلت: "هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له". قال: "إذا جاء نصر الله والفتح، وذلك علامة أجلك. فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان توابًا".

فقال عمر رضي الله عنه: "ما أعلم منها إلا". أما الحديث الثالث عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه: (إذا جاء نصر الله والفتح) إلا يقول فيها: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي". متفق عليه.

وفي رواية في الصحيحين عنها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر". يتأول القرآن.

معنى "يتأول القرآن" أي يعمل بما أمر به في القرآن في قوله تعالى: "فسبح بحمد ربك واستغفره". وفي رواية لمسلم، هذه كلها الآن الأحاديث التي في الباب كلها روايات للحديث الثالث.

طيب، قال: وفي رواية لمسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، استغفرك وأتوب إليك". قالت عائشة: "قلت يا رسول الله، ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟" قال: "جعلت لي علامة في أمتي، إذا رأيتها قلتها".

إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة. وفي رواية له، أي لمسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: "سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليك". قال: "قلت يا رسول الله، أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليك".

فقال: "أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليك". فقد رأيت إذا جاء نصر الله والفتح، فتح مكة، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا.

فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان توابًا. هذه الروايات المتعددة لهذا الحديث، وقصة ابن عباس مع عمر وفهمه لهذه السورة، فيها فوائد كثيرة وعظيمة.

طبعًا، لماذا ساق النووي رحمه الله هذا الحديث في باب الازدياد من العمر في آخر العمر؟ أظن الفائدة الزيادة من الخير في آخر العمر، أظن العلاقة معروفة. وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أحدث عبادة جديدة وزاد في عمله فيها في أواخر عمره صلى الله عليه وسلم.

وهي أصلًا هذه السورة قد جعلت علامة له صلى الله عليه وسلم، قد جعلت علامة الله صلى الله عليه وسلم لقرب أجله، فكان يكثر قرب أجله من هذا الذكر. فالنووي التقط هذا المعنى، وقال: باب زيادة الخير في أواخر العمر.

هذه التلقطة جميلة وفائدة بديعة. والفوائد من الحديث وروايته كثيرة، لكن أريد أن أقف عند نقطة مهمة جدًا، وهي محل للتفكر وللتأمل، وهي من أهم الفوائد، ألا وهي شرف وفضل ومكانة مركزية ذكر: "سبحانك اللهم وبحمدك" أو "سبحان الله وبحمده".

وهذا الذكر من يفهم مكانته في الإسلام، محله من العبودية، سيفتح له من الخير ومن الفضل ومن البر ومن الرشد ما الله به عليم. هذا الذكر عجيب وله عند الله مكان كبير كبير. بل قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: "من قال حين يصبح وحين يمسي مئة مرة: سبحان الله وبحمده، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثلما قال أو زاد عليه".

لم يأت أحد بأفضل مما جاء به: "سبحان الله وبحمده" مئة مرة، كم تأخذ؟ ما تأخذ شيئًا، دقيقتين ربما أو ثلاث دقائق أو نحو ذلك.

من قالها حين يصبح وحين يمسي في يوم مئة مرة، من قال حين يصبح وحين يمسي مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثلما قال أو زاد عليه. وفي صحيح مسلم أيضًا سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الكلام أفضل؟ فكان الجواب: "ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده".

ما اصطفى الله يعني الذي اصطفاه لملائكته. يعني هناك كلمة اختارها الله لملائكته، أن تكون من عبادتهم، أو أن تكون عبادتهم الأساسية، أو من أهم عبادتهم بها، ما هي؟ "سبحان الله وبحمده".

وإذا تأملت في القرآن، ستجد أن هذا قد ذكر عن الملائكة، واذ قال ربك للملائكة: "إني جاعل في الأرض خليفة"، قالوا: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك".

الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به. وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم. وقضي بينهم بالحق، وقيل: "الحمد لله رب العالمين".

لاحظ كيف تكرار هذا المعنى في القرآن عن الملائكة أنهم يسبحون بحمد الله. ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكلام، قال: "ما اصطفى الله لملائكته".

بل وإن من أعظم ما يبين فضل هذه الكلمة ومنزلتها ومكانتها أن الله سبحانه وتعالى قد وصف كل الكائنات بأنهم يقولونها أو بأنهم يتعبدون لله بها.

وقال سبحانه وتعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). وفي الحديث في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو، أن نوحًا عليه السلام أوصى ابنه باثنتين: "أوصاه بلا إله إلا الله، وأوصاه بسبحان الله وبحمده"، وذكر فضل: لا إله إلا الله.

ولما قال: "سبحان الله وبحمده"، قال: "فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق". قال: "وإنهاك عن الشرك والكبر".

وهاتان وصيتان جامععتان في الأمر والنهي. لما ذكرت إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الله كثيرًا في مجلس من الصباح حتى ارتفعت الشمس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد قلت بعدك ثلاث كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهم: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته".

أهلاً وسهلاً بخالد، تفضل، اجلس حبيبي. فقال: "لقد قلت بعدك ثلاث كلمات ثلاث مرات: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته".

والشاهد: أيش؟ سبحان الله وبحمده. وأيضًا قد أوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسبح بحمده.

وقال: (واصبر على ما يقولون، وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى). وقال سبحانه وتعالى: (واصبر على ما يقولون، وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب).

وقال سبحانه وتعالى: (واصبر على ما يقولون، وسبح بحمد ربك، فإنك بأعيننا). هذي ما فيها: "سبح بحمد ربك".

واصبر لحكم ربك. أي نعم، وسبح بحمد ربك حين تقوم. وكذلك في سورة الحجر: (ولقد نعلم أن صدرك يضيق بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".

فهل بقي فضل بعد هذا؟ وهل بقي فضل لم يُذكَر لهذه الكلمة: "سبحان الله وبحمده"؟ لا تظن أن هذا كل شيء، هناك المزيد.

وهناك المزيد من ذلك في صحيح مسلم أيضًا، من قال: "سبحان الله وبحمده" في يوم مئة مرة، حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر.

ولو كانت مثل زبد البحر يا جماعة الخير، الطريق إلى الله يبينه الله، والمنازل العالية عند الله يبينها الله. ليست بظنك الشخصي، وإنما هو طريق بينه الله سبحانه وتعالى.

تريد أن تتقرب إلى الله بأفضل شيء، ابحث عما قاله هو أو قاله رسوله صلى الله عليه وسلم. ستجد هذه الأفضلية، وإلا فلو قست بذهنك المجرد فقلت: سبحان الله وبحمده كلمة صغيرة، لا تعدل، يعني ذلك أو ليس فيها ذلك الجهد الكبير.

وحتى قولها مئة مرة لا يعدل ذلك الجهد الكبير. فإلى شيء أو أريد أن أتعبد الله فبأفضل منها، نحن نقول له: لا تجتهد من عندك، هذه العبادات مرسومة محددة.

وأعيد مرة أخرى في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يصبح وحين يمسي مئة مرة: سبحان الله وبحمده لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به".

لم يأت أحد بأفضل مما جاء به. يعني لا أفضل من هذا إلا أحد أو إلا رجل قال مثلما قال أو زاد عليه.

لاحظوا يا جماعة، هذا بعض ما جاء في فضل "سبحان الله وبحمده" من الآيات والأحاديث. ما الذي ينبغي أن يكون لهذه الكلمة بعد هذا المجلس وبعد ذكر هذه الآيات، الوقوف عند هذه الأحاديث؟

الذي ينبغي أن يكون لهذه الكلمة في القلب مكان مختلف، والذي ينبغي أن يكون لها قدر مختلف ومنزلة عظيمة واستثنائية جدًا في النفس وفي القلب.

فإذا سبحت بحمد الله، إذا سبحت بحمد الله، فسبح بحمده وكن من المستحضرين، من المنتبهين، من المعظمين، واعلم أن ذلك عند الله بمكان كبير. مكان كبير.

الطهور شطر الإيمان، الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض إلى آخر الأحاديث في هذه الكلمة العظيمة.

وأما معناها، يعني هي: "سبحان الله" و"الحمد لله" أو "سبحان الله وبحمده" يعني: يسبح الله متلبسًا بحمده. الله متلبس بحمده، سبحانك وبحمدك، أُسبحك وأنا أحمدك.

تسبيحًا مقرونًا أو مصاحبًا بحمدك. ميزة الجمع بين هذين الذكرين أن فيهما النفي والإثبات. ففي "سبحان الله" التنزيه لله، وحين تقول التنزيه، وهو التنزيه له عن كل ما لا يليق به، عن كل نقص.

فهو المعظم، وهو القدوس، المقدس المنزه عن كل عيب. هذه تحت أيش؟ "سبحان الله". هنا ينزه الله. "سبحان الله" هنا ينزه الله عن كل نقص ادعاه المدعون، ادعته الشياطين، أو ادعاه النصارى، أو ادعاه اليهود، أو ادعاه المشركون، أو ادعاه الزنادقة.

كل نقص نسب إلى الله سبحانه وتعالى. ادعاه مدع على هذه الأرض أو من الشياطين والجن، فأنت حين تقول: "سبحان الله"، فأنت تنزه الله عن كل ما نسب إليه من نقص.

عن كل ما نسب إليه من نقص، وحين تقول: "وبحمده"، هذا إثبات بصفات الكمال، ولأن الله يستحق أن يُحمد.

وهذا الحمد هو لكماله ولجلاله ولعظمته ولكبريائه. ففيه إثبات صفات الكمال له سبحانه وبحمده.

وفيه إثبات أو فيه الاعتراف ضمنا بالنعمة التي أنعم الله بها على الإنسان. كلمة، فهما كلمتان قصيرتان خفيفتان جامعيتان، ولكنهما من حيث المعنى، هي جامعة للنفي وللإثبات وللتنزيه وللكمال.

ومن جهة أخرى، قد جاءت النصوص ببيان منزلتها ومكانتها وفضلها وعظمتها عند الله سبحانه وتعالى.

والإنسان لا يحب أن يغادر هذا الموضع حقيقة من الحديث، لأن هذا من أشرف المواضع في العبادة ومن أشرف المواضع في الكلام عن الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، وهو الكلام عن "سبحان الله وبحمده".

سبحان الله وبحمده. طيب، هذه فائدة هي من أهم الفوائد في هذه الروايات وفي هذه الأحاديث. في هذا الحديث، هم حديثان ولكن حديث ثاني برواياته.

ومن الفوائد الأخرى: شرف الاستنباط والفقه في كتاب الله سبحانه وتعالى، والذي ليس بالضرورة أن يكون متعلقًا بما قد يتبادر إلى الذهن في بادئ النظر إلى اللفظ.

وأنتم تعلمون أن هذه السورة لم يذكر فيها وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. لم يذكر فيها وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

(إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا). لم يذكر فيها وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كما قال بعض الصحابة في تفسيرها: "جعلت علامة للنبي صلى الله عليه وسلم أن يسبح ربه ويحمده إذا رآها".

وهذا لا شك أنه صحيح، هو ليس تفسيرا خاطئا قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة: "ما هذه، ما هذا الذكر الذي أحدثته؟"

فقال: "جعلت لي علامة إذا رأيتها ذكرت الله، فسبح بحمد ربك واستغفره". لكن هل يكتفى بذلك؟ الجواب: لا، وإنما هناك معنى يستنبط من هذه السورة يفهم من إشارتها، وهو معنى الإشارة إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

كيف فهم ذلك؟ لاحظوا، الصورة قصيرة، الآيات ثلاث، ولكن فهم منها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فهم منها عمر، ثم فهم منها ابن عباس أن فيها نعيًا للنبي صلى الله عليه وسلم أو فيها إشارات إلى وفاته صلى الله عليه وسلم.

فكيف ذلك؟ طبعًا، هو ليس من لفظ واحد، وإنما هو فقه في كتاب الله سبحانه وتعالى. فقه في أقدار الله وسننه سبحانه وتعالى.

وكأن في السورة أنه قد تم الأمر، (إذا جاء نصر الله والفتح، هذا الآن واحد ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا). ماذا بقي؟ لم يبقى شيء.

لم يبقى شيء. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا. وأغلب الناس يقفون عند الأولى، أنه إذا جاء نصر الله ظاهر اللفظ، والفُقهاء في كتاب الله الذين يفتح الله عليهم، وقفوا عند أسرار هذا اللفظ وعند إشارته.

كذلك، وهذا باب شريف من أبواب الفقه في الدين. وفي نفس الوقت، هو باب فيه مزلة أقدام، لأن بعض الناس توسعوا فيه، وجعلوه أصلاً، وتوسعوا فيه توسعًا غير منضبط.

وهو فيما يتعلق بالتفسير الإشاري، يعني فضلًا عن التفسير الباطني. هذا طبعًا التفسير الإشاري يختلف عن التفسير الباطني؛ التفسير الباطني وتفسير باطل، الذي أخذ منه الباطنية تفسير الآيات القرآنية، حتى أعادوا تفسير كل شيء في.. حتى من العبادات، وتخلصوا من الظاهر، تخلصوا من الظاهر في سبيل إثبات الباطن.

أما التفسير الذي فيه الإشارة، فهو تفسير لا يتخلص المفسر فيه من أيش؟ لا يتخلص به من الدلالة الظاهرة، وإنما يثبتها، يثبت الدلالة الظاهرة ثم يقف عند الإشارة كذلك.

وهذا فقه صعب، وهو فتح من الله سبحانه وتعالى. وهو الباب الذي أثبت به عمر ابن الخطاب لكبار الصحابة أن ابن عباس يستحق أن يجلس معهم، لأنه قد فتح له في هذا الباب، الباب العظيم، وهو باب فيه مفاضلة بين الفقهاء، وفيه مفاضلة بين العلماء.

وهذا يوقفنا عند معنى أن كتاب الله عظيم، وأن معانيه واسعة، وأنه ينبغي للإنسان أن يقف عند أسرار كتاب الله كما يقف عند ظواهره.

هذا ومما يُنبَّه عليه أيضًا في الخطأ في هذه التفاسير، أن البعض يزهد في المعاني الظاهرة. الآن، لا يخطئها. نحن قلنا عندنا أخطاء، بعضهم يقف عند.. عندما يدعي أنه المعنى الباطن، يلغي المعنى الظاهر. وهذا خطأ لا ريب فيه.

والبعض لا يلغي المعنى الظاهر، ولكن يزهد فيه. يزهد فيه، وإذا جاءت حقائق التوحيد الواضحة، مثل ما ذكرنا قبل قليل عن "سبحان الله وبحمده"، ومنزلتها ومكانتها، لا يحفل بها كثيرًا، إنما يحفل عند الإشارات اللطيفة والخفية وما إلى ذلك.

وهذا إشكال كبير جدًا، وخطأ في الفقه في الدين عظيم، فإن من أولى وأعظم وأشرف وأزكى ما يتقرب إلى الله به، وما يتعلق بالامور الكبرى الواضحة الظاهرة المركزية، التي يذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه، والتي تتظافر الرسل على تأكيدها.

وهذا أيضًا كل ما يتعلق بفائدة استنباط ابن عباس لهذا المعنى. ثم قول عمر رضي الله تعالى عنه: "والله ما أعلم منها إلا ما تعلم". وهذا يذكرنا بالحديث الآخر الصحيح لما قام النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر أيامه، وقال: "إن عبدًا خيره الله بين أن يعطيه من زهرة الدنيا ما يحب، وبين ما عنده، فاختار ما عنده".

وبكى أبو بكر وقال: "فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله"، فعجبنا له، يذكر النبي صلى الله عليه وسلم عبدًا خيره الله بين أن يعطيه من زهرة الدنيا ما يحب، وبين ما عنده، فاختار ما عنده.

يبكي أبو بكر ويقول: "فديناك بآبائنا وأمهاتنا". فلم تمضِ أيام حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعلمنا أنه هو المخير، وأن أبا بكر، أيش؟ أعلمنا به.

أبو بكر كان أعلم الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفهم من هذا اللفظ الذي هو، يعني قد أول ما ينصرف الذهن أنه هو شيء غير محدد، أم أن عبدًا من هو هذا العبد؟ الله أعلم.

عبدًا، قد يكون رجلًا، يعني إيش؟ ينصرف الذهن، يعني أنه من الأمم السابقة مثلًا، أو كذا. أما أبو بكر، ليس فقط فهمها، وإنما تفاعل، فهمها مباشرة.

ثم تفاعل مع تفاعل كبير، وقال: "فديناك بآبائنا وأمهاتنا". وأدرك هذه الحقيقة، وكانت ملازمته الدائمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم سببًا في الخبرة بالمعاني التي يطلقها صلى الله عليه وسلم.

وهذا بالمناسبة، يعني تجد عند العلماء أحيانًا مثل هذه المعاني، فتجدهم يقولون: "هذا الكلام عليه أنوار النبوة". وهذا الكلام ليس من جنس كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو نحو ذلك.

وإن كان هذا الباب مختلفًا، إلا أنه يجتمع في قضية الخبرة بالألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بها.

فطول الملازمة لكتاب الله، وطول الملازمة لسنة رسول الله، والفقه في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودوام النظر فيهما وتعظيمهما، والصدور عنهما، هذا يؤهل الإنسان لمزيد من المعرفة المتعلقة بهذه الدلالات.

طيب، هذه الفائدة، كم؟ ما أدري، الثانية أم الثالثة؟ ثالثة طيب. الفائدة الرابعة هي في مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى العمل وامتثاله بأمر الله تعالى وسرعة مبادرته إلى ذلك. يرحمك الله.

النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أحيانًا ترى، نحن ما ننتبه لبعض الأمور في أعمال النبي صلى الله عليه وسلم. عارف، نحن نشعر، يعني كذا، لأنه هو النبي صلى الله عليه وسلم، فلدينا النبي وعندنا الصحابة، فأحيانًا ما ننتبه إلى أعمال النبي صلى الله عليه وسلم التي يشترك فيها مع الصحابة.

وأعجبني ابن سعد في الطبقات الكبرى لما قال: هو يصنف الصحابة المهاجرين والأنصار، كذا. فلما صنف المهاجرين، قال: "أولهم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صلى الله عليه وسلم". أول المهاجرين، يعني هو من المهاجرين صلى الله عليه وسلم.

بس هذي تفوت عليك، عارف، يعني ما تنتبه لها. نحن نذكر الهجرة من باب القدوة وكذا، لكن ما تنتبه أنه عمل الهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم.

نحن نقول: المهاجرين والأنصار. ولما يأتي الإيمان، ما ننتبه إلى أنه أول شيء آمن من؟ في آخر سورة البقرة: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه، والمؤمنون).

كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. النبي صلى الله عليه وسلم، كما آآ أيضًا في القرآن: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، بذلك أمرت، وأنا أول المسلمين).

وهذا الشعار العظيم كان عليه الأنبياء عمومًا. كانوا أكثر من يخافون الله، وأشد الناس خشية لله، وأعظمهم محبة له، وأكثرهم رجاء فيه سبحانه وتعالى. كانوا أول الممتثلين لما ينزل عليهم من الأمر والنهي، سيفعلون الأمر ويجتنبون النهي، ويخافون إن عصوا ربهم عذاب يوم عظيم.

وهذا النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت عليه: (فسبح بحمد ربك واستغفره)، تقول عائشة: "ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم أو ما صلى صلاة منذ أن نزلت عليه هذه السورة إلا قال فيها: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي".

هذا الامتثال هو الذي أخذه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رأوا كيف يمتثل نبيهم صلى الله عليه وسلم ما يؤمر به، وكيف يجتنب ما ينهى عنه.

فهذا المعنى، والتلقي العملي، التلقي العملي أو الاستعداد العملي لتلقي الأمر والنهي، ومن أعظم صفات المؤمنين التي يقتدون فيها بالأنبياء، وأما من لا يكون تعامله مع كتاب الله سبحانه وتعالى تعامل المتلقي، تلقياً عمليًا، وإنما يكتفي الوقوف عند ألفاظه، الوقوف عند ألفاظه وتلاوتها وتحسينها، فقد فاته خير عظيم كبير جدًا.

وهذا من مواطن الاختلاف بين السابقين من هذه الأمة، من خير القرون، وبين اللاحقين الذين تغيرت بوصلة كثير منهم. مواصلة الاهتمام تغيرت من الوقوف عند معاني القرآن والتفقه فيها والعمل بها والامتثال لها، إلى الوقوف عند ألفاظها، الوقوف عند ألفاظ القرآن الكريم أو ألفاظ آيات القرآن الكريم.

وهذا التحول، تحول قد ذكر ذمه على لسان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جاء عن ابن مسعود لما قال: "كيف بكم إذا لبستكم فتنة يهرم عليها الكبير، وينشأ عليها الصغير، ويتخذها الناس سنة".

فإذا غيرت، قالوا: "غيرت السنة". إذا غيرت، قالوا: "غيرت السنة". قالوا: "متى ذلك يا ابن مسعود؟" قال: "إذا كثرت قراؤكم، وقَلَّت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة".

لاحظ: "كثرت قراؤكم"، وأنتم تتذكرون. لو تتذكرون في سلسلة خير القرون، لما وقفنا عند الكلمة العظيمة لمعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، لما قال: "يوشك أن يفتح القرآن، فيأخذه الصغير والكبير والمؤمن والمنافق".

أن يأخذ القرآن، وكذلك في شرح المنهاج، لو تتذكرون في باب تلقي القرآن على منهاج النبوة، كان كلام ابن عمر رضي الله تعالى عنه لما قال: "كنا نؤتى الإيمان قبل أن نؤتى القرآن، وكانت تنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم، فنقف عند حلالها وحرامها وأمرها وزاجرها ونعلم، أو ونقف على ما ينبغي الوقوف عليه منها.

ثم صار أحدكم يؤتى القرآن قبل أن يؤتى الإيمان، وصار أحدكم يقرأ السورة أو يقرأ المصحف، ما بين فاتحته إلى خاتمته، يهزه كهد الشعر، أو نحو ذلك، ولا يقف عند حلاله وحرامه، وعند ما ينبغي الوقوف عليه منه، أو نحو ما قال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه.

الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم، حين نزلت عليه هذه الآية، تلقاها تلقي العمل. وأنتم تعلمون أن عمر بن الخطاب أيضًا، لما جاءه ذلك الرجل الذي أخطأ في حقه، وقال له: "يا ابن، يا عمر، إنك لا تعدل في القضية"، وكذا والآخره.

فقال: فأراد عمر أن يبطش به، فقال له الحر بن قيس: قال له: "يا عمر، إن الله سبحانه وتعالى يقول: (خذ العفو، وامر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين، وإن هذا من الجاهلين)".

فوقف عمر عنان يبطش بهذا الرجل. قال ابن عباس: "وكان وقافًا عند حدود الله أو عند كتاب الله".

وهذا المعنى هو الذي ينبغي أن يربى عليه الناس، وأن تنشأ عليه الأجيال، وأن يعاد تصحيح البوصلة في المحاضن التربوية وفي المعاهد القرآنية. أن ينشأ الطلاب على الفقه بكتاب الله في كتاب الله، والتدبر فيه، وعلى التلقي عمليًا للقرآن، الامتثال للأمر والنهي.

والقدوة في ذلك: محمد صلى الله عليه وسلم، أبي هو وأمي، الذي حين نزلت عليه: (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا)، ما صلى صلاة بعد هذه السورة إلا قال فيها: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، يتأول القرآن.

وهذا الذي ينبغي أن يكون، وهذا الذي ينبغي أن يتعلمه الإنسان. وهذه من مركزيات الإصلاح، ومن أهم معاني التنشئة العلمية والإصلاحية التي ينبغي أن يربى عليها الجميع.

ويحتسب في ذلك أن هذا هو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. والفوائد التي بقيت أيضًا، بقيت فوائد في هذا الحديث، لكن تجاوزها الاختصار.

ونختم بالحديثين الرابع والخامس، قال النووي رحمه الله: الرابع عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: "إن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفي". متفق عليه.

وهذا الحديث إخراج نووي له في باب الازدياد من الخير، الازدياد من الخير في أواخر العمر. هو التقاطه بديعة أيضًا، وهذا من الاستنباط ومن الفقه.

الله سبحانه وتعالى قد تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم في أواخر عمره، وحين كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم جبريل القرآن، كان يعرض عليه القرآن في كل سنة مرة. فلما كانت السنة التي توفي فيها صلى الله عليه وسلم، عرض عليه القرآن مرتين.

وهذا كما قلت، يعيد قضية ومعيارية الازدياد من الخير في الأواخر، في خواتيم الطريق، في أواخر العمر. كلما مضى الإنسان أكثر، ازداد عملًا وازداد إقبالًا.

ونستفيد من سنن الله سبحانه وتعالى كذلك أنه، هو سبحانه تاب على نبيه صلى الله عليه وسلم في أواخر عمره، هذا الخير وهذا الوحي. الخامس والأخير عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُبعَث كل عبد على ما مات عليه". رواه مسلم.

إذا قامت القيامة وبعث الله الناس، فلن يُبعَث هؤلاء الناس على هيئة واحدة، وإنما سيُبعثون على هيئات مختلفة. يُبعثون على هيئات مختلفة. ومن الناس، من الناس، من يُبعث على هيئة الفاحشة التي قُبض عليها، ومن الناس، من يُبعث على هيئة السجود التي قُبض عليها، ومن الناس، من يُبعث وأعضاؤه تنزف دمًا، لونها لون الدم وريحها ريح المسك، لأنه أُصيب في سبيل الله، وهكذا تختلف هيئات الناس.

ويوم القيامة، من أصعب ما فيه، أنه يوم الفظائح، يوم تكشف فيه الحجب، ويرفع فيه الستر، يُفضح الناس الذين كانوا ينافقون أو يستترون بالخير وهم ليسوا من أهله. يُبعث العبد على ما مات عليه.

والذي مات مُحرِمًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإنه يُبعَث يوم القيامة ملبِّيًا". تخيلوا يا جماعة، الآن نفخ الصور. نفخ في الصور، الناس خرجت من قبورها فزعة. واحد ماشي يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك".

نسأل الله العافية، نسأل الله من فضله، ونسأل الله العافية في من يُبعَث على هيئة، على هيئات المعاصي والذنوب. تخيلوا يا جماعة الخير في ذلك اليوم، يوم الخوف، يوم الفزع، يوم الهم والغم الذي يلحق الناس، يخرج إنسان، تخيلوا، يعني تخيلوا إيش؟ ما الذي ينتظره الآن في الحساب؟

تخيلوا إنسان يُبعَث على هيئة معصية، إيش النفسية التي سيدخل بها إلى الحساب؟ هو بَعَثه الله على هيئة معصية. ماذا سيفعل؟ كيف سيكون عند الله سبحانه وتعالى؟ كيف سيستعد للقاء الله الآن؟

أما من مات على طاعة، فكيف سيكون آمنًا مطمئنًا في ذلك اليوم؟ يوم الفزع الأكبر، تخيل الإنسان يُبعَث ساجدًا. أُبعَث ساجدًا، أو يُبعَث ملبِّيًا، أو يُبعَث، يعني، آآ دماؤه تنزف، لأنه كان مجاهدًا في سبيل الله، وجرح أُصيب في سبيل الله، أو نحو ذلك.

الاستعداد الحقيقي الذي نعمله في الدنيا، هو لأجل تلك اللحظة. الاستعداد الحقيقي الذي ينبغي أن نفكر فيه هو لتلك اللحظة. ولذلك اليوم، ولتلك الساعة الصعبة، وكلما صعب شيء في الدنيا، فتذكر صعوبة ساعة الآخرة.

إذا صعب علينا ترك المعصية في الدنيا، فلنتذكر أن مما يُخاف أن يقبض الله الإنسان على المعصية، فيُحشر يوم القيامة على المعصية. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يُبعَث كل عبد على ما مات عليه". يُبعَث كل عبد على ما مات عليه.

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحسن ختامنا. ولذلك، حرص أهل العبادة والصلاح من هذه الأمة على حسن الخاتمة. وكل ما في الباب هو مما يعين الإنسان على حسن الخاتمة إن شاء الله.

لماذا؟ لأنه هي فكرة الازدياد من البر والعمل الصالح في أواخر العمر. وليس العكس، مثل ما ذكرنا في البداية. أحيانًا بعض الناس يفكر بالعكس، أنه خلاص أنا مضى من عمري كثير، كنت مشغولًا، الآن أفرغ لشهواتي، أفرغ لراحتي الشخصية، لملذاتي.

لا، بعكس ذلك، التروي عن مالك أنهم، يعني، كانوا ينشغلون ويخالطون الناس، وكذا. حتى إذا بلغ أحدهم أربعين سنة، تفرغ للعبادة.

وهذا أشار إليه النووي في ذكره عن أهل المدينة، أربعون سنة. يعني الآن يمكن ما تعتبرهن. لا، بالنسبة لهم، خلاص، يعني أربعين سنة هذه، يعني راح من العمر. كم أربعين سنة. كثير جدًا. خلاص.

فيبدأ يتفرغ الإنسان للعبادة، ويستعد للقاء الله سبحانه وتعالى. تذكروا في سلسلة بيت المقدس القاضي الفاضل، لما قال: يعني اقترب الآن، ما حجيت وكذا، وكم له أربعين سنة.

فيعني هذه الفكرة، فكرة أربعين سنة قرب لقاء الله سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت، الإنسان ما يطيل من أمله إلى أن ذلك الوقت.

على أية حال، هذا باب شريف. آآ الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر. وذكر فيه النووي آآ ستة أحاديث، وذكر فيه آيتين.

ثم بعد ذلك إن شاء الله اللقاء القادم سيكون في باب طويل، ذكر فيه النووي آآ حديثًا كثيرة، ذكر النووي رحمه الله تعالى فيه خمسة وعشرين حديثًا.

نعم، وهو باب في بيان كثرة طرق الخير إن شاء الله. الدروس القادمة يعني عدة مجالس نأخذها في آآ هذا الباب أيضًا إن شاء الله. ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق.

نسأل الله الهداية والسداد، نسأل الله القبول، ونسأل الله أن ينصر الإسلام والمسلمين. ونسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا لما يرضيه عنا.

سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.