شرح معلقة عنترة العبسي (1) / سبب القصيدة وشرح مطلعها - إبراهيم رفيق
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أحمده سبحانه وحمد الذاكرين الشاكرين، وصلِّ وسلم على نبينا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا مباركًا إلى يوم الدين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علمًا نافعًا يا أرحم الراحمين.
حياكم الله أيها الإخوة الكرام والأخوات الكريمات، في مجلس جديد.
نعم، أبدأ في التعليق على معلقة جديدة، في المجلس السابق انتهت رحلتنا، بارك الله فيك، مع النابغة الذبياني.
واليوم نبدأ رحلة جديدة مع المعلقة الخامسة في سلسلة هذه الشروح، وهي معلقة عنترة ابن شداد، الفارس العربي الشديد والعنيد والعتيد.
هذه المعلقة، نعم ربما يعني قدمتها في الشرح لعذوبتها ولطافتها، وإن كانت ليست يعني قصيرة جدًا، يعني مقارنة بغيرها.
يعني بعضها أقصر منها. أتكلم عن 85 بيت مع اختلاف النسخ، البعض تزيد، البعض ينقص، لكن عمومًا معلقة نوعًا ما فيها طول.
لكن فيها معاني شريفة وجميلة، وليست بتلك الصعوبة، ليست مثلًا كمعلقة طرفة ابن العبد في وعورة ألفاظه.
نعود نتكلم سريعًا عن عنترة.
عنترة ابن شداد، هذا رجل من بني عبس، لأنه أصلًا ما اسمه المشهور عنترة العبسي، إذا كان من بني عبس، فبناءً على الخارطة التي تعلمناها مسبقًا، فهو مضري أم من ربيعة؟
قبيلة عبس، مش احنا رسمنا الخارطة؟ عبس ألم نقل أنها من مضر؟ من مضر، ومن أي أنواع مضر؟
قيس عيلان أو ابن مدركة؟ فهو هذه جيد، دائمًا هذه الخارطة استحضرها معك وأنت تتكلم عن الشعراء أو عن الجاهليين، لأنها دائمًا تجعلك تعرف أين هذا في هذه الخارطة العربية.
فهو إذًا ليس عربي قحطاني كـ امرؤ القيس، امرؤ القيس عربي قحطاني أصلًا من كِندة من اليمن.
طيب، إذا هو من العرب المستعربة، فإذا قلت من العرب المستعربة، فمن أي أنواعهم؟
فإما تقول ربيعة أو مضر، فتقول هو مضري.
طيب، إذا قلت من مضر، من أي أنواع مضر؟ فتقول من قيس عيلان، لأنه من قبيلة ماذا؟ عبس.
وعبس وذبيان، البعض يجعلها أصلًا من، يعني مدرجات غطفان، يعني تتفرع عنها، وأحيانًا تجد البعض يعطف على غطفان، لكن أكثر من رأيتهم يجعلونها من فروع متفرعة عن قبيلة غطفان.
إذا هو عبسي، بخلاف النابغة، النابغة خصمه في، في النسب، أقصد خصومه في النسب، وماذا؟
ذبيان. وزهير بن أبي سلمى مزني يحب، يحب الصلح بين عبس وذبيان، لأن قصيدته كانت في الصلح الذي سرى بين عبس وذبيان.
أنا أقول هذا حتى تبقى هي المعلومات حاضرة دائمًا، لازم نراجع لتاج مذاكرة حتى ما ينسى الإنسان الأفكار.
بقول لك يا أخي ذبيان مرت معنا كثير، بس وين؟ هو مش عارف أن هي القصيدة اللي كانت تتكلم عن هذه الحرب بالتحديد، هي قصيدة زهير، وإن كان زهير مزني، لكنه تكلم عن الحرب، وكيف سعى ساعي يا غيظ ابن مرة بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم.
والنابغة ذبياني، لكن قد مر معنا أنه كان معه إشكالات مع قومه وخلافات، وأحب حياة في قصور الملوك عند النعمان بن المنذر، أكثر من حبه الحياة في أحضان قومه، وإن كان يعني في النهاية شاعر مفلق.
أما عنترة فهو من القبيلة الأخرى، وهي قبيلة ماذا؟ عبس.
عنترة أيها الكرام، أبوه عربي صريح، لكن أمه حبشية.
أمه حبشية، وهذه الحبشية كان سطى عليها شداد، إما في زلة من النوازل أو في معركة من معارك العرب، أخذ هذه الأم، أخذها على أنها خادمة.
طبعًا أمه، وتعرفون أن الأمة توطأ، الآن العرب كان قانونها أن الرجل إذا وطئ أمته فأنجبت له، له هو صاحب القرار، أن يستعبد الولد أو أن يعتقه ويحرره.
تمام، هكذا هي القاعدة عند العرب كانوا قبل الإسلام، إذا سبى أمة ووطئها فأنجبت منه ولدًا، هو الأب له الحرية، إما أن يستعبد هذا الولد ويعامل معاملة العبيد، وإما أن يمنحه الحرية، وعادة يمنحونه الحرية إذا أثبتوا فروسيتهم وشجاعتهم في المواقف.
جيد، عنترة الذي حصل معه ابتداءً كما قلنا أنه وليد أمة، وكان أسود البشرة، فوالده شداد لم يعامله معاملة الأحرار، والده عامله ابتداءً معاملة العبيد.
وهذا حز في نفس عنترة، لأنه كان صاحب أيادي بيضاء على قبيلة عبس، وشارك في معارك، وكان له خير عظيم، تمام.
فكان يشعر بالهضم، كان يشعر أن قومه في النهاية ينظرون إليه نظرة ازدراء بأنه عبد، ولأن والده ما زال مستعبدًا له، ولم يمنحه شرف الحرية.
وفي يوم من الأيام، جاءت غارة شديدة على ديار عبس، فأخذت منهم النوق، وحدث فيها كرب شديد عليهم.
فشداد استنهض، توفز عنتر للنهوض للقتال، فعنتر استغل هذه اللحظة، وقال له: إنما أنا عبد لا أصلح، يعني إلا للنفخ والطبخ، أراد أن يستغل هذه اللحظة ليكتسب حريته.
قال: أنت مش مستعبدني ولا تعتبرني ابنك الحر، قال: إنما أنا مجرد عبد لا يصلح إلا للنفخ والإقامة داخل العشيرة لأمور الخدمة.
فـ شداد قال له: انهض للقتال، وإذا أرجعت الحمولة النوق لك الحرية.
فهنا قالوا دخل عنتر كالمجنون في المعركة، نهض عنترة حمل سيفه ودخل كالمجنون فيها، خلص شراء حرية، اش تريد أكثر من ذلك.
فقاتل قتال المجانين والفرسان الشجعان، يعني سيأتي معنا، وهو أصلًا يعني من يقرأ تاريخ هذا الرجل، هو بطبعه كان صاحب جثة، وكان صاحب قتال حاد، يعني في الحرب مجنون حرب كما قالوا، فقتاله عنيف.
وهذا كان سبب نجاحه في هذه الغارة، بعد قضاء الله وقدره، كان سبب نجاحه في هذه الغارة، وأعاد الحمولة واكتسب الحرية.
فأصبح حرًا، وعندما أصبح حرًا، أصبح يجلس مع مجالس عبس الكبيرة.
لكن تعرف بعض النفوس المريضة تبقى تنظر إليه بعين الازدراء، ففي مجلس من المجالس بعد أن اكتسب حريته، في مجلس من المجالس كان جالس، أحد رجال عبس ازدرأه لسواد بشرته.
واضح أنه كان ابن أمة، لسواد بشرته، فقال له يعني: إنما أنت كذا وكذا.
فهنا عنترة رده ردًا قويًا بإثارته في الحروب، قال: تمام، أنت تعتبرني ابن سوداء، لكن ماذا فعلت أنت؟ وماذا فعلت أنا في الحروب؟
وهذا لا ينكره أحد قائمًا من بني عبس، لا ينكر أن هذا فارس عظيم من فرسان العرب، عنترة وشجاع لا يضاهيه أحد.
فكان هذا الرجل، يعني كما قلت حاول أن يزدري عنترة، وحاول أن ينتقص منه، فرد عليه عنترة بالوقائع التي يشهد فيها الأبطال، أن عنترة كان قويًا وصلبًا وفارسًا لا يشق له غبار.
ثم بدأ كلاهما يعني يتنافسان في المفاخرة، حتى قال ذلك العبسي لعنترة: وأنت لا تقول الشعر، وهذا من عيوبك.
فعنترة قال له: أنا لا أقول الشعر، فأنشأ هذه المعلقة في مجلسه، قال له: أنا لا أقول الشعر.
عنترة قبل كانوا يقولون أنه لم يكن مكثرًا من الشعر، يعني كانت له أبيات، لكن لم يكن يقول يعني هو مهتم أو منشغل بهذا الموضوع، أشغلته الحروب والمعارك وطلب الحرية، لكنه كان شاعرًا، تمام.
شاعر من أي طبقة؟ نعم، هو لا يضاهي كشاعر الطبقة الأولى من الشعراء كما ذكر ابن سلام الجمحي في طبقاته.
الطبقة الأولى كما ذكرنا: امرؤ القيس، زهير بن أبي سلمى، طرفة بن العبد، الأعشى، هكذا ذكرهم ابن سلام، أي طبقة عالية، لا، عنترة لا يصل إليها، بل ولا حتى للطبقة الثانية، ولا الثالثة، ولا الرابعة ولا الخامسة، تخيلوا.
عنترة ابن سلام الجمحي وضعه في أي طبقة؟ السادسة، قال هو في الطبقة السادسة من طبقات فحول الشعراء الجاهلية.
هذا يدل أنه كشاعر، كشاعر لم يصل إلى الطبقات الأولى، لكن في معلقة استطاعت معلقته أن ترتقي، مع أنها من المعلقات اللي وقع فيها إيش؟ خلاف، ليست من المعلقات المتفق على أنها، كما مر معنا في بداية تعليقنا، ليست من المعلقات المتفق على أنها.
لأنه البعض أضاف، والبعض أنقص، لكن في النهاية لعظمتها ولقوتها استطاعت أن ترتقي لتنافس ضمن المعلقات، ومن يعني في النهاية ارتأوا أنها من المعلقات السبع، وأضيف أيضًا للمعلقات العشرة التي مشى عليها التبريزي.
وهذا يدل على الفكرة التي أصلت كثيرًا، وهي أن المسافة بين المعلقات أقل من المسافة بين الشعراء، يعني أنت متخيل امرؤ القيس في الطبقة الأولى، وعنترة في الطبقة السادسة.
لكن قصيدة عنترة عم تنافس قصائد الكبار، إذًا المعلقات التنافس بينها أشد من التنافس بين الطبقات، وبالتالي هناك شعراء في الطبقة الرابعة والثالثة والثانية، أشعارهم لم تصل أن تكون معلقات، لكنهم أفحل من، من عنترة.
فهمتوا هي الفكرة؟ هناك شعراء في الطبقات الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، ذكر ابن سلام، وهم، لما تذكر أنه في طبقة أعلى، يعني هو أكثر فحولة، أكثر فحولة من عنترة، لكنهم لم يصل لهم قصيدة واحدة إلى هذه القصيدة الفريدة التي أبدع فيها عنترة إبداعًا عظيمًا، جعلتها تنافس على مقام الصدارة عند العرب.
هذه فكرة جيدة أن تتأصل عندك وتتصورها، حتى لا تقول كيف عنترة من الطبقة السادسة وعنده معلقة؟ لا، مالهاش علاقة، هي كونه من الطبقة السادسة، هذا نظر إلى مجموع شعره، بالنظر إلى مجموع شعره وديوانه لا يصل أن يكون من الطبقات الأولى، لكن هذه المعلقة قدر الله أن يعني تحسن، وأن تروق لتنافس على مقام القصائد الكبار، واضح؟
طبعًا هذه المعلقة، إذا فهمنا سبب قولها، فهذا الرجل كما قال، قال لـ عنترة: أنت لا تحسن الشعر، فقال له: أنت أنا لا أحسن الشعر، سأريك من الذي فينا يحسن الشعر.
أحيانًا سبحان الله، التنافس يخرج المعادن، صح؟ يعني لو كان ربما عنترة بدون هي الحدة، يعني بده يبرز قدراته، لربما لم يأتِ بهذه المعلقة، لكن لأن المقام كان مقام تنافس، وأنه تحداه هذا الرجل في الشعر، فهذا أخرج، جعله يستجمع كل طاقته الشعرية لاستخراج هذه القصيدة الفخمة، تمام.
سيظهر لنا أنه في هذه القصيدة، القصيدة مبناها، يعني كأنه استغل الفرصة أن ينظم قصيدة، وفي نفس الوقت أن يذكر مآثره ومفاخره وأياديه البيضاء، فالقصيدة تمام، يعني هذا موضوعها حقيقة.
يعني قصائد الأخرى إما اعتذارية، إما لا، هنا قصيدة هذا الرجل مضمونها وفحواها البسالة التي كان يظهرها في المعارك والمعامل، ولكن صاغ هذه المشاهد بطريقة رائعة وجميلة، بطريقة رائعة وجميلة في طريقة توصيفه لحاله في المعارك، وحال فرسه، وفرسه يشكو إليه التعب وهو لا يتعب، عنترة القتال إلى غير ذلك مما سيأتي وستلاحظون، فعلًا أنها قصيدة تستحق هذا البروز، وهذا الاستحقاق أخذه عنترة عن جدارة، أن فعلًا أحسن التعبير عن مكنونات نفسه، وأحسن تصدير نفسه للعالم.
يعني كيف أنت لو قلت لك حدثني عن نفسك، بعض الناس لا يحسن الحديث عن نفسه، ولا إظهار محاسنه وطاقاته، لا، عنترة، يعني أحسن التعبير عن نفسه بشكل أذهل الجميع، أذهل الجميع وراق لهم.
الآن عنترة كما قلنا في هذه المعلقة في 85 بيت، تزيد وتنقص على حسب النسخ، على بحر الكامل، طبعًا هي على بحر الكامل وليست على بحر الطويل كالعادة.
عنترة في هذه القصيدة أيها الكرام، في بدايتها تكلم عن من؟ عن محبوبته عبلة، يعني كل شاعر له محبوبة إلا امرؤ القيس فقلبه يتيه.
قال: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ، لأن له حبيب كثير، صحيح، مش قلنا هذا في مقاصدها.
يعني كل الشعراء، ماذا قال طرفة؟ لخولة أطلال، طرفة علاقته بخولة.
زهير ايش قال؟ أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ، هيك أول بيت عنده علاقته بأم أوفى.
مين مر معنا؟ النابغة الذبياني، إيش قال؟ يا دَارَ مَيَّةَ بِالعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ، تلاحظ إبراز عنصر الأنثى في بداية، يعني حتى في الشطر الأول، يعني هو سريع في العادة.
يعني امرؤ القيس كان واسع الحب لذلك لم يذكر محبوبًا معينًا، كـ دِعْ عَنْكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا وَجَارَتِهَا أُمَّ الرَّبَابِ وَفَاطِمِ وَعُنَيْزَةِ، والجماعة الطيبين، بالتالي كانت أفكاره ومحبوبته كثر، وهذا يدل على شخصية، وهذا أيضًا فكرة، يعني هذا يجب دائمًا أن تستحضره، لماذا امرؤ القيس لم يوحد حبه في محبوبة واحدة، وكان يتكلم عن شعاب عديدة؟
بينما غيره في العادة يتكلمون عن محبوبة واحدة، فإنه ليس من كمال الحب أن تتكلم عن مغامرات مع عدة محبوبات، إذا أنت غير مخلص، إذا هذا بالتاكيد له رسالة أراد أن يوصلها امرؤ القيس، امرؤ القيس الله الذي يعمل ما يشاء ويفعل ما يشاء، له رسالة من هذا.
بخلاف غيره فإن رسائلهم الطللية تختلف، وكما كنا نقول عادة أن المطلع الطللي يعني عادة ما يضمنه الشاعر رسائل تتعلق بمضمون القصيدة في الجملة وأجوائها، عادة ما يضمنها الشاعر مجموعة من هذه الأمور.
الآن هذه القصيدة كالعادة لابد من تقسيمها، أليس كذلك؟
لكن التقسيمات ستلاحظون أنها ليست تقسيمات كثيرة هنا، يعني معلقة أم معلقة عنترة ابن شداد تقسيماتها فيما يظهر لي ثلاث هي ثلاث حلقات على طولها، لكنها ثلاث حلقات.
الحلقة الأولى فيها المقدمة الطللية على عادة الشعراء الجاهليين، وهذه تستمر من البيت الأول إلى البيت السادس والعشرين.
بعد ذلك إيش عندنا؟ بعد المقدمة الطللية، عادة في الشعر الجاهلي، عادة فصل الرحلة، وهذا أيضًا ساقه عنترة في معلقته من البيت 27 إلى البيت 39.
وبعد ذلك من البيت 40 إلى البيت الـ 85، حديث عن البطولات والمشاهد، حديث عن مآثره وبطولاته، اللي هي نستطيع أن نقول هي مضمون القصيدة، مضمون القصيدة أن يذكر البطولات والمحاسن والمآثر التي يتميز بها، والشجاعة التي أبداها وأظهر في المعامع والمعارك.
فإذا هذه القصيدة بنيتها على ثلاثة فصول.
نعم، أثناء ذكره، يعني أثناء ذكره للمعامل والشجاعة، لام بعض الناس، لام بعض الناس الذين لم يقدروا قدره، لكن لا أستطيع أن أقول أن هذا فصل جديد، لأنه لام ثم عاد إلى ذكر محاسنه وبطولاته، وأن مثله لا يلام، فهي متداخلة.
خلينا نقول فيصعب أن تفرزها، ستشعر أن الفرز أكثر من ذلك سيأتي فيه تكلف.
لا، خلص ما دامت هي القصيدة في المآثر وذكر الشجاعات والبطولات، إذا هذا أخذ نصف القصيدة، نصف القصيدة في المقطع الطللي وفصل الرحلة، والنصف الآخر في وصف ما يريد أن يصفه من شجاعته وبسالته ومشاهده في المعارك.
طيب، أي الآن سنشرح إن شاء الله في تمثل القصيدة، حتى لا أطيل أكثر من ذلك، سنشرح في قراءة القصيدة قراءة كاملة كالعادة، ثم بعد ذلك إن شاء الله نبدأ في التعليق على أبياتها واستعذبت من المعاني، وكما دائمًا نركز أيها الأحبة، نحن إنما نقصد من دراسة المعلقات أن يكتسب الطالب الأساليب والعبارات، العبارات مفردة ومركبة، وأن يستخلص التشبيهات، وأن يعرف أساليب العرب في التعبير عن مكنونات أفكارهم، فإن هذا مطلب هو المهم لنا في النهاية.
هؤلاء جاهليون، طبعًا هناك، هناك أيضًا أفكار نستفيدها عن دراسة الحالة الجاهلية، فإن هذه الأشعار هي أيضًا تتكلم عن تاريخ العرب، فأنت من خلال قراءتك تعرف اختلاف الطبائع، واختلاف النفوس، وماذا كان يدور في أيامهم، فهي دراسة تاريخية أيضًا لحالة العرب، هذا أيضًا يستفاد منها.
أيضًا النظر في أخلاق الرجال، والصفات التي تمدح في الرجل، فإننا أحيانًا عندما نتحاكم إلى الرجال، قد الموضوع الشرعي له جانب كبير بالتاكيد، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
لكن ما نسميها مروءات العرب، هناك صفات وأخلاق عند العرب لا يقبل من الإنسان العربي حتى ولو لم يكن مسلمًا أن يتنازل عنها، فهذه أيضًا يمكن أن نحصلها من خلال الدراسة لهذه الأشعار.
أما ما يقع فيه هؤلاء من أخطاء دينية وشرعية، فهذا معلوم لديكم يعني، لا أعلق عليه، لأنه في مقام المعلوم الواضح.
طيب اللهم يسر وأعن، اشرب هذه يا رب، عشان ممكن تشيلها، لأنه عدك الله يرضى عليك، بسجل هذا، رضي الله عنك، فقط فقط هذه، أيوه الله يرضى عليك يا رب.
اللهم يسر، الكل معه الكتاب حتى نقرأ معه، يقول عنترة ابن شداد:
"هل غادر الشعراء من متردم، أم هل عرفت الدار بعد توهمي. أعياك رسم الدار لم يتكلم، حتى تكلم كالأصنام رواكد جثم. يا دار عبلة بالجواء تكلمي، وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي. دار لآنسة غضيض طرفها، طوع العناق لذيذة المتبسم. فوقفت فيها ناقتي وكأنها، فدل لأقضي حاجة المتلوم. وتحل عبلة بالجواء وأهلنا، بالحزن فالصمان فالمتثلم. حييت من طلل تقادم عهده، أقوى واقفر بعد أم الهيثم. شطت مزار العاشقين فأصبحت، عسرًا علي طلابك ابنة مخرم. علقتها عرضًا وأقتل قومها، زعمًا ورب البيت ليس بمزعم. ولقد حللت فلا تظني غيره، مني بمنزلة المحب المكرم. كيف المزار وقد تربع أهلها، بعنيزة وأهلنا بالغيم. إن كنت أزمعت الفراق فإنما، زمت ركابكم بليل مظلم. ما رعت إلا حمولة أهلها، وسط الديار تسف حب الخمخم. فيها اثنتان وأربعون حلوبة، سودًا كخافض بال الأسحم. إذ تستبيك بأصلي ناعم، عذب مقبله لذيذ المطعم. وكأنما نظرت بعيني شادن، رشا من الغزلان ليس بتوأم. وكان فارة تاجر بقسيمة، أنا أفضل أن تكون فارة بدون الهمز. وكان فارة تاجر بقسيمة، سبقت عوارضها إليك من الفم. أو روضة أرفا تضمن نبتها، غيث قليل الدمن ليس بمعلم. أو عاتق من أذرعات معتقا، مما تعتقه ملوك الأعجم. جادت عليها كل عين ثرة، فتركن كل حديقة كالدرهم. سحا وتسكب فكل عشية، يجري عليها الماء لم يتصرم. فترى ذباب بها يغني وحده، هزجًا كفعل الشارب المترنم. أنا أروي هذا البيت هزجًا يحك، لكن هناك النسخة التي عندكم غردًا. يسن ذراعه بذراعه فعل المكب على الزناد الأجذم. تمسي وتصبح فوق ظهر حشية، وأبيت فوق سرات أدهم ملجم. وحشيتي سرج على عبل شوى، نهد مراك نبيل المحزم.
هل تبلغني دارها؟ الآن انتهى الفصل الأول، احنا قلنا من واحد إلى 26، الفصل الذي يتعلق بماذا؟ بالمحبوبة، تمام، الفصل الذي يتعلق بالمحبوب. ثم قال: هل تبلغني دارها؟ فقط دقيقة حتى أربط هذا، لأنه سقط يا رب.
هل تبلغني دارها شدنية، لعنت بمحروم الشراب مصرم. خطارة غب السرى زيافة، تكس ميثم فكأنما أقص الأكام عشية، بقريب بين المنسم مصمم. يأوي إلى حزق النعام كما أوت، حزق يمانية لاعج طمطم. يتبعن قلة رأسه وكأنه، زوج على حرج لهن مخيم. صعلوكة بيضة كالعبد ذي الفرو، الطويل الأصلم. شربت بماء الدحرضين فأصبحت، زوراء تنفر عن حياض الديل. وكأنما ينى بجانب دفها، الوحشي بعد مخيلة وتزغ. طبعًا هنا عندكم الضبط خطأ، لابد تقول بعد مخيلة الخاء مكسورة، بعد والياء هي الساكنة، بعد مخيلة وتزغيط. أخرى في هذا البيت، وهي التي يعني عليها الحفظ، الوحشي لما قال: وكانما ينى بجانب دفها الوحشي، من هزج العشي مومي، هذه نسخة أخرى ظاهرة، لكن هو مشى على رواية الأصمعي.
هر جنيب كلما عطفت له، غضب اتقاها باليدين وبالفم. أبقى لها طول السفار مقرمًا، سندا ومثل دعائم على ماء الرداع. كأنما بركت على قصب أجش مهضم. وكان ربا أو كحيلات حش، القيان به جوانب قمقم. ينباع من ذفر غضوب حرة زياف، لك الثاني وهو فصل الرحلة.
الآن سيتكلم عن مآثره وأخلاقه وبطولاته، أن تغض في دون قناع فإنني، هو يخاطب عبلة طبعًا، عبلة أيها الأحبة، كما قال كثير من الشراح هي قد تكون ذكرها في كل القصيدة توطئة لذكر محاسنه.
يعني يجعلها شخصية يخاطبها، الهدف ليس عبلة، الهدف بالتاكيد هي محاسنه وصفاته، فلذلك من أجل أن يحبك قصة جميلة، كل شوي يأتي إلى قصة عبلة، ويقول لا تذكريني وكذا، لكن هو الهدف ليس عبلة، وليس في مقام تعشق، ليست قصيدة غزلية، هي قصيدة ذكر عن نفسه عن حياته، عن بطولاته، فالمهم هو يخاطبها.
فيقول أن تغض في دون القناع فإنني، طب بأخذ الفارس المستلئم. أثني علي بما علمت فإنني، سمح مخالقتي إذا لم أظلم. قل: أنا إنسان سمح، إذا ما أحد ظلمني، فإذا ظلمت، آه هنا يبدأ طرف يتكلم. قال فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل، مر مذاقته كطعم العلقم، يعني ما حدا يمزح معي. فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل، مر مذاقته كطعم العلقم. ولقد شربت من المدامة بعدما، طبعًا شرب الخمر هذا عادتهم، يعني جاهليون. ولقد شربت من المدامة بعدما، ركد الهواجر بالمشوف المعلمي. بزجاجة صفراء ذات أسرة، قرنت بأزهر في الشمال مفدم. فإذا شربت فإنني مستهلك، مالي وعرضي وافر لم يمي، يعني السكر لا يسبب أنه أحد يعتدي على عرضي، يذهب المال في شرب الخمر، وأما عرضي فلا أبذله، وهذا دلالة صيانة لعرضه. وإذا صحوت، هذه كحالة سكر، خلصنا منها. قال: وإذا صحوت فما أقصر عن الندى، وكما علمت شمائلي وتكرمي. وحليل غانية تركت مجدلًا، تمكو فريصه كشق الأعلمي. بدأ يتكلم عن كيف يقتل أعداء بشراهة، كيف يقتل بكل عنف، قال: وحليل غانية ربة يعني، وحليل غانية وزوج امرأة غانية تركت مجدلًا، تمكو فريصه كشق الأعلم. عجلت يداي له بمار طعنة، ورشاش نافذة كلون العندم. هلا سألت الخيل يا ابنة مالك، إن كنت جاهلة بما لم تعلمي. كما قلت هو عبل شماعة للخطاب، وإلا هو يذكر المحاسن بس بطريقة لطيفة.
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك، إن كنت جاهلة بما لم تعلمي، إذ لا أزال على رحالة سابح، نهد تعاوره الكمات مكلم. طورًا يعرض للطعان وتارة، ياوي إلى حصد القسي عرم رمي. يخبرك هذا، جواب، هلا سألتي، يخبرك جاء مجزومًا. يخبرك من شهد الوقائع أنني، أغشى الوغى وأعف عند المغنم، شوف هذا الجمال، أنا في المعارك رجل، لكن المال لا أستعجل عليه. أغشى الوغى وأعف عند المغنم، ومدجج كره الكمات نزاله، لا ممعن هربًا ولا مستسلم. جادت يداي بعادل طعنة، بمثقف صدق القناة مقوم. برحه الفرغ يهدي جرسها بالليل، معتس السباع الضرم. كمشت بالرمح الطويل ثيابه، ليس الكريم على القناة بمحرم، هذا أيضًا من الأبيات الجميلة عندما سنأتي إليه، ليس الك ما في أحد أعلى من السيوف.
كنت ما كنت ليس الكريم على القنا بمحرم، وتركته جزر السباع ينشنه، ما بين قلة رأسه والمعصم، تركته تنهش السباع، هذا يأخذ رجل وهذا يأخذ رأس متوحشه. وعنت لما تشرح القصيدة، هو رجل متوحش في قريته وفارس كبير وعتيد، يعني حتى اليوم ينسج عليه أفلام ومسلسلات لكلام عن شجاعته، حتى الغربيون في كتبهم لما يتكلمون عن دراسة العالم الشرقي، يتكلمون عن عنترة، باعتباره أحد الفرسان الذين لم يأتي مثلهم في تاريخ العرب، أنت ما بتتكلم عن شخص طبيعي يعني.
قال: وتركته جزر السباع ينشنه، ما بين قلة رأسه والمعصم. ومشك سابغة هتكت فروجها، بالسيف عن حام الحقيقة معلمي. ربد يداه بالقداح إذا شتى، هتاك غايات التجار ملومي. بطل كأن ثيابه في سرحة، يحذى نعال السبت ليس بتوأم. لما رآني قد قصدت أريده، أبدن واجذه لغير تبسمي. فطعنته بالرمح ثم علوته، بمهند صافي الحديدة مخدمي. عهدي به شد النهار كأنما، خضب اللبان ورأسه بالعظلم. يا شاة ما قنص لمن حلت له، حرمت علي وليتها لم تحرمي. فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي، فتحسسي أخبارها لي وأعلمي. قالت: رأيت من الأعادي غرة، والشاه ممكنة لمن هو مرتم. فكأنما التفتت بجيد جداية، رشا من الغزلان حر أرثم. نبئت عمرًا غير شاكر نعمتي، والكفر مخبثة يره غمغم. إذ يتقون بي الأسنة لم أخم، عنها ولو أني تضايق مقدمي. لما رأيت القوم أقبل جمعهم، يتذامرون كررت غير مذمم. يدعون عنتر والرماح كأنها، أشطان بئر في لبان الأدهم. ما زلت أرميهم بثغرة نحره، ولبانه حتى تسربل بالدم. فازور من وقع القنا بلبانه، وشكى إلي بعبرة وتحم حمي. لو كان يدري ما المحاورة اشتكى، لو كان الحصان يحسن الكلام لبكى. قال لي يا عنترة حل عني تعبت.
فازور من وقع القنا بلبانه، وشكى إلي بعبرة وتخم وتحم حومي، لو كان يدري ما المحاورة اشتكى، أو كان يدري ما جواب تكلمي. والخيل تقتحم الغبار وأبسب، ما بين شيظم وأجرد شيظم. ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها، قيل الفوارس ويك عنتر قدمي، وفي رواية هي الأشهر أقدمي.
يقول هذه أجمل جملة، يعني أتشن بها، لما الفرسان يقولون يا عنترة اغزوا، يعني عندما يرون أن عنترة هو المقدم الذي يصلح، ولا أحد في هذا المكان يصلح إلا عنترة، بقول هنا أعرف قدري، لما الفوارس الشجعان يتراجعوا، ويقولون أنت يا عنترة صاحبها.
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها، يعني شفى غليلي قيل الفوارس ويك عن ترى أقدمي. ذل جمالي حيث شئت مشايعي، لبي واحفظه برأي مبرم. أنا معي كل شيء، عقلي وسلاحي وكل شيء معي، أنا مش فقط بسلاح.
إني عداني أن أزورك فاعلمي، خلص سيختم يعني حاله أمور دون زيارتك يا عبلة. إني عداني أن أزورك فاعلمي، ما قد علمت وبعض ما لم تعلمي. حالت رماح بني بغيض دونكم، وزوت جوان الحرب من لم يجرم. ولقد كررت المهر يدمى نحره، حتى اقتني الخيل ببني حذمي. ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر، للحرب دائرة على ابني ضمضم. هو له ثأر على هؤلاء الشاتمي عرضي، ولم اشتمهما والناذرين.
إذا لم ألقهم دمي، هي تحتاج إلى تسهيل أثناء الحفظ. والشاتم إذا لم ألقهم، لا تحقق الهمزة وأنت تحفظ، حتى لا ينكسر البيت. والناذرين إذا لم ألقهم، هكذا تقرأه، مسهلة دمي. إن يفعلا فلقد تركت أباهما، جزرًا لخام ونسر قشعم، تركت أبوهم تأكله النسور والذئاب والسبع، فلا يجوا هم، يعني يهت علي، ويظن أنهم يستطيعون قتلي، يعني يتذكر أباهم ماذا فعلت به.
سبحان الله، هكذا انتهت يعني التمثل للقصيدة، وهي قصيدة يعني جميلة في سردها لقوة هذا الشاعر، وكما قلت عندما تقف إلى على المعاني الجزئية أكثر وأكثر ستزداد جمالًا.
يا رب نبدأ إن شاء الله بالتمثل، هو كان هذا مغلق، من متى كان مغلق عندي؟
الإخوة لا أدري أنهم سمعوا القصيدة لم يسمعوها، إن شاء الله أنهم سمعوها يا رب. بسم الله، يقول عنترة: هل غادر الشعراء من متردم، أم هل عرفت الدار بعد توهمي.
بدأ قصيدته بالاستفهام، وهذه عادة موجودة في أشعار كثير، فزهير بن أبي سلمى أيضًا بدأ قصيدته بالاستفهام. أمن أم أوفى دمنة لم تكلمي، يعني البعض يفضل أن يبدأ قصيدته بالنداء، والبعض يفضل أن يبدأ بالاستفهام.
قصيدته بصناعة عنصر استفهامي، وعادة ما يكون هذا الاستفهام لا يتطلب منه جوابًا، وإنما يكون إما تقريري أو إنكاري أو ما شابه ذلك.
فهنا جميل هذا المطلع، وهذا المطلع في الشطر الأول أظن أنه متناسب مع سبب ورود القصيدة.
نحن قلنا سبب الورود أنه ماذا؟ أن رجلًا من قومه قال له: إنك لا تحسن الشعر، فقال: أنا أريك ما هو الشعر.
"هل غادر الشعراء من متردم" فإذا عرفت سبب ورود القصيدة، هذا يساعدك على لماذا بدأ بهذه الطريقة دون غيره من الشعراء؟ لأنه كان في سياق المفاخرة في قدرته البيانية.
طيب، غادر بمعنى ترك، غادر بمعنى ماذا؟ ترك، وما شاهده ذلك في القرآن الكريم: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف: 47]. نغادر يعني نترك منهم أحدًا، فغادر بمعنى ترك.
والمتردّم هو المكان المرقع الذي حدث فيه فساد، وأخذ في إصلاحه، تمام؟
فهكذا قال الأنباري في معنى المتردّم، المتردّم هو المكان الذي يصلح.
الآن ماذا يريد أن يقول في الاستفهام الأول؟ "هل غادر الشعراء من متردم" كأنه يريد أن يقول: هل ترك الشعراء فنًا من فنون الشعر لم يخوضوا فيه؟ هل تركوا مقالًا لمن سيأتي بعدهم ليتكلم؟
الشعراء تكلموا في الحب، وفي الشجاعة، وفي الكرم، وفي... فيقول: هل ترك الشعراء فنًا لم يصلحوه؟ هو عبّر عن قضية الإصلاح بقضية المتردّم، يعني هل تركوا شيئًا مهدومًا يأتي إنسان يصلحه ويرفعه؟ أم تكلموا في كل شيء ودخلوا في كل شيء؟
فماذا سيكون الجواب؟ كأنه استفهام استنكاري، صحيح؟ كان الجواب هو نفسه يجيب بنفسه: لم يترك شعراء مقالة لقائل، تكلموا في كل شيء، وخاضوا في كل شيء، لم يتركوا شيئًا إلا أصلحوه، ولا معنى إلا قوموه.
لكنه يعود بالإضراب فيقول: "أم"، "أم" هنا بمعنى "بل"، لأنه عطف جمل.
و"أم" إذا كانت بمعنى "بل" سنقول: هل هو إضراب عن الكلام السابق انتقالي، أم إضراب إبطالي؟
هو إيش قال: "أم هل عرفت الدار بعد توهمي" إذا قلنا "أم" بمعنى "بل"، و"بل" تفيد الإضراب، إما الانتقالي أو الإبطالي.
الإضراب الانتقالي هو أنك تقر الكلام السابق، لكنك تريد أن تنتقل إلى كلام جديد، لذلك سمي إضراب انتقالي.
الإضراب الإبطالي لا، أنا عدت على الكلام السابق بالنقد، وأريد أن أؤسس فكرة جديدة، هذا فرق أيها الأحبة.
"بل" و"أم" التي بمعنى "بل"، وهي التي تكون في عطف الجمل على الجمل، إما أن إضراب انتقالي، أو إضراب إيش؟ إبطالي.
الإضراب الانتقالي ما هو يا رعاكم الله؟ أنه أنا أتكلم بجملة، ثم أنا فقط أريد أن أنتقل إلى موضوع آخر، لذلك سمي إضراب انتقالي.
الإضراب الإبطالي، لا، أنا أريد أن أبطل المعنى السابق وأبدأ بمعنى جديد.
فالآن هنا سأسألكم، أسأل قرائح وتذوق، لما قال: "هل غادر الشعراء من متردم" فهمنا ما إيش معنى هذا الشطر.
"أم هل عرفت الدار بعد توهمي" هل قصد الإبطال للمعنى السابق؟ فكأنه قال: لم يترك الشعراء من شيء لم يتكلموا فيه، ثم عاد ليبطل ذلك فيقول: بل تركوا، وأنا الآن سأتكلم لكم بشيء لم يسبق إليه الشعراء.
هذا يمكن أن يكون معنى، ويمكن أن يكون الإضراب انتقاليًا، أنه فقط أراد أن يقول: لم يترك الشعراء من متردم، لم يترك الشعراء من متردم أي لم يتركوا فنًا، عليكم السلام، حياكم الله الشباب، من شيء لم يتكلموا فيه، ثم انتقل إلى موضوع قصيدته.
أيهما أجمل برأيكم يا رعاكم الله؟
الأول، إذا قلنا أنه أراد إضرابًا إبطاليًا كان عنترة يقول: هل ترك الشعراء من فن من فنون الشعر لم يتكلموا فيه؟ ثم أضرب، فقال، كأنك، طبعًا الإجابة ستكون ماذا؟ إذا كان استفهامًا استنكاريًا لا لم يتركوا شيئ لم يتكلموا فيه.
ثم بعد ذلك سننتقل فنقول ماذا؟ كأنه يقول: بل تركوا، وأنا الآن سأعطيكم شيء لم يسبق له الشعراء، لأنه كان في مقام المنافسة، في مقام أن يبين قدراته الشعرية على الصياغة.
فلما كان في مقام المنافسة جميل أن يطرح الأمر بهذه الطريقة، كأنه أولًا يقول لخصومه: هل ترك الشعراء فنًا وبابًا لم يخوضوا فيه؟ فخصومه سيقولون ماذا؟ لا.
"أم هل عرفت الدار" طب بقول لهم: شوفوا اللي عندي، شوفوا اللي عندي وقولوا هل قال أحد مثله أم لم يقل؟ وهذا في مقام المنافسة محمود، وهو مقام تحدي.
هل سترون مثل هذا الكلام الذي سآتي به؟ فكان الشطر الأول يتعلق بموضوع المنافسة، والآن بدأت القصيدة تشعر، كأنه الآن في الشطر الثاني بدأ الدخول في أجواء معلقته، وهذا من الفن.
فكرة جميلة في طرح المبارزة الشعرية.
طيب، "أم هل عرفت الدار بعد توهمي" الآن قلنا التوهم هو ماذا؟ التوهم هو الخطأ الكثير في تلمح الديار، وهو نفس الـ"لأي" الذي كان يتكلم عنه زهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني، لما يقف الشاعر على أطلال الديار، ماذا عادة يقول؟ "لأيٍ عرفت الدار" صحيح؟
ماذا قال النابغة الذبياني في معلقته؟ "ألا ألا أواري لأيا ما أبينها" يعني بمشقة وجهد، وأخطئ وأصيب، هل هذه ديار المحبوبة؟ لعلها ليست هي، نوع من التردد بسبب بعد الزمان، وتراكم الأطلال والرسوم.
فالـ"لأي" الذي ذكره زهير بن أبي سلمى في معلقته، ذكره النابغة الذبياني في معلقته، هو نفس التوهم الذي يذكره عنترة بن شداد في معلقته، عندما يقول: "أم هل عرفت الدار بعد توهمي" عملية التوهم هي عملية، هي ها الدار ولا مش هذه الدار؟ هيك في عرفنا احنا العامه تقول هكذا.
تقف على شيء أنت مش متأكد هو ولا ليس هو، فتقول: هي هذه، هي نفسها، أهي دار المحبوبة؟ تتوهم، لعلي مخطئ، لا، لا هي، لا، والله يا فلان، تبدأ تشك، ثم يقول في النهاية: آه، عرفت الدار، في النهاية هي هي ديار عبلة.
فهذه المعرفة بالدار هي معرفة حصلت متى؟ بعد توهم، يعني بعد مشقة وتخطيء للنفس.
طبعًا التوهم ليس المشقة، التوهم هو الخطأ، لكن أقول هو نفس نظرية الـ"لأي" والمشقة التي تكلم عنها النابغة الذبياني وغيره.
فيقول: "أم هل عرفت الدار بعد توهمي" طب فالسؤال هنا، ما سبب حصول التوهم والاستفهام في معرفته بالدار؟ كثرة التغيير الذي طرأ عليها، هذا هو الجواب الطبيعي.
كثرة التغيير الذي طرأ على هذه الدار، جعلها في ماذا؟ في صورة شيء لا يمكن أن يعرف بسهولة، ويحتاج إلى مشقة.
طيب، ثم سيكمل الآن.
قال: "أعياك رسم الدار لم يتكلم، حتى تكلم كالأصنام" الدار، الرسم، والأطلال هذه كثيرًا ما يتكرر في قصائد أصحاب المعلقات والشعراء الجاهليين.
الرسم هو أن تبقى الديار، لكن لا يبقى شخوص قائمة، بخلاف الأطلال، ما الفرق بين رسوم الديار وأطلال الديار؟
الأطلال هي أن تبقى الشخوص قائمة، يعني هجرها أهلها، لكن بقيت الشخوص، الشاشة، العمود، الخيمة، بقيت، فهنا نقول هذه تسمى ماذا؟ أطلال.
الرسم، تذهب الديار وتذهب الشخوص، وتبقى أطلال رسوم، هكذا حجارة مرمية هنا وهناك، لا تمثل شخصًا أو جنانًا قائمًا بذاته.
فهو الآن ماذا يقول: "أعياك رسم الدار" أعياك رسوم ديار عبلة، أعيتك، وهقت.
"أعياك رسم الدار" لماذا أعياه في هذه الحالة؟ "أعياك رسم الدار" حالة كونه لم يتكلم، فلم يتكلم جملة حالية مرتبطة بالفعل "أعياك" يعني أعياك، أعيتك هذه الرسوم، حالة كونها لم تتكلم.
وكان عنترة لما وقف على ديار عبلة استنطق، وطلب منها الحديث، يخاطب الجدران والحجارة وكل شيء، أين عبلة؟ أين المحبوبة؟ أين ذهبت؟ أين ذهب أهلها؟ هو يخاطب، لكن لا مجيب.
وهذه حالة الصمت الرهيب المتعبة التي يمر بها الشاعر في بداية القصيدة.
ستلاحظون أن الشاعر سيرسم لك حالة صمت كامل في هذه الديار، لا شيء يتكلم، وهذا الصمت الشديد المتعب ينهك عنترة ويتألم منه من الداخل.
"أعياك رسم الدار" حالة كونه لم يتكلم، يعني لم يجبك.
"حتى تكلم كالأصنام" كأنه يقول، وعلى سبيل التنزل، إذا أرادت هذه الحجارة أن تكلمني وأن ترد علي، تكلمني كلام الأصم.
من الأصم؟ الذي لا يسمع، والأعجمي لا يحسن العربية، فلا يعرف كيف يتكلم بها.
فيقول: ولو تكلم هذه الصخور وهذه الرسوم، ستتكلم معي كلام شخص أصم، فهو لم يسمع كلامي، وأعجم فهو لا يبين الكلام.
فبالله عليك كلام صدر من شخص أصم أعجم، هل هو كلام مفيد؟ ليس كلامًا مفيدًا، فلذلك قال: "أعياك رسم الدار لم يتكلم"، الله أكبر، الله أكبر.
"حتى تكلم" كأنه صورة كلم، قال: لكنه أجابني جوابًا لا فائدة منه، هو لم يتكلم، لكن هذه مشاعر الشاعر، يقول: "حتى تكلم" يعني هو لم يتكلم كلامًا حقيقيًا، لكن صدر منه، لكن صدر منه بعد ذلك كلام من نوع آخر.
ها، لم يتكلم كلامًا حقيقيًا، لكنه صدر منه كلام نوع آخر، وهو كلام غير مفيد، كلام شخص أصم، لم يسمع أصلًا ما السؤال الذي وجهته، وأعجم لا يبين ما عنده.
فكأنه نفى الكلام، فقوله: "حتى تكلم" هو لم يثبت كلامًا حقيقة، إذا أنت مدقق، هو أثبت كأنه لا شيء صدر، كأنني أتكلم مع شخص أصم وأعجم، لا فائدة.
فقوله: "حتى تكلم" هو ليس إثبات، بل هو تأكيد لعدم حصول الفائدة، لا شيء ينفعك الآن في هذه الديار، لا شيء يفيدك، لو أردت أن تستنطق ما من جواب.
شوف هذه الحالة النفسية التي يمر بها.
ثم قال: "ولقد حبست بها طويلًا ناقتي، أشكو إلى سفع رواكد جثم" "ولقد حبست" يعني أوقفت ناقتي فيها، وكلمة الحبس تدل على، يعني أنه نزل عن هذه الناقة، ومكث في هذه الديار مكوثًا طويلًا.
"ولقد حبست بها طويلًا" طويلًا أي مدة زمنية، إذا واضح أن عنترة متألم جدًا.
حتى لما دخل إلى، دخل إلى ديار عبلة، لم يدخلها دخولًا سريعًا هكذا وخرج، دخل وحبس، وأطال، شوف عنصر، وسياتي قضية الإطالة مرة أخرى بعد قليل.
"ولقد حبست بها طويلًا" يركز على الحبس، طول، لأنه متألم، مشتاق، وهكذا الذي يريد أن يبني فكرة التغزل، لابد يعطي عناصر الشوق والحنين.
لأن الذي يمر سريعًا على ديار المحبوبة ويغادر، هل هذا صادق في حبه؟ ليس صادقًا، في الحب الصادق هو الذي إذا مر على ديار محبوبته جلس، ومكث، ووقف هكذا على الصخور، وبدأ يتكلم مع الجدران، وبدأ يخاطب.
فأنتم عرفتم كيف هو، مالية رسم المشهد.
هذا الفن الذي على طالب العلم أن يتقنه، كيف استطاع عنترة أن يعبر عن مشاعره التي تجوس في داخله من خلال هذه العبارات الأنيقة؟ كيف يعبر عن مشاعر الحزن، الألم، الضيق، كيف يخيم؟
وهذه طريقة العرب، وهذا كما قلنا حتى طريقة القرآن والسنة، عندما يتكلم بالبيان، القرآن لما يأتي بألفاظ أيها الكرام، إياك أنك تعيش مع الألفاظ فقط، أن معنى هذه اللفظة كذا، ومعنى هذه اللفظة كذا، أنت قتلت النص القرآني.
القرآن يرسم مشاهد، ويرسم صور متكاملة، عليك أن تقرأها من وراء النص، من وراء النص، كما بلسان العربي المبين، هذا هو اللسان العربي المبين، لا إله إلا الله المسيرة والفضيلة.
فهنا أيها الكرام، يقول عنترة: "ولقد حبست بها طويلًا الناقة" طيب، إيش، ماذا فعل خلال هذا الحبس الطويل؟ ماذا كان يفعل؟ "أشكو" والشكوى يعني ما قال أتكلم، وأخاطب، "أشكو" والشكوى تدل على ألم، ألم الفراق.
"أشكو إلى سفع رواكد جثم" السفع في العربية هي الحجارة السوداء، الحجارة السوداء، تمام؟ تسمى سفعًا، وهذه السفع التي كان يشكو إليها، ويبث إليها حنينه وحزنه ماذا كانت؟ "رواكد" أي مقيمة في المكان.
كيف ماء الراكد؟ ما الماء الراكد؟ الساكن. يعني حجارة سوداء ساكنة.
ثم قال: "جثم" زيادة في الركود.
احنا مرت معنا متصرف كلمة "جثم" أين مرت معنا؟ أيوه، في زهير، إيش قال؟ "مجثم" "مجثم" "مجثم" أحسنت، هو مكان الجثوم، هي أحسنت، حكي، راكد مش متردد.
المجثم هو مكان الجثوم، ومنها أخذت "جثم" هنا أيضًا، وأنا بدي إياك تحاول تربط بين المفردات التي تتكرر معك في المعلقات.
فأحيانًا تأتي هناك باسم المفعول، هنا تأتي بصورة الفعل، أحيانًا تأتي بصورة الجمع، أحيانًا تأتي بصورة المفرد، هذا الربط هو الذي يقوي قوتك اللغوية.
فهي نفس الجذر. أين مرت معنا؟ "أثافي سفعًا" "أثافي سفعًا" أحسنت. في معرس مرجل، والصفع هي الحجارة السوداء، أحسنت.
فمهم جدًا أن تربط بين مفردات.
فهنا قال: "أشكو إلى سفع رواكد" ماكثات، ومش بس رواكد، "جثم"، يعني وهذا أعلى من الركود.
وهذه طريقة العرب، إذا أرادوا أن يبالغوا في الوصف، أنه بعطيك أولًا الدرجة الأولى، بعدين ينتقل إلى الدرجة الثانية الأعلى، وهذه ستأتي معنا إن شاء الله في دراسة علم البلاغة في البديع.
أنه من نعم، من كمال أو من حسن أداء الشاعر أنه إذا أراد أن يتصاعد في المبالغة، مش مرة واحدة ينقلك، بعض الناس لما يأتي بده يبالغ مباشرة، بعطيك المبالغة وبروح، هذا خطأ.
إذا أردت أن تكون فنانًا في طريقة الصياغة، فعليك أن تتدرج، تعطي الوصف الأول، تعطيني الوصف الثاني، تعطيني أعلى شيء بعد ذلك.
فهنا قال هكذا طريقة عنترة بن شداد: "سفع رواكد" ليست فقط رواكد، بل هي أكثر من ذلك هي جاثم، والجثوم يدل على ماذا؟ على قمة الاستقرار والرسوخ في المكان.
قمة الاستقرار والرسخ، متى نقول والله فلان جاثم هنا؟ ما، ما الفرق بين أنت جالس وجاسم في اللغة العربية؟
جالس يعني قد لا تكون، يعني مستقر، جلوس سريع وتغادر.
لما أقول فلان جاثم، يعني قاعد لك، يعني لن يخرج من هذا المكان، جاثم، جالس.
فلذلك طبعًا هنا هي برجع بقول، هو ماذا يريد عنترة من هذه الأوصاف أن يوصل، يريد أن يوصل حالة السكون الرهيب في المكان.
لأنه قال، قال في البيت السابق: "أعياك رسم الدار لم يتكلم، وإذا تكلم كالأصنام" وأشكو إلى حجارة راكدة جاثم.
بتعرف السكون القاتل؟ أح، أنا بقول لك سكون هذا المكان قتلني، هدوء متعب نفسيًا، لا شيء في هذا المكان، لا بشر، لا حيوان، لا دواب، مكان فيه صخور سوداء صماء، هي الصماء، العجم، صماء، تتكلم معها وهي ساكنة راسخة في الأرض، لا شيء يتحدث.
شوف المشاعر كيف تخرج من ثنايا النص.
طيب، أختم بهذا البيت، أنه هي الكاميرا أصلًا خلص التسجيل فيها.
"يا دار عبلة بالجواء تكلمي، وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي" الآن خلاص هو انفجر.
"يا دار عبلة بالجواء تكلمي" يعني احكوا يا جماعة حدا يرد علي، أنا لي ساعة وحبست طويلًا، وأخاطب سفعًا رواكد جثم.
فهو انفجر الآن في لحظة الانفجار: "يا دار عبلة بالجواء تكلمي" يعني خلاص، يعني أنا وقفت، وحبست، وتحدثت طويلًا، لا أحد يجيب.
فهذه تسمى لحظة الانفجار عند الشاعر، يعني هو يترجى رجاء حارًا أحد يكلمني يا جماعة في هذه الدار قبل أن أموت من الحنين والشوق.
ولكن مع لحظة الانفجار، هو محب، فدعا لهذه الديار بالسلامة.
"وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي" أي أسأل، يعني النعمة لك، والسلامة دومًا، وهذه من ألفاظ العرب كثيرًا.
"عم صباحًا يا فلان" مش العرب تتكلم كثيرًا بهذا الكلام؟ ما معنى "عم صباحًا"؟ هي من الفعل وعم، "عم صباحًا" هي صيغة أمر، لكنها مأخوذة من الفعل ماذا؟ وعم يعم، مثل وعد يعيد.
والمراد به حلول النعمة والخير على هذه الديار.
"وعمي صباحًا دار عبلة" مش فقط الخير والسلام والأمان والطمأنينة.
"وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي" وستلاحظون أن الشاعر يكرر "عبلة" في كل، كلما سنحت له فرصة.
وهذا لأنه يتلذذ بذكرها، لأننا مر معنا في البلاغة، أن الشاعر الأصل إذا ذكر العالم يذكره أول مرة، ثم بعد ذلك يذكره بالضمير، لكن هنا لا، هو في كل ما سنحت له فرصة يذكر "عبلة"، لأنك إذا تلذذت بذكر شيء أكثرت من ذكره.
ذاك الإنسان المؤمن يكثر من ذكر الله، ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن لذة المؤمن في ذكر ربه، وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما العشاق فلذتهم في ذكر محبوباتهم.
فهو ذكر "عبلة" مرتين في البيت: "يا دار عبلة بالجواء تكلمي، وعمي صباحًا دار عبلة" مرة أخرى، "واسلمي".
نقف عند هذا المقدار، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.