شرح معلقة عنترة العبسي (3) / صفات عبلة - إبراهيم رفيق
طيب، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. حياكم الله أيها الكرام في مجلس التعريف بالمعلقات العشر، ومعلقته التي نسير في أفيائها هي معلقة الفارس العنيد عنترة العبسي، عنترة ابن شداد العبسي.
هذه المعلقة كما قلنا يصف فيها الشاعر بطولته وشجاعته وجرأته ومواقفه العظيمة التي خاضها في المعارك، ويثبت في ثناياها أيضًا قدراته اللغوية والشعرية، وأنه كما أنه فارس في ميادين القتال، هو أيضًا فارس في حلبات الشعر، فهذا لا يمنع من هذا.
وفعليًا أثبت جدارته، أثبت هذا الرجل جدارته وقدرته على التعبير عن المعاني الجميلة بألفاظ جميلة وأساليب قوية. كنا وقفنا وانتهينا عند قوله فيها "أحلوبة"، هو يتكلم عن ارتحال عبلة وأهلها من ماذا؟ من القرية.
ارتحال عبلة وأهل عبلة من القرية التي كانوا فيها، فقال: "إن كنت أزمعت الفراق فإنما زمت ركابكم بليل مظلم"، ما راعني أي ما فاجأني ولا هالني إلا حمولة أهلها وسط الديار تسف تسف حب الخمخم.
قلنا تفاجأت في الأيام الأخيرة أن حمولة أهلها، النوق التي يُحمل عليها، أصبحت تأكل حب الخمخم، وقلنا هذا إشارة إلى ماذا؟ اقتراب موعد الرحيل؛ لأن حب الخمخم هذا لا تأكله النوق إلا إذا فقدت المرعى، إذا فقدت المرعى الجيد وما عاد هناك شيء يؤكل، تأكل هذا النبات يعني كأنه تحصيل حاصل.
فإذا أكلت هذا، عرف أهل البلدة وأهل القرية أن هذه النوق اقترب موعد رحيلها؛ لأنه لا يوجد ما تُطعمه. هذا الذي أخاف وأرعب عنترة، طبعًا هو رعب، المراد أنه عرف أن عبلة ستغادر، عرف أن عبلة الآن في طريقها للمغادرة.
فإن تعرف القبائل العربية في أغلب عمها إنما هي قبائل رعي، خاصة من كان يسكن في غير مكة، ربما أهل مكة كانوا أهل تجارة وإن كان عندهم رعي لكن كان عندهم تجارة (لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ) [قريش: 1-2] لكن كثير من العرب كان عمله ماذا؟ هو الترحال من أجل البحث عن المرعى لنو وجماله وخيره ودوابه.
طيب، ثم وصلنا إلى البيت الذي يليه، لما قال فيها "اثنتان وأربعون حلوبة"، وقلنا لماذا ذكر العدد؟ ذكر العدد بهذه الدقة إشارة إلى ماذا؟ إلى الاحتفاء والاهتمام، يعني أن عنترة يهتم بكل شيء يتعلق بعبلة، حتى عدد النوق التي عند أهلها.
يعني أنت إذا أحببت شخصًا اهتممت بكل ما يتعلق به، أليس كذلك يا عمر؟ إنسان أحب فتاة أحب شخصًا تجده يهتم بكل تفاصيل حياتها، حتى النوق التي عند أهلها، وأصبح يعرف العدد، كأنه جالس كل يوم ينظر فيها ويحسب، كم بقي لعبلة في الديار؟ كم بقي لعبلة في الديار ويحذف هكذا.
كيف تعرف الإنسان الذي ينتظر شيئًا؟ يضع هكذا: خمسة أيام، ستة أيام، وهكذا. طيب "فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا". طبعًا هنا ذكر ابن الأنباري فكرة أن النوق السود تمدحها العرب في كثرة لبنها وغزارة إنتاجها، فلذلك قد ذكر السود، النوق ذات اللون الأسود.
قال تعرف عند العرب بغزارة الإنتاج، ترى هناك بعض الأشياء كما قلت لكم إنما نحن نقله فيها، فلسنا من أهل الجمال ولا معرفة لنا بهذه الأمور، وإنما ننقل فيها ما ذكر الشراح وأهل اللغة وأهل الدراية بالبيئة العربية.
فإذا يقول إذا اختيار النوق السود دون ما سواها، لماذا أيها الكرام؟ لأن هذا اللون الأسود يدل على أنها غزيرة اللبن، غزيرة الإنتاج. طيب وأراد أن يشبه كما قلنا كمال سوادها وشدة سوادها بماذا؟ بخافِ الغراب الأسحم.
الخاف أيها الأحبة كما قلنا هي شعرات في ماذا؟ أو عفوا ريشات في أجنحة الغراب، وهذه الريشات كما قلنا في الدرس الماضي هي سوداء وهي غاية في السواد، لذلك ذكرها.
لماذا هي غاية في السواد؟ يقولون الغراب الريش الذي في جناحه، هناك ريش ظاهر يسمى قوادم، وهناك ريش باطن يسمى خافية، تمام؟ أنتم بتعرفوا الإنسان له إبط، هي المنطقة المخفية هنا، وهناك منطقة ظاهرة من اليد، تخيل يدي جناح، الشعر الذي يكون في هذه المنطقة ماذا يسمى؟ خافية، والريش الذي يكون في الأعلى يسمى قوادم.
فهنا لما قال "كخافِ" يعني يريد الشعر الذي يكون في باطن الجناح عند يعني بين الجناح وبين الجسد، إذا صح التسمية، مثلًا الإبط، الشعر الخافي، قالوا هذا شعر، لماذا يسمى لماذا يشبه به شدة السواد؟ بتعرفوا إخواني اللون الأسود لما يكون متعرض للشمس ممكن الشمس تؤثر شيئًا على سواده، تمام؟ يبهت شوي.
لكن الشعر الغراب الذي يكون متخفيًا في المنطقة هذه يكون هذا الشعر سواده حالك، لم تلعب به الشمس، لم تؤثر عليه العوامل الجوية، فيشبه به في ماذا؟ شدة السواد. لذلك أنا قلت لكم إن الخافية هو الشعر الأسود وإنما اختاره دون غيره لأن سواده يفوق سواد سائر الجسد، فهو إذا هو غراب أسحم.
الأسحم ما معنى؟ قلنا الغراب الأسحم، الآن الغراب الأسحم والغراب الأسود، شوفوا أنتم لاحظوا الدقة في التشبيه هنا، شوفوا هنا الجمال، هنا القدرات. هو كان بإمكانه أن يقول: فيها اثنتان وأربعون حلوبة تشبه الغراب الأسود، وخلصنا، وهذا أسود بأسود، وشبهنا، بس البلاغيون الكبار مش كده.
بدّه يشوف أشد نقطة سوداء في الغراب فيشبه بها اللون الأسود، فهمتم؟ هو نظر أكثر نقطة سوداء في الغراب، فأراد أن يشبه بها اللون الأسود، وين أكثر نقطة سوداء في الغراب؟ الخافية، الريش الذي يكون في الباطن؛ لأنه لا يتعرض للشمس، فهمتم؟
طيب، الآن أي بعد أن تكلم عن قضية رحيل أو دنو الرحيل، دنو الرحيل لأهلها، طبعًا هذا كله حصل، الآن هو عنترة، هو يتذكر شيئًا مضى، أليس كذلك؟ عنترة أيها الكرام هو يتذكر شيئًا مضى وانتهى.
هو يتذكر كيف جاء وقت الرحيل، وكيف فاجأني حمولة أهلها وهي تسف حب الخمخم، وأنني أعرفها جيدًا، والله إنها نوق جميلة قوية غزيرة اللبن. الآن عاد ليتذكر عبلة والأيام الجميلة التي كانت معها قبل أن يفترق أو أن يرتحل أهلها.
عاد ليتذكر عبلة وما فيها من الصفات، بسم الله، فقال: طبعًا هنا النسخ تختلف حقيقة، في نسخة الأمع التي بين أيدينا التي نحن اعتمدناها، ايش قال؟ "إذ تستبيك بأصلي ناعم عذب مقبله لذيذ المطعم"، أليس كذلك؟ وفي نسخة أخرى "إذ تستبيك بذي غروب واضح"، ثم الشطر الثاني نفس الشيء "عذب مقبله لذيذ المطعم".
فالاختلاف في الشطر الأول، عندكم "إذ تستبيك بأصلي"، صحيح. الرواية الثانية قد تكون أجمل: "إذ تستبيك بذي غروب واضح". الغروب أي إذ تستبيك بذي، أي بفم له غروب، الغروب أسنان ماذا؟ حادة، أسنان حادة.
حسن بردها وحسن تصفيتها، لذلك هي ماذا؟ يصفونها بأنها غروب، كانها بردها وإصلاحها وتنميقها. ثم قال "واضح" ما معنى واضح؟ أي بيضاء. يعني "إذ تستبيك بفم أسنانه حادة مبرودة مصلحة مرتبة بيضاء".
وهذا الفم الذي أسنانه حادة مبرودة جيدًا وبيضاء أسنانه، "عذب مقبله لذيذ المطعم"، طبعًا هي على رواية الجر "عذب مقبله لذيذ المطعم". اه يا شيخ عمر "تستبيك" يعني تسلب ذهنك وعقلك. يعني قول فلان يعني أسباني بهذه الشغلة يعني يعني أذهلني أخذ لبي وعقلي وفكري.
"إذ تستبيك" أي تأخذ عقلك، أقول لك: ها الشغلة بتجنن، مش هيك نحن بنحكي في لغتنا. ايش يعني بتجنن؟ أي بتخلي الواحد ينجن، تذهب عقله. فالعرب تقول والله هذه شيء سباني أذهب عقلي، كأنه سبى عقلي وفكري وأصبح كله مركز في هذا المشهد، لعظمته لجماله لروعته، تمام؟
"إذ تستبيك" يعني إذ تذهب بعقلك، حتى يعني نحدد المعنى "بأصلي" "بأصلي ناعم" طبعًا أنا مشكلتي مع اختلاف النسخ، النسخ المحفوظة أنا حفظتها "بذي غروب واضح"، فتأتي نسخ أخرى تحتاج أنك تنظر في معانيها الجديدة، وللأسف حتى الأنباري، الأنباري لم يشرح هذه الرواية، وإن كان عادة الأنباري يركز على الروايات.
أنت تبحث عن جوالك، ها هو يا شيخ، الأمور طيبة إن شاء الله. اه، الأنباري في العادة يركز على الروايات وعلى شرح الروايات المختلفة، فإذا وجدت الأنباري لم يشرح رواية ما، أشعر أنها ليست شهيرة، أشعر أنها ليست بتلك الشهرة، لذلك لم يركز عليها الأنباري.
طيب، إذا هو الآن يتكلم عن الفم، وشوف هنا سيغرق، سيغرق في قضية الفم يا قال: "وكانما نظرت بعيني شادن رشا من الغزلان ليس بتوام"، الآن هنا وصف ماذا؟ عينيها، قال: "وكانما نظرت بعيني شادن"، من هو الشادن؟ هو الغزال الذي بدأ يمشي ويستطيع أن يتبع أمه.
أين مر معنا الشادن؟ من يتذكر؟ في أحد المعلقات؟ مر معنا الشادن؟ من يتذكر؟ في الزمن الجميل قبل 50 سنة هكذا شيء؟ آه، طرفة ابن العبد! أن طرفة ابن العبد (وَفِي ٱلۡحَيِّ أَحۡوَىٰ يَنفُضُ ٱلۡمِرۡدَىٰ شَادِنٌ) هذه إخواني وظيفة الحفظ، بقول ليش بحفظ؟؛ لأنه ها لما آتي أسأل عن اللفظة، أجدها ذهبت من المخزون في الذاكرة، دلالة أن الحفظ ليس محكم.
شوفوا اللي بيحفظ بيشبك المعلومات، هذه من أعظم فوائد الحفظ يا شباب. بعض الناس بقول لك ايش فائدة الحفظ؟ إخواني بدون حفظ ما في علم، بدون حفظ ما في علم؛ لأنك إذا أنت ما بتحفظ، هسه أنت ماشي أخذت معاي معلقة طرفة ابن العبد وكذا وكذا وشرحتها، وعندها فهمت معنى الشادن.
لكن لما أتينا مرة أخرى إلى معنى الشادن ونريد أن نوظف، وجدتك نسيت؛ لأنك لم تحفظ، وإلا الإنسان الحافظ شيء بيشبك على شيء. تمام؟ يعني أنا نفسي الآن كيف شبكتها؟ حافظها، تمام؟ لأنني حافظها، فتذكرت أنه كلمة شاد يا أخي مرت معاي في مكان، وين مرت؟ اها، طرفة ابن العبد، "وفي الحي أحوى ينفض المردى شادنًا".
وقلنا عندئذ، تفضلوا ما معنى الشادن؟ قلنا الغزال الذي بدأ يقف على قدميه ويستطيع أن يستقل بمشيه، وما زال في النهاية يعني ماذا؟ هو له أم يتبعها، لكنه هيك يعني، كانه يصف غزالًا في سنينه الأولى.
ليس غزالًا لا يستطيع المشي، بتعرفوا هذا الغزال الصغير اللطيف اللي بتشوفوه في أحايين ناشيونال جيوغرافيك ولا هذه القنوات، بيكون هذا حتى البراءة فيه أكثر، هيك صغير كتكوت وعينيه هكذا حلوات ولطيفات، فلذلك يحبون تشبيه أعين المرأة اللطيفة التي نظرتها خفيفة، بأعين الشادن، مش بعين الغزال.
وإن كان البعض عين يشبه بأعين الضباء والغزلان، لكن من اللطف أن تشبه عيني المرأة في نظرتها البريئة، ركز الآن، الغزلان في لهم نظرة خوف، وفي لها نظرة ماذا؟ براءة. لما أنت تأتي بالشادن، أنت بتتكلم عن البراءة؛ لأن الشادن لساته قد لا يكن مدرك لحجم الأخطار التي قد يدركها الآباء أو الأمهات، فهو دائمًا نظراته بريئة خفيفة لطيفة، فمن الجمال أن تشبه أعين المحبوبة اللطيفة الخفيفة بالشادن.
قلنا غزال يقوى على السير وما زال لم يكبر بعد ليصبح يعني رجلًا كبيرًا، لا، ما زال يتبع أمه من أجل تحصيل اللبن أو من أجل تحصيل المرعى، طيب. أي، لذلك قال "وكانما نظرت بعيني شادن" يقول هذه المحبوبة عبلة إذا نظرت إليك كانما، الآن شوف أسلوب التشبيه الآن، أنتم أخذتوا أسلوب التشبيه معي في البيان، فبدّ تسقطه هنا على العينين.
"وكانما نظرت بعيني شادن" التقدير: وكان عيناها التي تنظر فيها عينا شادن، هنا حذف المشبه وذكر متعلقاته حتى تفهمه. يعني وكأنها نظرت بعينين كعيني الشاد، كأنها نظرت بعينين كعيني الشاد.
طيب وهذا الشادن ما زال يصف لك أنه ما زال صغيرًا، وهذا به تزداد براءة الطفولة وبراءة العين. قال "رشا من الغزلان"، ما معنى رشا من الغزلان؟ الرشا أيها الكرام هو الغزال الغزال الذي ما زال يطلب الرضاعة من أمه.
الرشا هو الذي ما زال يطلب الرضاعة من أمه، وهذا كما قلنا يدل على أن سنه لم تكبر بعد، ما زالت فيه براءة الطفولة، وبالتالي براءة العين، "ليس بتوام". ليس بتوام، بالتالي أمه ترضعه وحده، لا يوجد أخ آخر يشاركه في الرضاع، وهذا ماذا ينبني عليه؟
وأن بدك تفهم كل هذا ترى إخواني كنايات مش درسنا الكناية؟ صحيح؟ أن المعنى الحقيقي مراد، لكنه يقصد المعاني البعيدة بالدرجة الأولى. لما أقول لك هذا الغزال شاد رشا ليس بتوام، مش هيك؟ أعطاك ثلاث مواصفات له، أنه شاد رشا ليس بتوام.
شاد معناتها ايش؟ يعني هو بدأ يلعب ويلو، مش ما زال مقعد على الأرض؛ لأنه الغزال أول ما يخرج من بطن أمه بيكون لا يستطيع القيام، بدها تبقى أمه حوله، الشادن لا، بلش يكبر، بلش يتسلق له على شجرة، يعمل له شغلة، يعني يلهو ويلعب، وهذا كما قلنا براءة الطفولة.
طيب، رشا ما زال يطلب الرضاع، إذا عمره ما زالت معتدلة ليس كبيرًا، يؤكد على فكرة أنه صغير، وهذا براءة العينين ها، ركز على كلمة براءة العينين. "ليس بتوام"، اه هو يرضع وحده من أمه، هو يرضع وحده من أمه.
لماذا، لماذا يرضع وحده أو أو ما دلالة أنه يرضع وحده؟ آه، أنه يأخذ تغذية كاملة، ما في أحد يشاركه ويزاحمه في الطعام، لا يوجد شركاء، أي متشاكسين، لا يوجد أحد يزاحمه، وهذا سينبني عليه أنه يتغذى تغذية تامة، طب هذا ماذا سينبني عليه؟ أن عينيه فيهما كامل الصحة؛ لأنه أحيانًا ممكن يكون الغزال لا يتغذى تغذية جيدة، فتكون عينه متعبة منهكة، لكن لا، لا، بقول لك هذا غزال شاد رشا ما زال يرضع ويحصل على تغذية تامة كاملة، فعيناه في قمة شبابهما وفي قمة نظارته، فهكذا عينان عبلة، عينان في كامل الصحة والعافية، فهي ما شاء الله يعني تغذيتها تامة وحياتها الصحية تامة، فيهم نظارة الشباب وفي نفس الوقت فيهم براءة الطفولة.
إذا نظارة الشباب زائد براءة الطفولة، كيف عبر عنها عنترة؟ هذا هو الذي نعمل عليه أيها الشباب، يعني احنا لماذا ندرس المعلقات؟ حتى تفهم كيف تعبر. ها، نظارة الشباب "ليس بتوام"، براءة الطفولة "شاد رشا"، فهمتم الأفكار كيف بنيناها؟
طيب، أكمل يا رب. قال: "وكان فارة تاجر بقسيمة سبقت عوارضها إليك من الفم"، الآن رجع لموضوع الفم مرة أخرى، وهنا ستجدون عنترة بشكل عجيب يصف رائحة الفم الذكية في خمسة أبيات متتالية، يركز جدًا جدًا على رائحة الفم الذكية لعبلة.
ايش يقول: "وكان فارة تاجر بقسيمة سبقت عوارضها إليك من الفم"، شوف بروح وبيرجع على ماذا؟ على الفم، الذي يؤكد أن عنترة، إذا شوف كل شاعر له منطقة معينة ربما في المحبوبة يحبها أكثر من غيرها. عنترة إذا تلاحظون في القصيدة المنطقة التي ركز عليها كثيرًا في المحبوبة الفم؛ لأنه ماذا قال في البداية؟ دار لانسه غضيض طرفها؟ اه، عذب مقبلها لذيذ المطعم، أليس كذلك؟ ماذا قال، عفوا اه "طوع العناق لذيذه المتبسم"، فركز على الفم "لذيذه المتبسم"، بيب هون رجع قال: "إذ تستبيك بأصلي، بأصلي ناعم عذب مقبله لذيذ المطعم".
الآن رجع مرة ثالثة للفم، هذا يدلك يعطيك انطباع عن الشاعر أنه بالنسبة له هذه الخصلة مقدمة على غيرها من الخصال، وهي أكثر ما يحبه في هذا الشخص، لذلك يركز عليه. فقال: "وكان فارة تاجر بقسيمة سبقت عوارضها إليك من الفم".
الفارة بدون همز، طبعًا هذا هو الأصوب، الفارة هي وعاء المسك، الفارة ما هي؟ هي الوعاء الذي يكون فيه ماذا؟ المسك. حتى الغزال مش بقول لك فارة الغزال، الفارة هي التي يكون فيها ماذا؟ المسك.
فيقول "وكان فارة تاجر" يعني وكان وعاء مسك عند تاجر من التجار، لكن هذا لذلك نسب، قال "فارة تاجر" يعني كان وعاء مسك لتاجر موجود في هذه المرأة الحسنة الجمال، والمرأة الحسنة الجمال تسمى قسيمة، قسيمة كان كل قسم من أعضائها حل في مكانه المناسب، هكذا يقول.
المرأة إذا وصفت بأنها قسيمة، هذا معناه أنها حسناء، لماذا؟ لأن كل قسم من أقسام أعضائها أخذ حيزه ومكانه المناسب، طيب. فلذلك مش تقول فلان تقاسيم وجهه جميلا، مش هيك نحن بنحكي فلان تقاسيم وجهه جميلا، يعني كل شيء في مكانه رائع مهندس.
فيقول هذه الفتاة إذا أتيت لتقبل فاها، يخرج من فاها ماذا؟ رائحة المسك، كان فمها هو الوعاء، مش قلنا الفارة هي وعاء المسك؟ كان فمها هو الوعاء والمسك يخرج منه. "وكان فارة تاجر بقسيمة" أي وكان هناك وعاء مسك، وكان هناك وعاء مسك في امرأة قسيمة.
اه، أنت هنا بدك تفكك عناصر التشبيه، تقول شبه فمها بوعاء المسك وما يخرج منه من الرائحة الطيبة بالمسك. فيقول كان فارة تاجر موجودة أو حلت في امرأة قسيمة، وهذا المسك ها، وهذا المسك قال "سبقت عوارضها إليك من الفم".
العوارض هي الأسنان الأربعة الأمامية، قالوا من الناب إلى الناب، والبعض يقول العوارض هي كل الأسنان، لكن المشهور أن العوارض هي الأسنان الأمامية الأربع من ناب إلى الناب، هذه تسمى ماذا؟ عوارض.
يقول كانك إذا اقتربت منها لتقبل، قبل أن تصل إلى عوارضها، يكون المسك قد وصل إلى فمك وشممت عبقه، "سبقت عوارضها". كان هناك سباق بين رائحة الفم وبين العوارض، أيهما سيسبق إليك؟ إذا أردت أن تقبلها، أيهما سيسبق؟ الذي سيسبق هي رائحة المسك، التي تنبع من فيها.
"سبقت عوارضها إليك من الفم" اه، "وكان فارة تاجر في امرأة جميلة" هذه الفارة والمراد بما فيها، أي بما في داخلها من المسك، سبقت العوارض، فأنت إذا اقتربت من الفم، أيهما سيسبق؟ هل العوارض ستصل إليها أولًا؟ ولا سيسبق الرائحة التي ستصل؟ الرائحة ستصل، دلالة قوة الرائحة الجميلة النقية الذكية التي تمتاز بها هذه الفتى، فهمتم ما معنى "سبقت عوارضها إليك من الفم"؟
طيب، إذا فهمنا أيها الأحبة فهمنا ما المراد بهذا التشبيه، إذا كان هناك سباق بين رائحة الفم الذكية وبين العوارض، أيهما يصل قبل إلى فم عنترة، والذي يصل إليه عنترة أو الذي يصل إلى عنترة ابتداء، طبعًا هو عنترة هو الذي يقترب، عنترة هو الذي يقترب.
الذي يسبق إليه ما هو؟ رائحة الفم النقية النقية، وهذا طبعًا هو لماذا يقول أنه في سباق والذي انتصر رائحة الفم الذكية يدل أن هذا قمة الرائحة القوية، يعني ليست رائحة كذا عارضة، كانها مستحكمة في فيها، تمام؟ "وكان فارة تاجر بقسيمة سبقت عوارضها إليك من الفم".
الآن ليؤكد لك أن رائحة الفم عند المحبوبة قوية جدًا وفي كامل نقائها، ماذا قال؟ قال: "أو روضة أنفًا تضمن نبتها غيث قليل الدمن ليس بمعلم، جادت عليه كل عين ثرة". أنا هنا سأقرأ النسخة التي بين أيديكم، "جادت عليه كل عين ثرة، فتركن كل حديقة كالدرهم سحًا وتسكب، فكل عشية يجري عليها الماء لم يتصرم، فترى الذباب بها يغني وحده هزجًا كفعل الشارب المترنم، غرد يسن ذراعه بذراعه فعل المكب على الزناد الأجذم".
كل هذه الأبيات وحدة واحدة يصف بها نقاء هذه الرائحة التي تخرج من فم المحبوبة. ماذا يريد أن يقول في هذه الأبيات؟ يقول إذا، يقول: "كان فارة تاجر بقسيمة أو"، إذا أحببت، ها، يعطيك تخيير في التشبيه، يقول كان فارة تاجر بقسيمة إذا أحببت أن تشبهها برائحة الفم، وإن شئت أن تشبهها بشيء آخر فلك تشبيه آخر.
قال "أو روضة أنفا"، ايش معنى "أو روضة"؟ الروضة هي الحديقة الجميلة تسمى ماذا؟ روضة. قال أو كان هذا الفم عبارة عن روضة أنفا، الآن الأنف هي الجديدة التي لم يسكنها الناس ولم يلوثها ولم تأتي عليها الدواب والبهائم وترعى فيها.
وهذا يدل على أنها في كامل نقائها، روضة أنف، يعني كقول الأمر الأنف، يعني أمر جديد، مش بقول لك الأمر أنف كما جاء في الحديث، يعني أمر جديد. إذا هي روضة جديدة، لم يلوثها شيء، لم يغشاها أي شيء، كان فمها روضة أنف.
"تضمن نبتها غيث"، شوف التعبير الجميل "التضمن"، تضمن يعني تكفل، تكفل بنبات غيث، كأنه الغيث الذي ينزل من السماء، بقول لك أنا بتكفل لك بنبات هذه الروضة، إذا "أو روضة أنفا" جديدة، تضمن يعني تكفل بإخراج نباتها غيث نازل من السماء. صفة هذا الغيث "قليل الدمن" ايش يعني "قليل الدمن"؟
هذا الغيث عندما ينزل ويشكل سيلا، لا يوجد فيه ماذا؟ أوساخ. الدمن مفردها دمنة، من، أم أوفى، دمنة دمنة تجمع على دمن، وهي الأوساخ. هذا الغيث ينزل ولا يكون عندما ينزل ويشكل السيول، لا تكون هذه السيول فيها أوساخ وقاذورات، لا لا، هو ماء عذب زلال يصل إليها عذبًا زلالًا، لا يوجد فيه روث ولا بعر ولا أوساخ ولا قاذورات مما يوجد في الماء أو السيول إذا جاءت على الأرض.
إذا هو الآن ركز الروضة الجديدة التي نزل عليها ماء جديد نقي في كامل نقائه غير قليل الدم، "ليس بمعلم" آه، هذه الروضة وهذا هذا المكان هو يقول هو مكان ليس بمعلم، ايش يعني؟ أي ليس مكانًا معلومًا يعرفه الناس يرتادونه.
وهذا يزيد من ماذا؟ من حجم النقاء الذي فيه؛ لأن المكان إذا كان يرتاده الناس بتعرف الناس ماذا تفعل في الحدائق العامة؟ تضع أكياس القمامة والزبالة والقشر، فتتغير رائحة المكان وتعكر، يقول لك هذا المكان ليس معروفًا ولا مشهورًا، لا يرتاده الناس "ليس معلمي" أي ليس معلومًا.
وهذا يجعله ماذا؟ يجعله ماذا؟ أكثر نقاء في رائحته التي تخرج منه؛ لأن الأوساخ في المكان تلوث البيئة الجوية. طيب، "جادت عليه كل عين ثرة"، يقول هذا المكان، هذا المكان "جادت عليه كل عين ثرة" أي سبحان الله، فترى هون النسخة تختلف، "فتركن كل حديقة كالدرهم"، ما زال يقول أن المطر الذي ينزل على هذا المكان ينزل بكثرة وينزل بوفرة، فقول "جادت عليه"، على هذا المكان كانه عطاء غزير.
كل عين ثرة، سامحوني أن في شيء قفزت عنه، لكن اقفز عنه امشوا معي، اقفز عن "أو عاتق من أذرعات" صحيح؟ اقفز عنها لما هي ليست يعني بيت منشور في هذا المكان، حتى نكمل الكلام السابق. "جادت عليه"، وفي نسخة "عليها"، إذا قلنا "جادت عليها" يكون الضمير يعود على ماذا؟ على الروضة.
مش قلنا "أو روضة أنفًا تضمن نبتها غيث قليل الدمن ليس بمعلم" "جادت عليها"، وفي نسخة "جادت عليهم"، هي مشكلة اختلاف النسخ. "جادت عليه" إذا قلنا "جادت عليه" يكون باعتبار المكان. يعني جاد على هذا المكان كذا وكذا، إذا قلنا "جادت عليها" يكون باعتبار الروضة.
طيب، النسخة التي بين أيديكم "جادت عليها" أي جادت على هذه الروضة "كل عين ثرة". فتركن كل حديقة كالدرهم، شوف يعني كيف قدرته على تصور المشهد. يقول هذه الروضة جاد عليها ماذا؟ كل عين ثرة، الآن أيها الكرام العين البعض يقول لك هي ماذا؟ هي عيون الماء، عيون الماء، فهذا المكان الذي يسقيه ليس فقط السماء الذي يسقيه أيضًا ماذا؟ عيون ماء تنزل من الجبال أو تخرج من مديان أو ما شابه ذلك، أيضًا تجود على هذا المكان بماذا؟ بالماء، لذا قال "جادت"، وكلمة جادت تدل على الجود والجود فيه ماذا؟ كرم وإعطاء وكثرة، يقول "جادت عليه" كأنه عطاء غزير "كل عين ثرة"، ثرة ماذا؟ أي غزيرة الإعطاء، كل عين ثرة كل عين غزيرة الإعطاء.
طيب، "فتركن كل حديقة كالدرهم"، "فتركن كل حديقة كالدرهم"، يقول أي لما تأتي ال ينزل مطر السماء كما جاء قبل، كما جاء قبل قليل، مطر السماء نزل قليل الدمن، وجاءت عين ثرة غزيرة، ف فتركت ما، ماذا؟ هذه الأعين التي تنزل على الحديقة وعلى الروضة وهذا الماء الذي ينزل من السماء لما ينزل إلى هذه الأراضي، ماذا يترك؟ يترك فيها بقع ماء، يترك فيها ماذا؟ بقع ماء.
تخيل معي هذا المشهد، بقع الماء، تخيل معي بقعة ماء دائرية تراها من بعيد في وقت الصباح، هيك من أرض، أنت مثلًا في أرضك أو من سطح منزلك، في شوارعنا ما هي ما شاء الله كلها محفر، في شوارعنا لو كان كانت هناك حفرة اجتمع فيها الماء في وقت الصباح، ماذا يكون شكلها ولونها؟ شكلها دائري ولونها فضي كلون درهم الفضة.
قال "فترك كل حديقة كالدرهم" يعني إذا نظرت إلى هذه الحديقة وإلى هذه الأماكن داخل الروضات، ماذا سترى؟ سترى كأنها دراهم هنا وهناك، اللي هي مناطق اجتماع الماء، هي فعلا دائرية كالدرهم، دائرية كالدرهم ولونها فضي، وهذا كما قلت هذا يدل على أنها حديقة نقية صافية، لا يوجد أحد يتلاعب بتضاريسها، لا يوجد حيوانات تشوه مشاهدها، هي كما خلقها الله، حديقة كما خلقها الله.
تنزل عليها مياه السماء وتجود عليها عيون الأرض، فإذا جاءت المياه واجتمعت فيها وبركت فإنها تصنع لك مثل الدراهم من حيث حث التدوير ومن حيث ماذا؟ انعكاسات انعكاساتها اللي هي لون، تمام؟ يلا عبد الرحمن، روح عند ماما يلا أركض، هذه عملية بدها، الشيخ عمر، أنت مخوفه، وأنا قلت لك يا شيخ عمر بعدين ما تخوف الزلمة، الله يسامحك.
طيب، "فتركنا كل حديقة كالدرهم" أي تركنها كما قلنا بقع هكذا، هذا يدل كما قلنا عدم وجود أي تلاعب بتضاريسها، عدم وجود أي شيء يطرأ عليها فهي في كامل نقائها. طيب، ثم قال، ممكن هذا بدل على العفاف.
طبعا هنا في نسخة أخرى، في نسخة أخرى ايش يقول: "فتركن كل قرارة"، وهذه ربما قرارة تكون أوضح من الحديقة هنا. "فتركن كل قرارة"، القرارة هو المكان الذي يستقر فيه الماء في الأرض، صح؟ "فتركن كل قرارة"، القرارة هي التجاويف الأرضية هكذا التي يستقر فيها الماء؛ لأن الماء أصلًا هو متى يشكل حلقة درهم؟ الماء أيها الكرام متى يشكل حلقات درهم؟ لما يكون في منطقة من الأرض هكذا منخفضة قليلًا، بقعة، فينزل فيها الماء.
فلذلك الحديقة هنا والله أعلم قصد بها أيضًا معنى القرارة، البقع أو الأماكن اللي فيها شيء من الانحناء داخل الأرض بحيث يصلح أن يستقر فيها الماء فيصبح عندي هكذا مثل ماذا؟ مثل شكل الدرهم، دائري وفضي.
طيب، "جادت عليها كل عين ثرة فتركن كل حديقة كالدرهم سحًا وتسكب"، ما زال يصف يعني هي الغزارة. قال السح هو المنهمر بقوة والتسكب، يعني كأنك تسكب شيئًا في ماء في كاس، كأنك تسكب شيئًا في كاس.
فيقول هذا الماء الذي تجود به العيون، سح منهمر بقوة وتسكب، كأنك تسكب شيئًا في كاس، فهو منهمر بشكل مستمر. قال: "فكل عشية يجري عليها الماء لم يتصرم" فهذه الروضة لا ينقطع عنها الماء أبدًا.
كل عشية، العشية ما بين الظهر إلى المغرب، هذا يسمى ماذا؟ وقت العشي، ما بين الظهر إلى المغرب. فيقول هذه الحديقة لا يتوقف عنها الماء سواء من السماء أو من العيون، فكل عشية كل ما أتيت إليها في وقت العشي من الظهر إلى المغرب، كل عشية يجري عليها الماء لم يتصرم، الماء يجري بشكل مستمر ويرتادها لم يتصرم، لا ينقطع.
وهذا يجعلها دائمًا في نظرتها وفي بهجتها وفي خيرها، هذا كله من المواصفات الجيدة. ثم قال: أي "فترى الذباب"، الآن ما زال يكمل يعني شوف هذا التشبيه العظيم العميق. قال: "فترى الذباب بها يغني وحده هزجًا كفعل الشارب المترنم".
يقول ولأنها حديقة لا أحد يرتادها، تجد هكذا الذباب يطير فيها وحده، ما شاء الله مبسوط مسرور؛ لأنه لا يوجد من يعكر
عليه الحياة والأجواء. فترى الذباب بها يغني، يغني يتغنى ومبسوط ومسرور. قال: "هزجًا"، يتغنى هزجًا كفعل الشارب المترنم. تعرف من هو الشارب؟ الآن يعني عفاكم الله، هل تعرفون السكران؟ السكران لما يذهب عقله يصبح هكذا يغني، وإنه أصلًا هو لا يدري ما الذي يفعله. فيقول هذا الذباب كأنه إنسان سكران في داخل هذه ماذا؟ في داخل هذه الروضة.
هو الذباب مسرور ما في غيره، الذباب مسرور لا يوجد غيره، فهو يغني هزجًا مسرورًا فرحًا، يغني هزجًا مسرورًا فرحًا كفعل الشارب المترنم. أي كما يفعل الشارب السكير إذا زال عقله فأصبح يترنم بما يقول ويتغنى به.
ثم قال: "غردًا يسن ذراعه بذراعه فعل المكب على الزناد الأجذم". هذا من أدق الأبيات ومن أفخم الأبيات التصويرية عند عنترة بن شداد العبسي. عنترة ماذا يصف الذباب؟ يقول لك الذباب لما يكون فاضي أشغال، إيش بيعمل الذباب لما يكون فاضي أشغال؟ هل رأيت الذبابة واقتربت منها كثيرًا كثيرًا فوجدته يلعب بأصابعه الأمامية هكذا؟
هذا إذا اقتربت من الذبابة وكبرت بالمجهر تجد الذبابة لما تكون ما عندها شيء تفعله، تتسلى بأقدامها الأمامية تفعل هكذا، يعني تلعب. قال: "هزجًا"، هذا طبعًا هذا طب هو لماذا يؤكد أن الذباب وحده وأن الذباب يغني مترنمًا هزجًا وما والذباب يلعب هكذا بأقدامه؟ هذا كله كناية أن هذه الروضة لا يوجد فيها أي إنسان ولا يوجد فيها أي حركة خارجية.
لدرجة أن الذباب إذا كان فيها كأنه وحده ما في شيء مسرور مطمئن، الذباب لا يفعل هذه الحركات بأصابعه إلا إذا شعر بالطمأنينة. أما إذا في شخص كل شوية كشه هكذا، ما في عنده وقت يفعل ه الحركات. هذا يدل أن هذا الذباب يشعر بماذا؟ بكامل الطمأنينة والراحة لعدم وجود أي شخص يعكر عليه.
إذا ولاحظ كيف كرر كلمة، طبعًا عندكم "غردًا"، صح؟ عندكم ماذا؟ "غردًا"، وفي بعض النسخ "هزجًا" في البيت الذي يليه، لا لا هي "غردًا" ليست "غري" هي "غريدًا يسن"، "غردًا يغرد"، وفي نسخ أخرى "هزجًا". طب "يسن ذراعه بذراعه" أي يحك ذراعه بذراعه، المراد الأقدام الأمامية له.
قال: "فعل المكب على الزناد الأجذم"، الشخص الأجذم من هو؟ هو مقطوع الأذرع، مقطوع الأذرع. فالشخص إذا كان مقطوع الأذرع أيها الكرام وأعطيته زناده، ما هو الزناد؟ هو الحجر أو العود الذي يتم إشعال النار به يسمى ماذا؟ الزناد.
قديما كانوا العرب يأتون بعود فيحكونه بعود حتى يشعلوا النار، أو حجر يحكون بحجر حتى يشعلوا النار. فيقول لك تخيل الذباب وهو يلعب بأقدامه الأمامية، يشبه شخصًا أجذم مقطوع الذراعين، فقط عنده العضد هذا والعضد هذا. وهذا الشخص الأجذم أعطيه زناده، أعطيه الحجر الذي يشعل به النار، ماذا سيفعل به؟
سيفعل كما يفعل الذباب؛ لأنه هو لا يمتلك إلا هذا العضد وهذا العضد، وأنت أعطيته زنادًا حتى يشعله، فسين كب على هذا الزناد ليمسكه بين عضديه ويصبح يحاول يحكه بماذا؟ بعضديه. هو يشبه صورة لعب الذباب بأقدامه الأمامية هكذا بعضد أجذم اجتمع على زناد على حجر حتى تحاول ماذا؟ أن تحكه لتشعل.
شوف ه الصورة الغريبة البعيدة القوية، كيف استطاع أن يأتي، يعني كيف "كالشمس والشمس كالمراة في كف الأشل"، هذا حقيقة يدل على إبداع في القدرة على الربط بين الأشياء المتباعدة. ربط ذراع، صورة ذراعي الذباب وهي تلعب في الأمام، كعدي إنسان أجد وضع له زناد ليشعل النار، كيف سيحك عضديه على هذا الزناد؟ بهذه الطريقة هكذا يفعل الذباب، إذا حكى أقدامه الأمامية، شبه صورة بصورة.
إذا "فترى الذباب بها يغني وحده هزجًا كفعل الشارب المترنم، غردًا يسن ذراعه بذراعه فعل المكب على الزناد الأجذم". كم بيت يصف فيه نقاء فم المحبوبة؟ هذا كله وصف لنقاء فم المحبوبة وأن رائحته الزكية النقية العطرة لا تفارقه.
فأولًا أعطاك تشبيه بسيط لما قال: "وكان فارة تاجر بقسيمة سبقت عوارضها إليك من الفم"، على تشبيه بسيط، ثم أعطاك تشبيه طويل عميق متجذر "أو روضة أنفًا تضمن نبتها غيث قليل الدمن ليس بمعلم، جادت عليه بكل عين ثرة". "جادت عليه بكل عين ثرة، فتركن كل حديقة كالدرهم سحًا وتسكب".
ماذا قال "سحًا وتسكب"؟ "فكل عشية يجري عليها الماء لم يتصرم، فترى الذباب بها يغني وحده هزجًا كفعل الشارب المترنم، غردًا يسن ذراعه بذراعه فعل المكب على الزناد الأجذم". عرفتوا ما معنى الزناد وما معنى الأجذم؟
إذا هو باختصار لماذا فعل أو أتى بأربعة أبيات؟ خمسة أبيات. هو أتى بكل هذه الأبيات الخمس من أجل تشبيه واحد، ولاحظوا كيف المشبه به مركب. شوف هنا مشبه به مركب من عدة جمل، كقوله تعالى (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا) [يونس: 24]، شوف هذا المشبه به 10 جمل.
إذا العرب تعرف هذا النوع من التشبيه، أنني فقط من أجل أن أشبه نقاء الفم وذكاء الرائحة الطيبة، أتيت بخمسة أبيات أصف بها روضة جديدة، ا تكفل بإخراج نبتها غيث إذا وقع على الأرض لا يوجد فيه دمن. هذا الغيث عاونه أيضًا عين ثرة، فأصبحت مناطق هذه الحديقة كأنها دراهم، المناطق التي يستقر فيها الماء.
وهذا الماء سحًا وتسكب، فكل عشية ترى الماء موجود لا يتصرم، لا ينقطع عنها. ولده فراغها وعدم معرفة الناس بها، الذباب يغني وحده هزجًا مسرورًا كفعل الساكر أو السكران الذي يتغنى. لدرجة من الفراغ ولعدم وجود من يزعج الذباب، الذباب يلعب بأقدامه الأمامية كما يلعب الشخص الأجذم بماذا؟ بحجر الزناد.
كل هذا ليعطي فقط مشهدًا واحدًا، لكنه يعطيه مليء بالصور والحركات والجماليات والتشبيهات. هذا من أساليب العرب. نعم. على الز الاجم، فصل بين الوصف فعل الم نعم، فعل المكب على الزناد هو يصعب يعني، يصعب أن نقول فصل. قال هو "المكب على الزناد"، على الزناد هذا الجار والمجرور من متعلقات المكب.
"فعل المكب الأجذم على الزناد"، بالعكس أنت هيك بتكون فصلت، هكذا بتكون فصلت؛ لأنه "على الزناد" هي الجار والمجرور متعلق بالمكب، مكب على الزناد، وصفه هذا المكب على الزناد أنه أجذم. ثم قال، طيب أقف اليوم إن شاء الله عند هذا البيت، ونكمل إن شاء الله في المجلس القادم، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.