32 دقائق للقراءة
تفريغ مقطع مرئي
0:00/0:00
سجل دخولك للوصول إلى ميزة التظليل والمزيد من المميزات

السيرة النبوية | 17. خطة النبي في الدعوة إلى الإسلام | محمد إلهامي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. اللهم اجعل عملنا كله خالصا لوجهك الكريم ولا تجعل لأحد سواك فيه شيئا يا رب العالمين.

مرحبا بكم يا أحباب وجزاكم الله خيرا على المجيء في هذا البرد وهذا المطر، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله غيثا نافعا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا ومنكم شهر رمضان. وتعرفون من هدي السلف أنهم كانوا يستمرون ستة أشهر بعد شهر رمضان يسألون الله تبارك وتعالى أن يتقبل منهم شهر رمضان الكريم. ونعود إلى ما كنا فيه من مجالس السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وكنا توقفنا عند المجلس السابع عشر وهذا هو المجلس الثامن عشر.

وبعد هذا الانقطاع أنا سأحتاج أن أذكر بأربعة أمور لكي يعني نصل من انقطع، أو نتذكر معا أهم ما ينبغي أن نبني عليه. الأمر الأول وهو أن الإسلام كلمة لا إله إلا الله، ليست مجرد شعائر أو طقوس أو عبادات، وإلا فالمشركون كان لديهم في مكة ثلاثمائة وستين صنما، وكان لديهم نصارى وكان لديهم من لا يؤمن بدين، وكان لديهم الأحناف. وكان مجتمعا متعددا ومتنوعا ومتقبلا لكل هذه الأديان. لماذا لم يتقبل الدين الجديد؟ لأنه الدين الجديد ليس مجرد معبود جديد يضاف إلى الأصنام الموجودة، وإنما هو نظام جديد، بل هو نظام ينسف النظام الجاهلي الموجود. لا إله إلا الله، تمام؟

ولذلك تمرون في السيرة النبوية فتقرأون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قومه قريبا منه، لا ينكرون عليه حتى عاب آلهتهم وسفه أحلامهم. يعني أنت عندك إله سميته أو سميته الله تعبده في بيتك، ستنشئ لنفسك مسجدا أو معبدا أنت حر، لكن أن يتدخل هذا الله في حياتنا هذا هو الايه؟ هذا هو المحظور، تمام؟ وتجدون ذلك في قول الله تعالى في قصة نبي الله شعيب: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ) (هود: 87). أنت دينك ده كده ايه؟ بيتدخل في حياتنا وفي اقتصادنا، وأن نفعل في أموالنا ما نشاء. طيب هذا هو السر، السر الأول في أن الجاهلية لم تقبل الإسلام لأنه الإسلام لم يكن مجرد معبود جديد يضاف إلى سلسلة المعبودات المقبول بها.

المشركون أنفسهم لم يكن لديهم مانع من الاعتراف بوجود إله، وأن يكون هذا الإله هو الذي خلق السماوات والأرض وخلق الناس. طيب أين الأزمة؟ أن هذا الإله يؤمن أو هذا الدين يريدنا أن نؤمن باليوم الآخر. اليوم الآخر ما معنى اليوم الآخر؟ أن هذا الإله له تكاليف، له أوامر، له نواهي وسيحاسب عليها في اليوم الآخر. يعني (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (الزخرف: 87) (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (لقمان: 25). ليست لديهم مشكلة، لكن أن يكن أن يكون لهذا الإله أوامر ونواهي وتكاليف يحاسب عليها يوم القيامة، هذا ما لم يقبلوه.

(وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) (مريم: 66)، وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال (مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (يس: 78). تمام؟ فمسألة الإيمان باليوم الآخر كانت مسألة مرفوضة تماما، لأنه الإيمان باليوم الآخر هو الذي سيجعل لهذا الإله وجود وتدخل وقرارات في الدنيا. وهذه يا جماعة الخير هي معركة الإسلام مع الباطل في الدنيا، خلاص؟ تدرون لو الإسلام انتزعنا منه اليوم الآخر لم يعاديه أحد، أو لم يهتم أحد بأن يعاديه، تمام؟

أهم ما يجب أن نتذكره أن الإسلام لم يكن مجرد دين جديد بمعنى أنه طقوس وشعائر، وإنما كان نظاما جديدا يدخل إلى حياة الناس. تمام، طيب الأمر الثالث الذي نريد أن نتذكره معا هو خريطة السيرة النبوية، بحيث أيضا لا ننسى ونذكر من كان قد نسي. ذكرنا أن السيرة النبوية يقسمها العلماء إلى فترتين، وبعضهم يقسمها إلى ثلاث فترات. من يقسمها إلى ثلاث فترات يبدأ من المولد إلى البعثة. من المولد إلى البعثة، وهذه كم سنة؟ كم سنة؟ أربعين سنة. ممتاز. الفترة الثانية هي فترة المرحلة المكية. فترة المرحلة المكية كم سنة؟ ثلاثة عشر سنة، ثلاثة عشر عاما، تمام. الفترة الثالثة هي الفترة المدنية وهي عشر سنوات.

وذكرنا ملحوظة ينبغي ألا تغيب عن أذهانكم، أنك لو فتحت أي كتاب في السيرة النبوية ستجد أن حجم العشر سنوات أكبر من حجم الثلاثة عشر سنة، وحجم الثلاثة عشر سنة أكبر من حجم الأربعين سنة، تمام؟ لأنه الحياة تبدأ في الحركة والفاعلية والإنتاج حين تتأسس الدولة. أي كتاب في السيرة النبوية ستجد أن العشر سنوات هي أغزر أحداثا مما قبلها. طيب ذكرنا أنه لكي نسهل على أنفسنا أيضا حفظ السيرة وفهم السيرة، فإن المرحلة المكية ذكرنا، المرحلة المكية يمكن أن نسميها مرحلة الفكرة، مرحلة الدعوة، مرحلة الرسالة. المرحلة المدنية نسميها مرحلة الدولة، مرحلة النظام، مرحلة السلطان. الفترة المكية لكي نفهمها أيضا يمكن أن نقسمها إلى فترات أصغر من هذا. ذكرنا ذلك في المجلس العاشر.

ذكرنا من سنة واحد أو من البداية إلى سنة ثلاثة للبعثة، هذه تسمى الدعوة الخاصة، الدعوة الخاصة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتقي فيها شخصيات معينة، النبي يرى أن هذه الشخصيات يمكن أن تكون أعمدة الإسلام. فريق العمل المؤسسين الأوائل، وبالفعل هؤلاء السابقون الأولون إلى الإسلام هم أفضل الناس في الإسلام، تمام؟ هؤلاء السابقون الأولون، هذه الدعوة الخاصة استمرت من سنة من سنة واحد يعني من البداية إلى سنة ثلاثة للبعثة. ثم نزل الإذن أو والأمر بإعلان الدعوة في قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214) وفي قوله تعالى (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر: 94).

وهنا بقي معنا في الفترة المكية عشر سنوات، من ثلاثة للبعثة إلى ثلاثة عشر. ذكرنا أنه من سنة ثلاثة إلى سنة ستة يمكن أن نسميها فترة الاستضعاف الظاهر، الاستضعاف الشديد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد ما أعلن الدعوة بدأت مرحلة المواجهة ومرحلة التعذيب ومرحلة التنكيل ومرحلة الإذلال. متى انتهت هذه المرحلة؟ عند العام السادس. انتهت بإسلام رجلين قويين كبيرين هما سيدنا حمزة وسيدنا عمر ابن الخطاب. وذكرنا أن سيدنا عبد الله بن مسعود قال: ما زلنا أذلة حتى أسلم عمر فكان إسلامه فتحا. يعني إذا المسلمين عند السنة السادسة للهجرة بدأت تدخل فيهم شخصيات عزيزة من المجتمع الجاهلي، تمام؟

طيب من سنة سبعة إلى سنة عشرة للبعثة، هذه سنوات الحصار الكبير، سنوات الحصار الكبير. أراد المشركون أن يغتالوا النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم وأدخل النبي في شعب بني هاشم، يعني في الحارة أو في الزاوية أو في منطقة النفوذ في الكمبوند بمصطلحنا المعاصر، وأقام عليه حرسا حتى لا تصل إليه قريش. قريش رأت أنهم انحازوا فكتبوا صحيفة قالوا فيها أنه انقطعت يعني أعلنوا حصار أو مقاطعة على ألا يبيعوا من بني هاشم ولا يبتاعوا منهم ولا ينكحوهم ولا ينكحوا منهم، ولا يجالسوهم ولا يكلموهم. كانت هذه الحصار فترة صعبة جدا. ثلاث سنوات من سبعة إلى عشرة حتى أكل المسلمون أوراق الشجر، ومعهم من انحاز إليهم من بني هاشم من المشركين.

من عشرة إلى ثلاثة عشر، هذه سميناها فترة البحث عن أرض للدولة، لأنه خلاص كان المسلمون يعني كان أهل مكة قد يعني فقد فيهم الأمل من أن يسلموا. فلذلك بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في البحث عن أرض أخرى وعن قوم آخرين، تكون أرضهم أرضا للدولة ويكونون هم أنصارا، شوكة وعصبة للدولة، حتى أعسره الله على الأنصار وهاجر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاثة عشر من البعثة التي كانت هي السنة الأولى من الهجرة. كده الفترة المكية واضحة، أو المفترض أن نكون تذكرناها معك. طيب الفترة المدنية ذكرنا أنها عشر سنوات، ولكي نفهم أيضا طبيعة مراحل الفترة المكية المدنية يمكن أن نقسمها إلى الآتي.

أول سنتين كانت تمهيدا وتمكينا وإعدادا للدولة في الداخل. هذه الفترة تنتهي بغزوة بدر. غزوة بدر كانت غزوة فارقة، لأنه غزوة بدر هذه كانت الحرب التي ولدت فيها قوة الدولة الإسلامية. تحول فيها المسلمون من الجماعة اللاجئة، الجماعة المطاردة، الجماعة الإرهابية الدولة المزعومة، إلى أن صاروا قوة تملك أن تحارب وأن تنتصر. فبزوغ القوة الإسلامية كان في غزوة ايه؟ بدر. طيب ثم من اثنين إلى خمسة، من سنة اثنين للهجرة إلى خمسة للهجرة، هذه نستطيع أن نسميها سنوات بناء القوة الإقليمية. القوة في المنطقة التي أنت فيها.

طيب أشمعنى سنة خمسة؟ سنة خمسة هذه كانت غزوة الأحزاب، غزوة الخندق. غزوة الأحزاب هذه كانت أخطر لحظة تمر على الدولة الإسلامية على الإطلاق، لأن الدولة الإسلامية في ذلك الوقت عانت من حلف الأحزاب عليها، يعني بالمصطلح المعاصر عانت من تحالف دولي، عانت من حرب عالمية بالمصطلح المعاصر. جمع المشركون في هذه الغزوة ما لم يتسنى لهم أن يجمعوه لا قبل ولا بعد. فلما عجز الحلف الدولي عن إزالة الدولة الإسلامية، هنا ظهر واضحا أن هذه الدولة صارت غير قابلة للكسر، غير قابلة للإنهاء. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن نغزوهم ولا يغزونا"، تمام؟ الآن نغزوهم ولا يغزونا. لأن طبيعة الدول، طبيعة عالم السياسة، عالم السياسة ليس فيه فراغ. الدولة التي تأمن على نفسها تبدأ في التمدد، الدولة التي لا تستطيع التمدد تبدأ في الانكماش.

هذا هو العالم. فلذلك بشر النبي صلى الله عليه وسلم بعد نهاية هذه الغزوة بأنه ايه؟ لن تغزى المدينة مرة أخرى. الآن نغزوهم ولا يغزونهم. الشباب اللي فوق أو البنات بقى اللي فوق، اه طيب ثم يأتي تأتي بعد ذلك المرحلة المتوقعة أيضا في عالم السياسة، طالما أنك لم تكسر ولم يقدر الأعداء على كسرك، تبدأ تدخل في مرحلة مرحلة الاعتراف السياسي، وهذا الذي كان في صلح الحديبية. صلح الحديبية حين وقعت مكة عاصمة العرب، القوة الإقليمية الكبرى، معاهدة مع الدولة الإسلامية. هذا فيه نوع من ايه؟ من الاعتراف السياسي بمصطلحنا المعاصر. الآن بيسموها اعتراف الأمم المتحدة. خلاص؟ وقت ما تبقى دولة معترف بها في الأمم المتحدة تبقى دولة مستقلة ذات سيادة، بمعنى بتعرف تطلع جوازات سفر، المواطن اللي عندك يعترف به، يستطيع أن يتنقل وأن يتعلم وأن يعالج.

هذه المنطقة تسمى ايه؟ دولة مستقلة ذات سيادة، وهذا أمر مهم ليس أمرا سهلا. ولذلك سمى القرآن الكريم هذا الصلح (الْفَتْحَ الْمُبِينَ) (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) (الفتح: 1). نزلت في صلح الحديبية مع أنه مجرد اتفاق، بل والنظرة السريعة للاتفاق تقول أنه اتفاق مهين للمسلمين. ثم تبدأ بعد ذلك الدعوة العالمية والدخول في القوة العالمية، وهذا علامته الكبرى في فتح مكة الذي كان في العام الثامن من الهجرة. وبعده (دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) (النصر: 2). فهذه خريطة أرجو من يحفظها ومن يفهمها ستتضح له معالم السيرة النبوية، وسيفهم أمورا قد تشكل عليه إذا لم يفهم هذه المراحل.

يعني سيفهم لماذا النبي صلى الله عليه وسلم قتل له سبعون صحابيا فلم يتحرك في سنة من السنوات، ثم قتل له صحابي واحد فجيش له جيشا. متى كان هزا ومتى كان هزا؟ لا يتبين لك هذا إلا حين تفهم هذه الخريطة وتفهم هذه المراحل. متى كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحارب إلا مكة؟ ومتى بدأ يحارب غير مكة؟ لا تفهموا هذا أيضا إلا حين تتضح لك هذه المعاني. فهذه خريطة تسهل حفظ السيرة. نعيد تذكير أنفسنا بها قبل أن نواصل الكلام. الأمر الرابع والأخير الذي أريد التذكير به لكي يتصل من انقطع هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم وخطته في الدعوة. وهذه تكلمنا عنها في المجلس الماضي وذكرنا كالاتي.

أنه من طبيعة الناس، من طبيعة الاجتماع، من طبيعة الدول، من طبيعة الشعوب، أنها تبع لقادتها، تبع لقادتها. لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا. ولذلك فإذا تتبعنا خطوات النبي صلى الله عليه وسلم وجدنا أنه يقصد القادة المتبوعين، فأمضى أغلب الفترة المكية في محاولة هداية زعماء مكة للإسلام، لأنه زعماء مكة إذا أسلموا تبعهم أهل مكة. وأهل مكة إذا أسلموا تبعهم العرب. فالطريق الأقصر الأسهل هو أن يؤمن أهل مكة. وبذل في ذلك جهدا سماه القرآن الكريم قتلا. فقال تبارك وتعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف: 6). تمام؟ هذا قضى فيه النبي عشر سنوات، يعني أغلب الفترة المكية.

طيب لما بدأ أنه زعماء قريش قد تسربوا الكفر وأنهم لن يؤمنوا، بدأ النبي في البحث عن الخطوة التالية، بدأ في نسميها مسلا البند الثاني من جدول الأعمال. وهو أنه ذهب إلى الطائف. الطائف هذه هي العاصمة الثانية من عواصم العرب. ولذلك كان بين أهل مكة والطائف نوع من المنافسة على الزعامة. وسنرى فيما بعد لما فتحت مكة رفعت الطائف لواء الكفر، تمام؟ فذهب النبي إلى الطائف ولما ذهب إلى الطائف أيضا لم يذهب إلى عموم الناس، وإنما ذهب إلى القادة الثلاثة الذين يحكمون الطوائف. فلما ردوه ردا قبيحا وسلطوا عليه سفهاءهم، لم يقض النبي الوقت في دعوة عموم الناس وإفناء الناس، وإنما رجع وعاد إلى مكة مرة أخرى، وبدأ يعرض نفسه على القبائل، ويعرض نفسه على القبائل، يعني يعرض نفسه على سراة هذه القبائل، وجهاء هذه القبائل، زعماء أعيان هذه القبائل.

تمام؟ حتى أعسره الله بالأنصار، فأرسل يعني توثق من إيمانهم، ثم أرسل معهم مصعب بن عمير. مصعب بن عمير كان السبب في إسلام زعيم الأنصار سيدنا سعد ابن معاذ وأسيد بن حضير، وعندئذ هاجر النبي إلى المدينة. يبقى خطة النبي في الدعوة هو أن تقصد زعماء القوى الطبيعية الموجودة في هذا يعني في هذا المحيط أو في هذه البيئة. ولما أسلم الأنصار بإسلام زعيمهم تحول إليهم النبي صلى الله عليه وسلم. طيب لما أسلم الأنصار وصارت دولة الإسلام في المدينة، المعركة الأساسية التي خاضها النبي هي معركته مع مكة، لأنه مكة هي زعيمة العرب، عاصمة العرب. فسنجد أنه كل معارك النبي صلى الله عليه وسلم كانت مع مكة، إلا أن يضطر النبي، يعني إلا أن تأتي قبيلة أخرى تهاجم.

لكن النبي كان لم يفتح على نفسه أي جبهة إلا جبهة مكة، حتى إذا يعني وصل إلى الاتفاقية صلح الحديبية مع مكة، عندئذ بدأ في الانتباه إلى الأعداء الآخرين. وأنت بعد صلح الحديبية ستجد النبي قد فتح خيبر مع أنه لم يحاول أبدا أن يفتح خيبر ولو أنها كانت مركز مؤامرات. وبعد صلح الحديبية بدأ النبي في مراسلة الملوك. وأرسل رسائله إلى كسرى وقيصر والنجاشي والمقوقص وأمراء اليمن وعمان والبحرين، تمام؟ حتى فتحت مكة، فبدأ النبي في الانتباه إلى الروم. تمام؟ فهذه يعني مختصر خطة النبي صلى الله عليه وسلم فيه الدعوة. تمام، هذه أربعة أمور أحببت أن أذكر بها قبل أن نستأنف. كنا توقفنا في المجلس الماضي عند، ذكرت لكم أن أي مجتمع إذا ظهرت فيه دعوة جديدة فهذه الدعوة الجديدة تكون الاختبار العملي للقوانين المهيمنة على هذا الايه؟ على هذا المجتمع.

فإما أن القوانين تكون قادرة على امتصاص هذه الأحداث أو هذه الدعوات أو هذه التمردات، وإما أن يحاول أهلها تغييرها. تمام، فأول ما وقف عائقا أمام قريش في إخماد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي كان في حماية بني هاشم. النبي كان في حماية بني هاشم. وذكرنا قبل ذلك أن هناك حكمتان كبيرتان من أجلهما يرسل الله الأنبياء في أشراف أقوامهم. حديث هرقل عند البخاري وكذلك الأنبياء تبعث في أشراف أقوامها أو تبعث في نسب قومها في لفظ مسلم. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فما بعث الله نبيا إلا في ثروة من قومه". الحكمتان ما هما؟ الحكمة الأولى أن هذا يسهل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه الإنسان حين يكون ذا مكانة في قومه، بخلاف ما لو كان مصدرا محتقرا ممتهلا. أي فكرة لو خرجت من شريف القوم من عظيم القوم ولذلك مسلا الجماعة بتوع الإعلانات اللي بيعلنوا عن المية ولا على عن شوكولاتة ولا عن أي حاجة، بيجيب مين؟ بيجيب الممثل المحبوب ولاعب الكورة المحبوب، تمام؟ طيب أن أنا مسلا لماذا؟ لأنه هذا متبوع، هذا محبوب، هذا ذو مكانة. فلذلك الدعوة لابد أن ينطق بها من كان ذا مكانة في قومه.

فالحكمة الأولى أن هذا يسهل الاتباع. الحكمة الثانية أن هذا يوفر الحماية للداعي حتى تشتد دعوته. ولذلك كان الأنبياء كما تقرأون في قول الله تعالى: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود: 91). فسيدنا شعيب كان في حماية من؟ وفي حماية رهطه قومه. تمام؟ و آآ يعني اضطرد هذا في قول الأنبياء ولذلك تجدون أنه قريش كثيرا ما بذلت مجهودا مع أبي طالب لكي أما أن يتولى هو إسكات ابن أخيه أو يسلمهم ابن أخيه. لماذا؟ لأنه محاولة الاعتداء على ابن أخيه هذا قد تثير حربا أهلية. فلذلك ظلوا يتجنبون الحرب الأهلية هذه عشر سنوات، تمام؟ وحتى الحل الذي وجدوه في النهاية هو الحل الذي يتجنبون به الحرب الأهلية أيضا، الحل الأخير اللي هو ايه؟ اللي هو نأخذ من كل قبيلة رجلا فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل. يعني كل قبيلة يكون لها نصيب من قتله، فلا يستطيع بنو عبد مناف أن يقاتلوا قريشا كلها فيقبلوا بالعقل أو بالدية. تمام؟

يعني انتبه إلى طبيعة موازين القوى التي منعتهم من اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، ماشي؟ هنا لذلك سنجد أنه آآ قريش أهلكت نفسها في كل المحاولات التي لا تصل إلى اشتباك بقتال. فذكرنا أنهم كانوا يعني فعلوا كل محاولات التشويه للنبي صلى الله عليه وسلم. كل محاولات مضايقته، إذا مروا بهم يتغامزون (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (القلم: 51). يكلمون أبا طالب، يسخرون من النبي، وقالوا (لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31). وتحول الصادق الأمين إلى كذاب كاهن ساحر شاعر مجنون، تمام؟ هو ينفع يبقى صادق أمين طول ما هو مواطن صالح لا يخرج على القانون القرشي، لا ما بقاش مواطن صالح وبقى عنده رأي في القانون والدستور فيبقى ايه؟ دعوة لتخريب السلم الاجتماعي وبناء جماعة محظورة. سلسلة الاتهامات المحفوظة.

وذكرنا أنه لما وجدت قريش أن خطابهم الإعلامي فيه قدر من الارتباك، احنا قلنا أنه قريش حتى أرسلت رجلا منهم اللي هو النضر ابن الحارس علشان ياخذ دورات مكثفة في عند فارس، يعني واحد بمصطلحنا المعاصر راح هوليوود يدرس كيف تكون الأفلام، علشان يرجع يصرف الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ففعلا الناظر ابن الحارث ده راح إلى فارس، تعلم أحاديث رستم واسفنديار وجاء إلى مكة، فكان لا يجد جمعا جلس إليهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا جلس إليهم بعد له فيحدثهم بأحاديث رستم واسفنديار، ويقول لهم أحاديثي خير أم محمد. وبعد شوية كمان اشترى جارية علشان ما يبقاش المسألة مسألة ايه؟ تأثير عقلي فقط. يبقى فيها تأثير نفسي ووجداني وشهواني، فصار لا يسمع بأحد يميل إلى قول محمد حتى يرسل إليه الجارية لكي تدعوه إلى حفلة خاصة كده.

فاحنا كان عندنا يعني خطاب إعلامي وهناك يعني مبعوثين خاصين، ومسرح أنشئ لدفع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم. لما شعرت قريش بأن خطابها الإعلامي فيه ارتباك، وقد اقترب الموسم موسم الحج، وضعوا الخطة التي ذكرناها وهي خطة أنه يا جماعة اتفقوا على قول تقولونه في هذا الرجل، كي لا تختلف أقوالكم عند العرب. وأنت دلوقتي هذا العربي اللي قدم إلى الحج، لو سمع من الأول أن فلان كاهن ساحر شاعر مجنون، هيعمل ايه؟ هيبقى عايز يشوف بنفسه كاهن ولا ساحر ولا شاعر ولا مجنون، مين فيهم.

فعقدوا المجلس الذي تحدثنا عنه في المرة الماضية، وقال الوليد بن المغيرة أن أقرب الأقوال فيه أن تقولوا هو ساحر جاء بقول هو السحر يفرق به بين المرء وزوجه، والمرء وولده، والمرء وأبيه. وبالفعل اعتمدوا هذا القول، وخرجوا إلى الناس في الموسم، وكان كمان في مهمة خاصة تولاها أبو لهب. أبو لهب هذا بالنسبة للنبي من عمه، وأكثر من ذلك أن ولدي أبي لهب كانا قد تزوجا، عقدا يعني لم يدخلا، عقدا على بنتي النبي صلى الله عليه وسلم. يعني العلاقة قريبة للغاية، فما كان النبي يمر على قوم إلا وكان هو وراءه يقول لا تصدقوه، إنه كذاب لا يفتنكم هذا عن دينكم. فكانوا يقولون عمه أعلم به. وهنا برضه تجد الجاهلية كيف توظف المواهب، تمام؟ وهذا مطرد يعني اللي متابع فيكم ومن يركز سيجد أنه لو خرج أي إنسان بدعوة، أو صار متمردا يعني على القانون وعلى الدستور وهذا، فالإعلام أول من يحتفي به أحد أقربائه، يأتي بأبيه يأتي بأخيه يأتي بطريقته، يعني لأنه كلام القريب مصدق، تمام.

طيب هذه الحملة التي شنتها قريش؟ طبعا أنا ذكرت أنه نزل في الوليد ابن المغيرة قول الله تعالى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ) (المدثر: 11-28). هذه الحملة نجحت في أشياء وأخفقت في أشياء. الأشياء التي نجحت فيها الحملة أنها شوهت صورة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كانت المرأة في الصحراء إذا مر بها أحد تقول له احذر فتى قريش، تمام؟

المرأة في الصحراء، يعني ايه تشبه مثلا آآ في واقعنا المعاصر طبعا يعني الإخوة المصريين ربما ما بيفهموهاش، توفيق عكاشة، توفيق عكاشة ده كان ايه؟ كان ماسك الطبقة الشعبية عندنا في مصر، فكنت تجد توفير عكاشة موجودا على المقاهي في القرية التي في أدغال الصعيد، أو في أطراف البلد، تمام؟ ومهما قال سفه في الناس من يصدقه. ففعلا كانت المرأة في الصحراء إذا مر بها الراكب عرفت أنه يريد مكة تقول له ايه؟ احذر فتى قريش لا يفتنك عن دينك. لكن أهم ما أخفقت فيه هذه الحملة أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم انتشر في ديار العرب، تمام؟ فبقى كل الذين قصدوا مكة أو مروا بها أو طافوا حولها صار عندهم ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الذكر جاء للنبي صلى الله عليه وسلم بعناصر أو بكوادر أو بشخصيات ما كان للنبي أن يعني يصل إليها بنفسه في هذه المرحلة. منها مثلا سيدنا ضماد الأَزْدي. سنجد مجموعة من الناس، وهنا أيضا انتبهوا إلى التفكير الاستراتيجي عند النبي صلى الله عليه وسلم. كل الذين أسلموا من خارج مكة النبي صلى الله عليه وسلم أرجعهم إلى أقوامهم، لم يرضى أن يبقوا معه في مكة، بل ولم يشجعهم على إعلان إسلامهم في مكة. فلذلك سنجد خمس شخصيات على الأقل مشهورة في السيرة النبوية، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلمته أسلمت وعادت إلى قومها تدعو في قومها وتنتظر بناء الدولة الإسلامية، أو إعلان الدولة الإسلامية، فلحقوا بالنبي بعد الهجرة إلى المدينة. فمنهم من هذه الشخصيات سيدنا ضماد الأَزْدي.

سيدنا ضماد الأَزْدي، قال يعني هو رجل سمع بأن في قريش فتى مجنونا يقول، وكنت أعالج أرقي من هذه الريح، يعني من هذا الجنون. فذهبت إليه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقلت يا ابن أخي، إني أرقي من هذه الريح، وأن الله يشفي على يدي من شاء. فهل لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. أما بعد". قال أعد أعد علي ما قلت، فقالها النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه، نعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. أما بعد". قال أعد مرة ثالثة، فأعادها عليه النبي. فقال: آآ قد سمعت قول السحرة وقول الشعراء وقول الكهان، فما هذا بقوله. طبعا الكلمات هذه يا جماعة الخير تعبر على أذهاننا الآن ونحن لا تؤثر فينا شيئا، نحن تكلمنا في مجلس أن العرب كانوا أصحاب ذائقة لغوية عالية جدا.

والنبي جاءهم بقول لا يملكون معه إلا أن يخضعوا ويسلموا. ولذلك وقال الذين كفروا (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت: 26). لأنه والوليد بن إبراهيم يقول أقرب القول أن تقولوا ساحر جاء بقول هو السحر، تفرق به بين المرء وزوجه. مستوى عالي جدا من البلاغة ومن المعاني الراقية التي لم يملك العربي نفسه أمامها. يعني النبي قال ما بعد ومحتاجة إلى أما بعد، فبايعه على الإسلام، تمام؟ بايعه على الإسلام. طيب من هؤلاء أيضا صحابي آخر اسمه عمرو بن عبسة السلمي. وسيدنا عمرو بن عبسة هذا أيضا يشبه قصة سيدنا ضماد. طيب، اه حديث في صحيح مسلم، وحديث عمرو بن عبسة أيضا في صحيح مسلم. لكن حديث عمر ابن عباس يقول ايه؟

آه هذا رجل كان من الأحناف؟ كالذين ذكرنا أنهم كانوا في مكة، فكان يقول، ذكرنا أنه في مسلم عن ابن عباس كان يقول: كنت أرى الناس في الجاهلية على ضلالة حتى سمعت بهذا الرجل في مكة، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له من أنت؟ هو طبعا يعني لما ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال فذهبت إليه مستخفيا وكان النبي جرؤاء عليه قومه، حتى دخلت عليه فقلت من أنت؟ قال أنا رسول. قلت وما رسول؟ قال أرسلني الله. قلت وبما أرسلك؟ قال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك معه شيء. فقال سيدنا عمر، قال فإني متبعك فابسط يدك أبايعك. والنبي صلى الله عليه وسلم قال يعني أنه لا يسعك الآن آآ يعني أن تبقى معي إلا ترى حالي وحال الناس، ولكن إلى قومك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فاتني. وقد كان بقية الحديث أن عمرو بن عبسة جاء إلى النبي في المدينة وتعلم منه أحكام الإسلام. وهنا وقفة يا جماعة الخير صلوا على النبي، وهي وقفة مؤثرة في فهم السيرة وفي فهم الدين وفي فهم حياتنا الواقعية. النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له وبما أرسلك، انتبهوا إلى قوله: أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يعبد يوحد الله لا يشرك لا يشرك معه شيء.

الوقفة الأولى هنا هو قوله وكسر الأوثان، مع أن النبي في ذلك الوقت لا هو كسر وثنا ولا هو حتى في المدى القريب سيكثر وسلام صح. يجب أن نفرق بين النطق بالحق وبين القدرة على تطبيق وتنفيذ وتحقيق هذا الحق. كون أنه نحن في لحظة من اللحظات عاجزين عن إنفاذ الحق، هذا لا يعني كتم الحق. الشيخ الطريفي فك الله أسره كانت له كلمة جميلة جدا يقول يجب على الدعاة إلى الله وعلى أهل العلم أن ينطقوا بالحق ويتكلموا به حتى وإن لم يعمل به حتى لا يندرس الحق. فيأتي قوم يقولون ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، فإظهار الحق ضروري حتى مع العجز عن تنفيذه، تمام؟ ولذلك النبي وهو جرؤاء عليه قومه وهو مستخف بالدين ذكر أن مما أرسل به كسر الأوثان. المسألة الثانية المهمة هو قوله صلى الله عليه وسلم أرسلني بصلة الأرحام. هذه خطيرة يا جماعة، هذه خطيرة. شوف سيدنا لوط لما ذهب إلى قومه أنبأهم بالتوحيد بأن يعبدوا الله، صح؟ ولكنه في صلب التوحيد والعقيدة والرسالة معالجة الفاحشة التي هم عليها.

يعني الأنبياء لم يأتوا للناس بمبادئ نظرية، لم يأتوا إلى الناس بالصراعات حول العقيدة التي هو يعني يعني صراعات في علم الكلام، صراعات في التفاصيل، صراعات ما وراء الطبيعة، الأنبياء جاءوا إلى الناس بما يصلحهم في أحوالهم. سيدنا شعيب صحيح جاء بالتوحيد. صحيح ولكنه جاء معه الإصلاح في كارثة قومه وهي التطفيف في الميزان، وبخس أموال الناس. طيب سنرى بعد قليل إن شاء الله حين نأتي إلى الهجرة لما النجاشي سأل جعفر بن أبي طالب، ما هذا الدين الذي فارقتم به دين قومكم ولم تدخلوا به في ديني؟ سيدنا جعفر ماذا قال؟ قال يا أيها الملك لقد كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأوثان، صح، سكت. قال له نعبد الأوثان، فجاءنا رسول فأمرنا بالتوحيد. وبس قال نعبد الأوسان ونأكل الميتة ونسيء الجوار ويأكل القوي فينا الضعيف، هذه المشاكل العملية، المشاكل التي في حياة الناس، حتى جاءنا نبي من أنفسنا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فأمرنا بأن نوحد الله وأمرنا بصلة الأرحام وحسن الجوار وذكر له شرائع الإسلام. أي داعية، اه يعني أي منسوب إلى الدعوة، أي منسوب إلى أهل العلم يهلك الناس في القضايا النظرية القضايا الكلامية، هذا في حقيقته مفسد ليس مصلحا. هذا في حقيقته مفسد ليس مصلحا.

يعني من الخيانة طبعا ينسب إلى العز بن عبد السلام رحمه الله أنه قال: من كان في قوم أو في أرض فشى فيها الربا فحدثهم عن الزنا فقد خان الله ورسوله، لأن القوم الأرض التي فشى فيها الربا تحتاج إلى إصلاح هذا المنكر الذي فشى فيه. فأنت الآن في عالمنا المعاصر، في عالمنا الواقع، العالم المليء بأنواع الشهوات والشبهات والمظالم والمآسي والمخاذي، وتجد رجلا يجلس مجلس أهل العلم كل ما يتكلم فيه هو قضايا نظرية أو قضايا ماتت منذ قرون، أو قضايا لا يفهمها هموم الناس. هذا مفسد ليس مصلحا، هذا ليس مبلغا عن الله تبارك وتعالى. فيعني يجب أن نفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني الآن النبي علام كان يبايع الناس؟ من كان يدخل الإسلام؟ على ما كان الناس، اللي هي بيعة الإسلام ايه؟ البيعة التي وردت في سورة الممتحنة. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) (الممتحنة: 12).

هذه البيعة التي تسمى بيعة النساء هي بيعة الإسلام. سنأتي إن شاء الله إلى التفريق، لكن اعرفوا واعلموا أن الإسلام بيعتان. بيعة الإسلام وبيعة النصرة، بيعة الإسلام التي يدخل بها المرء في الإسلام. بيعة النصرة التي بايعها الأنصار، على أن يحموا رسول الله لي السمع والطاعة في المنشط والمكره، وعلى اه النفقة في العسر واليسر، وعلى أن نحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مما نحمي منه آبائنا وأهلنا. يا كل من يدخل الإسلام يا جماعة كان يبايع النبي على ايه؟ على ألا يسرق وألا يزني وألا يقتل ولده وألا يأتي ببهتئا، لم تكن بيعة الإسلام بيعة نظرية مجرد فكرة محلقة في الهواء ليس لها آثار عملية. واضح هذا أمر في غاية الأهمية. كل من جلس مجلسا مجلس علم أو مجلسا يدعو فيه إلى الله تبارك وتعالى، لم يحاول إصلاح حياة الناس، بل سحب الناس إلى معارك نظرية ومعارك قديمة ومعارك مات أصحابها ومعارك لا يفهمها الناس، هذا مفسد ليس بمصلح، هذا هارب من مشكلات الناس. أرجو أن يكون هذا واضحا، لأنه أمر تستطيعون حتى أن تقيسوا به عموم المنتسبين إلى الدعوة وعموم المنتسبين إلى العلم.

طيب من أشهر من جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيضا سيدنا أبو ذر الغفاري. سيدنا أبو ذر الغفاري قصة إسلامه مشهورة، لأنه سيدنا أبو ذر كان رجلا من الفدائيين. سيدنا أبو ذر، وكان رجلا من قبيلة يعني كان أغلبهم يعملون في قطع الطريق. يعني لم يكن مأمولا أن النبي صلى الله عليه وسلم يصل إليه من تلقاء نفسه قبيلة غفار. ولكنه لما تناهى إليه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أخاه أولا لكي يأتي إليه بخبر النبي صلى الله عليه وسلم. فذهب أخوه استطلع الأحوال في مكة، حصل على المعلومات وعاد بها إلى أبي ذر في قبيلته غفار. سيدنا أبو ذر قال له يعني لم تشفني التقرير الذي وصل إليه لم يكن ايه؟ تقريرا شافيا كافيا. فركب ناقته وذهب إلى مكة بنفسه. طبعا الآن النبي في التخفي. احنا الآن في فترة الاستضعاف الظاهر. ماذا يفعل؟ ظل يطوف حول البيت ويبيت في ظل الكعبة. يطوف يشرب من زمزم يبيت في ظل الكعبة، فانتبه إليه سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

سيدنا علي بدأ يستفسر، يعني آآ يقول كأن الرجل لم يقبض طلبته، يعني آآ يعني الرجل لم يحقق غرضه. الرجل لم يصل إلى ما يريد. فقال نعم. طيب ماذا تريد؟ قال إن كتمتني أخبرتك. قال أفعل. قال أريد هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي. وهنا تجد أن سيدنا علي رضي الله عنه يعني فترة التخفي هذه في السيرة كثير من الإشارات العابرة التي تدل على أن الصحابة كان كان لديهم هذا الحس الأمني، تمام. فسيدنا علي رضي الله عنه قال إذا جن الليل أتيتك، فقم فاتبعني، فإذا رابني أمر قمت كأني أريق الماء، أو قمت كأني أصلح نعلي. يعني هيعمل حركة معينة كده تقول له ايه؟ إن في تتبع في مراقبة، في مخبر. تمام، ففعل فتبعه أبو ذر رضي الله عنه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم. طيب دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وكما ذكرنا ما إن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فيه نوع من الاستعداد العقلي والاستعداد النفسي والقلبي إلا ويسلم.

وعن سيدنا أبو ذر أنت متخيل واحد جاء من قبيلة غفار في مشارف الشام ووجد طلبته وجد وجد حلمه، أنا أبو ذر رضي الله عنه ما هو إلا أن أسلم حتى عزم على أن يعلن إسلامه في جوف الكعبة، يعني رايح قدام ايه؟ قصر الرئاسة أو مقر آآ الأمن الوطني. يعني المهم رايح عند مبنى الإذاعة والتليفزيون. المهم أكثر حتة ينفع ايه؟ نغيظ فيها المشركين أو نحقق فيها الغرض الإعلامي. وذهب أبو ذر رضي الله عنه وشهد أمام قريش أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. طبعا كما هو معتاد وكما هو متوقع، أمسك به القوم فضربوه حتى أوقعوه وأوجعوه، لم ينقذه منهم إلا العباس ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان كافرا في ذلك الوقت. وكيف خاطبهم العباس؟ خاطبهم بمصالحهم.

استنوا استنوا أنتم بتعملوا ايه؟ ده رجل من غفار تجارتكم تمر بهم، يعني ايه زي المصطلحين المعاصر ده واحد من اللي ماسكين باب المندب يا شيخ، اللي هو ايه مش مش هيعدي مش هيعدي سفن ولا حاجة. فقال هذا رجل من غفار تمر بكم، تمر بهم تجارة؟ قالوا ألا ترى أنه قد صبأ؟ قال نختار لنفسه، بس احنا دلوقتي هندخل في مشكلة دولية والتجارة هتبقى فيها مشاكل، فكفوا عنه وعاد أبو ذر إلى قبيلة غفار، عاد مسلما. طبعا سيدنا أبو ذر من قرأ في سيرته وجد رجلا في غاية النشاط، غاية النشاط، غاية الحماسة، حتى يروى أنه أسلم على يده نصف قبيلة غفار قبل أن يروا لا نبيا ولا أن يسمعوا قرآنا. شف جلسة واحدة مع النبي امتلأ بها رضي الله عنه، فعاد داعية أسلم على يديه نصف القبيلة، داعية هائل يعني رهيب، لو متصور، لكن جلسة واحدة، رجل واحد، نصف القبيلة، حتى عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة. وبعد الهجرة إلى المدينة أسلم النصف الآخر من قبيلة غفار.

طيب الرجل الداعية ده يجب أن نذكر شيئا، هذا الرجل الداعية الممتلئ حماسة النبي صلى الله عليه وسلم لم يوله أي عمل إداري أو سياسي. وحتى أبو ذر طلب قال يا يا رسول الله ألا تستعملني، تستعملني يعني تجعلني عاملا، يعني تجعلني واليا، تجعلني ضمن جهازك الإداري. ماذا قال النبي؟ قال: "يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة". وفي حديث آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر إني أوصيك لا تولين على اثنين، ولو في اثنين ما تبقاش أنت ايه؟ رئيسهم. لا تولين على اثنين ولا تقومن على مال يتيم"، وكمان ما تبقاش مدير مالي. هذا من حسن توظيف المواهب، مش كل داعية متحمس، مش كل واحد يعرف يقول كلمتين، مش كل واحد جلس هذا المجلس يستطيع أن يفعل بقية الأمور التي تتمناها أو التي تتصورها. يعني سيدنا بلال بن رباح وسنأتي إليه إن شاء الله. سيدنا بلال بن رباح، شف أسطورة التحمل أسطورة تحمل العذاب. سيدنا بلال بن رباح، النبي لم يوله شيئا. طيب سنجد بعد ذلك أناسا كان لهم تاريخ في الكفر وعداوة الإسلام بمجرد أن أسلموا بعد شهور ولا هم قيادة جيوش، والجيوش فيها السابقين الأولين من المسلمين. سيدنا أبو ذر كان متميزا بهذه الحماسة هذه القوة هزه الحرارة، ونستطيع أن نقول بس بالمعنى الإيجابي هذا الاندفاع، هذه همة، هذا الكلام يا جماعة الخير ينفع في الدعوة، لكن ما ينفعش في إدارة شأن الناس.

إدارة شأن الناس تحتاج شخصية ذات الأعصاب الهادئة، وذات الذكاء والروية، والشخصية التي تستطيع أن تختبر النفوس وأن تدخل إليها من مداخلها. يعني ليس كل من قدم في الإسلام قدم صدق صلح لأن يتولى كل شأن أو كل أمر. أمور يجب أن نتأملها نتعلمها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، تمام. وكذلك ممن أسلم من خارج مكة سيدنا الحصين والد عمران. وهذا رجل كان حكيما في قومه وكان كبيرا في قومه، وأسلم ولده قبله. ولقد كانت من حكمته ومن مكانته في قومه أن رجت قريش أنه إذا كلم محمدا أن يعود محمدا عن دينه. فواضح أنه كان ايه؟ شخصية مهيبة وقوة ناضجة حكيمة. فدخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلم النبي، فدخل إليه النبي مدخلا آخر. قال يا حصين كم إلها تعبد؟ قال سبعا، ستة في الأرض وواحد في السماء. قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن جاءت الضائقة فمن تدعو؟ قال الذي في السماء. شوفوا أصله هو عند الأزمة، عند الضائقة تختفي تختفي كل يعني كل الزخارف وكل التفاهات. (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء: 67). الواحد لما يقع في أزمة تتبخر النظريات العلمية وتتبخر الحسابات السياسية.

أنا حتى وجدت سبحان الله لذلك يقولون لا ملحدون في الخنادق، عند عند المعركة والضرب والموت ما فيش حد ملحد، لا ملحدون في الخنادق. أنا وجدت بعض من لم يكن يؤمنوا بدين، يعني في بعض المذكرات لا داعي الآن للتفصيل، كان يعني كتب وقلت في هذه اللحظة إذا كان هناك إله فاتمنى أن تنقذني، وهو عاش حياته لا يكترث للإله أصلا. (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)، وقال تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (فصلت: 48). فالنبي صلى الله عليه وسلم قال إن جاءت الضائقة من تدعو؟ قال الذي في السماء. قال فإن هلك المال؟ قال الذي في السماء، فإن هلك الولد؟ قال الذي في السماء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم تدعوه وحده وتشرك معه ستة؟ وكأنه هذا الرجل الناضج العاقل الحكيم لأول مرة ينتبه إلى هذا المعنى، فأسلم في جلسته مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في المجلس ولده سيدنا عمران ابن الحصين، فلما رأى أباه أسلم قام إليه فقبل يديه وقدميه وثوبه.

وبكى النبي صلى الله عليه وسلم. قال بكى قال: لداخلتني الرقة وجدت عمران حين دخل عليه أبوه كافرا لم ينهض له ولم يلتفت إليه، فلما أسلم عرف حقه. هذه بعض الشخصيات التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من خارج مكة وأسلمت، وكان هذا مما أخفقت فيه الحملة الإعلامية التي شنتها قريش في ذلك الوقت. طبعا احنا قلنا أنه كل هذا حصل أيام ما كان النبي مستخفيا، وأيام كان المسلمون في الاضطهاد والعذاب.

فسيدنا عبد الله بن مسعود ده خلاص دقيقتين إنما تمام. طيب، أنا هقول لكم الحديث بتاع سيدنا عبد الله ابن مسعود ونستكمله المرة القادمة إن شاء الله. سيدنا عبد الله ابن مسعود كان يقول: "أول من جهر بإسلامه سبعة، رسول الله وأبو بكر وعمار وسمية وصهيب وبلال والمقداد. فأما رسول الله فمنعه الله بقومه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه. وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما يريدون إلا بلال. فإنه هانت عليه نفسه في سبيل الله". هذا الحديث يحتاج إلى وقفة كبيرة، ويكون هو مدخلنا إن شاء الله للكلام عن الأذى والعذاب الذي أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصاب صحابته من بعده، ويكون ذلك في المجلس القادم إن شاء الله.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.