بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلًا. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا. اللهم اجعل عملنا كله خالصًا لوجهك الكريم ولا تجعل لأحد سواك فيه شيئًا يا رب العالمين.
مرحبًا بكم أيها الأحباب في هذا المجلس الجديد من مجالس السيرة النبوية، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحشرنا مع نبينا وأن يسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا.
آه، كنا توقفنا في المجلس الماضي وما زلنا عند ما أسميناه أخطر لحظة في السيرة النبوية، وذكرنا في ذلك الوقت بأنه إذا لم نفهم كيف أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأن كلمة لا إله إلا الله وأن فكرة التوحيد كانت فكرة تساوي عند النبي وصحابته وعند المشركين أيضًا تساوي إسقاط نظام وإنشاء نظام جديد، فنحن على الحقيقة لن نفهم السيرة النبوية ولن نقدر لماذا كانت المعركة شرسة.
ولماذا حاول الكفار إيذاء النبي وصحابته؟ وكيف منعوا إنشاء دولة إسلامية؟ وكيف تآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم؟ السيرة بدون هذا الجوهر تتحول إلى حكاية طريفة، تتحول إلى حكايات يمكن أن نحكيها للأطفال قبل أن يناموا، لكن لا تتحول إلى منهج حياة.
وكنا توقفنا في المرة السابقة، طبعًا نحن في هذه السلسلة أنا أعيد وأكرر أننا نحاول أن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في مشكلاتنا المعاصرة، في حياتنا المعاصرة، وإلا فالسيرة من حيث كونها أحداث ومن حيث كونها آآ يعني آآ قصصًا، وحتى من حيث كونها مجرد معلومات فقد قام بها وشرحها كثير من أهل العلم الذين هم أفضل وأعلم ويعني وأحفظ مني. والنبي والله تبارك وتعالى قال لنا: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (الأحزاب: 21).
فلو أن السيرة هي مجرد مرحلة زمنية مرت وانتهت ولا تتكرر مرة أخرى ولن يحتاج المسلمون إلى معرفتها ما كان للنبي أن يكون قدوة، صحيح؟ يعني لو أننا لا نحتاج في حياتنا إلى التأسي بسيرة النبي، لو أن السيرة مرحلة وانتهت لم يكن موضع للتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فمن أجل هذا التقريب كانت هذه السلسلة.
نحن توقفنا في المرة الماضية عند محاولة تقريب الصورة التي كانت في قريش في ذلك الوقت من واقعنا المعاصر. ويعني ذكرت في ذلك الوقت وتوقفت أنه لو أن المتحدث باسم الحكومة القرشية كان ينطق بألفاظنا الآن ماذا كان سيقول؟ كيف كان سيصف دعوة الإسلام؟ كيف كان سيصف رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؟
ها كان هيقول إيه؟ كان سيقول والله نحن، آآ، مجتمع مكة مجتمع متعدد الحريات والأديان، لكل قوم صنم ولكل قبيلة صنم ولكل بيت صنم، واللي مش عايز يعبد الأصنام نحن لا نجبره على عبادة أي أصنام. ومن أراد أن يشرب الخمر آآ شرب، ومن لم يرد أن يشرب نحن لا نتدخل في الأمور الشخصية. الدين ده علاقة بين الإيه؟ بين المواطن القرشي وبين ربه، تمام؟ وآآ.
هذه الدعوة التي خرج بها محمد هي محاولة قلب نظام الحكم وضرب استقرار المجتمع وتكدير السلم الأهلي. هم قالوها بألفاظهم. قالوا جاء بقول هو السحر يفرق به بين الرجل وزوجه والرجل وولده والرجل وأبيه، تمام؟ فهذه العبارة إذا ترجمناها لمصطلحنا المعاصر تبقى إيه؟ ضرب السلم الاجتماعي وتكدير الوضع العام، وهذه محاولة الانقلاب على نظام الحكم وتأسيس حكومة هاشمية، حكومة من بني عبد المطلب بدلًا من حكومة الوفاق الوطني التي تحكم قريش الآن.
إحنا ذكرنا أن قريش كانت تحكمها مجموعة من آآ يعني رؤوس القوم كانوا يجتمعون في دار الندوة وكانوا يتخذون قراراتهم. ومحمد لن يترك الحريات الدينية كما كانت، وإنما هو يريد أو يدعو الناس إلى عبادة إله واحد لا شريك له، "أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ" (ص: 5). "مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ" (ص: 7) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (ص: 6).
طبعًا لو حاولنا ترجمتها للغة المعاصرة فهذه مؤامرة خارجية، "إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ"، وقد نسجوا بالفعل بعض هذه المؤامرات، "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ" (النحل: 103)، بقى كمان متصل بجهة خارجية يتلقى منها هذه التعاليم وآآ.
والحالة القرشية حقيقة ما أشبهها بالحالة الموجودة في واقعنا، وذكرنا أنهم بعضهم قد اعترف بأن هذا هو الهدى، ولكن يعني هذا الهدى مكلف ويضرب النظام الاقتصادي. وقالوا "إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا" (القصص: 57). إحنا عندنا يعني تجارة تتعلق بالأصنام وعندنا صناعة تتعلق بالأصنام، فالعصب الاقتصادي الذي تقوم عليه الحياة في وطننا مكة هذه الدعوة ستؤثر عليه سلبًا، مُسلمًا يُقال الآن ماذا ستفعل في السياحة؟ وماذا ستفعل في الخمر؟ وماذا ستفعل فيه آآ تجبر الناس على الحجاب ونحو هذه الأمور.
طيب بالتالي الأمر الذي لا بد من التركيز عليه أنه قريش الكفار لم يكونوا معترضين أو لم يكونوا يحاربون الاعتراف بوجود الله، هم ليس لديهم أزمة في هذا، بل هم أنفسهم يعترفون بوجود الله كما ذكر القرآن الكريم، "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ" (لقمان: 25) والله تبارك وتعالى قال "فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ" (الأنعام: 33). يعني النبي عندهم في شخصه ليس بمكذب، لكن أين المشكلة؟ المشكلة أنه جاء بقول يضرهم، "وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" (الأنعام: 33).
فحقيقة المشكلة عند قريش لم تكن مجرد الإيمان بوجود الله أو أن الله خلق السماوات والأرض، حقيقة المشكلة هي أنهم لا يريدون الإيمان باليوم الآخر، لأنه الإيمان باليوم الآخر يساوي الإيمان بأن الله صارت له سيادة، شرع، نظام، تكاليف، أوامر، نواهي، وأنه سيحاسب عليها في هذا اليوم الآخر.
هذا الوضع هو المساس بالنظام وهذا هو الخلاف بين الإسلام وبين غيره من الأديان والمذاهب. طيب، يعني لو أننا حاولنا تقريب المعنى فنقول أن قريش كانت مجتمع علماني بل كانت مجتمع ليبرالي من العلمانيين يعني ما كانوش حتى شيوعيين ومركسيين، لأ ده كانوا مجتمع ليبرالي، أنت هتعمل اللي أنت عايزه لكن بالنهاية طالما أنت ملتزم بالقانون ملتزم بالنظام فما فيش مشكلة.
قريش تتسع لكل الأديان والطوائف والمذاهب والأعراق والملل والنحل، وهي فعلًا كان فيها كل هذا، حتى كان من أصنامهم داخل الكعبة أصنام لإبراهيم وإسماعيل وبعضهم ذكر وكان لديهم أصنام لعيسى ومريم، فهم الجماعة على مستوى الطقوس على مستوى الشعائر على مستوى أنه يبني مسجد قدامه كنيسة قدامه كنيس ما عندهمش مشاكل.
أين المشكلة؟ هي مشكلة انفراد الله بالتدبير بالأمر بالنهي بالتكليف بالعقوبة وأن يكون الله تبارك وتعالى هو مصدر الحق والخطأ. يعني يا جماعة الخير العلمانية في حقيقتها، العلمانية في حقيقتها ليست إنكارًا لوجود الإله. العلمانية في حقيقتها إنكار لهيمنة الإله، لسيادة الإله، إنكار للشريعة.
حتى الإلحاد، حتى الإلحاد يعني الذين يتكلمون بالنزعة العلموية ويتكلمون عن أن العلم هو الأمور التي نستطيع قياسها بالمادة أو ما دلت عليها التجارب. الملحد هذا لو أنه يفهم الإلحاد، الإلحاد لا يستطيع أن يقول ليس هناك إله، غاية ما يقوله الإلحاد أننا لا نستطيع إثبات الإله، الفارق واضح؟ فكرة الإلحاد، الفكرة العلموية، النزعة العلموية لا تستطيع أن تنفي وجود إله هي تقول نحن لم نتوصل بعد لإثبات وجود الإله وبالتالي فعليكم أنتم المؤمنون أن تثبتوه لنا، تمام؟ يعني الإلحاد في حقيقته ليس نفيًا للإله.
الإلحاد في حقيقته هو تحلل من الشريعة من التكاليف من الأوامر من النواهي لأنه هذا هو الأثر المباشر، هذا هو الأثر العملي للإلحاد، تمام؟ فلذلك طبعًا، آآ، وطبعًا هذا الكلام مردود عليه لكن ليس، ليس هذا هو المجلس الذي نرد عليه فيه، وإلا مثلًا، فالروح الروح داخل الإنسان لا يوجد لها إثبات مادي حتى الآن، فهل يستطاع إنكارها؟ يعني هي الروح دي لا احنا عارفين نشمها ولا نلمسها ولا نضبطها ولا نعرف لونها ولا نعرف حجمها.
لا نعرف شيئًا، الإنسان قبل أن يموت كالإنسان بعد أن يموت في كل شيء، لكن بما لها من آثار وبما صدر عنها من آثار نعرف أن الروح موجودة حقيقة كونية. طيب. لذلك أنا كنت ذكرت أمرًا فيه المرة الماضية ويعني عبرنا عليه بسرعة وهو أن هذا المعنى الذي قد لا يفهمه كثير من المسلمين الآن اللي هو حقيقة الإسلام وحقيقة اعتراض قريش عليه. هذا المعنى كان واضحًا بل كان منصوصًا عليه في القرآن المكي.
القرآن الذي نزل في مكة كان منصوصًا على أن الإسلام هو جماعة، نظام، دولة، شريعة. والله تبارك وتعالى يعني حين خاطب المشركين خاطبهم بهذا المعنى بأن الله الذي خلق لم يترك هذا العالم ولم ينصرف عنه. ذكرته المرة الماضية أنه في تصور عند أرسطو أن الإله إيه؟ خلق الكون كصانعي الساعة، صانع الساعة صنع الساعة وأودع فيها قوانينها يعني رتبها على نظام هندسي ثم تركها فهي تعمل بغير وجوده. فهذا كان تصور أرسطو وحجته في ذلك أن الله أعظم من أن يفكر في شيء أدنى منه، تمام؟ ضلالات ضلالات العقول.
الله تبارك وتعالى خاطب المشركين بأنه خلق وأنه يدبر الأمر وأنه يرزق الناس وأنه يعلم أحوالهم ولهذا شرع لهم شرائعهم. فمن من القرآن المكي سورة الشورى، سورة الشورى من القرآن المكي. طب أنت دلوقتي لما تسمع الشورى، كلمة الشورى دي لما تسمعها تتخيل أنها نزلت على قوم مضطهدين في مكة أم نزلت على قوم لهم دولة ونظام؟ لهم دولة ونظام لكن هم كانوا في ذلك الوقت مضطهدين في مكة. فاسمع قول الله تعالى يعني نحن لو عبرنا عبورًا سريعًا على سورة الشورى.
بدايتها: "كَذَٰلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ" (الشورى: 1-6). الولي يا جماعة الخير في هذا الموطن هو الولي هو المعبود.
والذين اتخذوا من دونه أولياء، إذا فتحت كتب التفسير تجد الولي يعني المعبود. والعبادة هي منتهى الحب فلذلك يقال الولي على المحبوب، تمام؟ الولاية هي الحب والنصرة، تمام؟ هذا معنى الولاية وأعلى مراتب الولاية هو العبادة، تمام؟ "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ، وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" (الشورى: 6-7). الله الذي خلق والله الذي أوحى والله الذي كلف والله الذي يحاسب. وإذا مضيت مع الآيات تمر على قوله تعالى "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا" (الشورى: 10-11).
الآية التي تليها: "لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ" (الشورى: 12-13). يعني عظم عليهم ما تدعوهم إليه. الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب، والآيات التي تليها فيها: "فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ" وانتبهوا معي هنا "وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ" (الشورى: 15).
يبقى هذا الرجل المضطهد في الجماعة المضطهدة حين كان يقول قولوا لا إله إلا الله كان يضمن في لا إله إلا الله أنه الحكم وأنه المرجعية "وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ"، الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير، وتستمر الآيات لكي تصف مجتمعًا مسلمًا غير موجود، آيات سورة الشورى المكية تصف مجتمعًا إسلاميًا غير موجود. قال تعالى: "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ" (الشورى: 38-39).
الآن المسلمين في مكة ممنوعين أصلًا من الرد على المشركين؟ "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ" (النساء: 77). المسلمين في مكة ممنوعين من الرد على المشركين. بشرهم الله بأن لهم مجتمعًا إذا أصابهم فيه البغي يردونه: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (الشورى: 39-43).
"أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ" (الشورى: 21). الشريعة مرة أخرى. "وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ" (الشورى: 21). وهكذا تمضي الآيات والله تبارك وتعالى حتى وهو يتكلم يعني يصف يعرف الكفار بأن الله قائم عليهم مدبر لأمورهم مهيمن على عالمهم ليس، ليس منفصلًا عنهم. يعني لم يترك هذا العالم وذلك في قوله تعالى آه "وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ، وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ" (الشورى: 27-28) حتى المشاكل، حتى المصائب قال فيها تعالى "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ، وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" (الشورى: 30-31).
وهكذا حتى آخر الآيات، حتى آخر السورة، آخر السورة يخبر الله الناس بأنه يهيمن على تفاصيل حياتهم. قال تعالى: "لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" (الشورى: 49-50). آخر آية: "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ" (الشورى: 52). وهذا ختام يشبه البداية. البداية كانت وكذلك أوحينا إليك قرآنًا عربيًا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذرها يوم الجمع لا ريب فيه.
الآية في الآخر: "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ" (الشورى: 52) ليس كلامك يا محمد وإنما هو وحي أنزلناه إليك "مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ" (الشورى: 52-53). هذا القرآن المكي، القرآن المكي الذي يحكي عن الشريعة "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ"، "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا" (الشورى: 13)، "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ" (الشورى: 21)، "وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ" (الشورى: 38) واضح؟
فلذلك جماعة قريش كانوا يواجهون بهذا العنف تهديدًا حقيقيًا لنظامهم السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي. نظام ينزع منهم ينزع منهم السيادة، ينزع منهم حق التشريع، ينزع منهم حق التصرف في الناس، حق التصرف في أموالهم. فلهذا حدث كل هذا العنف الذي سنراه بعد قليل. طيب. أرجو أن يعني تقرأوا السور المكية بهذا بهذا النفس بهذه الروح. حقيقة يا جماعة الخير من لم يكن مستحضرًا لهذه المعاني قد لا يفهم لماذا كانت المعركة شرسة إلى هذا الحد، سواء في مكة أو حتى في عالمنا المعاصر.
تمام؟ يعني لو صدق أهل العلمانية في دعواهم، لو صدقوا في دعواهم فما مشكلتهم مع المسلمين؟ آآ دين من الأديان يعني تمام؟ ولكن كما قلنا أنه هم يفهمون حقًا أن الإسلام نظام ليس مجرد دين. ومما يعني مما أحد المستشرقين الإنجليزي المشهورين اسمه هاملتون جيب. هذا كان رجل من عظماء المستشرقين في من حوالي مية سنة. له كتاب مهم اسمه "وجهة العالم الإسلامي" أو "وجهة الإسلام" ترجم أكثر من مرة في بداياته يقول الإسلام ليس مجرد دين الإسلام نظام.
ولذلك طبعًا هو يخاطب الغربيين هو لم يكتب كتابه لنا، ولذلك حين نقول الإسلام فلا نضع مقابله المسيحية بل نضع مقابله الغرب. ولا نضع مقابله الكونفوشيوسية بل نضع مقابله الصين. الإسلام نظام. وكنت ذكرت في المرة الماضية بعض الكلام الذي تكلموه عن اختلاط العقيدة بالشريعة.
طيب حقيقة يبقى هذا هو إيه؟ رد قريش. هناك فئة مجهولة كده ومغمورة يجب أن نتوقف عندها وهي فئة الحنفاء أو المتحنفين. ذكرنا لما تكلمنا عن شأن الجاهلية أن قريشًا والعرب كان فيهم بعض الناس الذين كرهوا عبادة الأصنام وكان فيهم من تلقى العلم من أهل الكتاب من اليهود ومن النصارى وفيهم من تنصر وفيهم من تعلم اللغة العبرانية لكي يقرأ هذه الكتب المقدسة. يعني لم يقتنع أن الأصنام دي ينفع تبقى معبودات.
فمنهم من لم يدركه الإسلام مثل زيد بن عمرو بن نفيل وهذا ابنه سيدنا سعيد بن زيد من العشرة المبشرين بالجنة، وسيدنا سعيد هذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه. طبعًا النبي عاصر أباه لكن كان قبل أن يبعث فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا رجل يبعث وحده" لأنه كان يجلس على الحجر يجلس إلى ظهر الكعبة ويقول يا معشر قريش والله ما منكم أحد يعبد الله حق عبادته غيري. ووالله يا رب لو أعرف كيف تحب أن تعبد لعبدتك.
فهذا صفاء ما عنده من الفطرة وذكاء ما عنده من العقل أوصله إلى الحق بقيت عنده الكيفية فقط. ومن هؤلاء ورقة ابن نوفل. وذكرنا قصته وأنه كان مما أورده عنه أهل السيرة أنه كان يتلمس في محمد أنه النبي المنتظر وكان حتى ينشد شعرًا منه "لججت وكنت في الذكرى لجوجًا لهم طالما بعث النشيج بعث الدموع يعني والبكاء"، ووصف من خديجة بعد وصف: لقد طال انتظاري يا خديجة ببطن المكتين على رجائي حديثك أن يكون له خروجًا، وفي أبيات يتكلم فيها عن سيدنا محمد.
ومن هؤلاء رجل أجلناه في في تلك الحلقة فهذا موعده وهو أمية بن أبي الصلت. وهذه قصة عجيبة غريبة مفيدة مسيلة للدموع ومليئة بالفوائد. أمية بن أبي الصلت هذا رجل من ثقيف. وذكرنا أن ثقيفهم أهل الطائف كما أن قريشًا هم أهل مكة. فثقيفهم أهل الطائف، أهل مكة وأهل الطائف الجماعة المهتمين بالأدب وبتاريخ الأدب يعرفون أنه أهل مكة وأهل الطائف كان الشعر فيهم قليلًا. قلة. لماذا؟ لأنه هذه بيئات مستقرة. عادة تكثر الأشعار في البيئات المضطربة لأنها تكثر مع الحروب.
القبيلة المنتصرة تخلد حروبها وكذلك ما قبل الحروب بيبقى فيه نوع من الهجاء والردود يعني البيئات التي فيها حروب كثيرة بقت فيها إيه؟ حالة ثقافية حالة ثقافية واسعة، تمام؟ البيئات المستقرة يقل فيها الشعر. من البيئات التي قل فيها الشعر مكة والطائف. ولذلك حين يقل الشعر فلما يظهر شاعر مكين فحل بيبقى إيه؟ بيبقى أكثر بروزًا وظهورًا وتألقًا. فأمية ابن أبي الصلت هذا كان شاعرًا وكان أبوه شاعرًا أيضًا. وكان في شعره كثير من أخبار الأنبياء ومن أخبار الجنة والنار هذا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم حتى نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "أسلم شعر أمية بن أبي الصلت" الحديث الضعيف، لكن يعني اللي ألف الحديث استند على حقيقة وهي أن شعره إيه؟ شعره فيه معاني النبوة والإيمان والبعث واليوم الآخر وهكذا.
طيب هذا الرجل أمية بن أبي الصلت، هذا كان رجلًا تاجرًا فكان يمضي إلى الشام. ففي الشام تعرف على أهل الكتاب ومنها هنا أخذ منهم علومه وصارت له صداقات بالأحبار والقساوسة.
طبعًا عارفين الشام موطن النصرانية، ومن هناك أخذ إيه؟ العلوم. يروي أبو سفيان والقصة مشهورة في كتب السير وأوردها بطولها الإمام البيهقي في "دلائل النبوة". أبو سفيان كان صديقًا لأمية بن أبي الصلت، فأبو سفيان هو الذي يحكي لنا هذه الحكاية. يقول: يعني كانوا في مرة رايحين إلى الشام في تجارة فقال له أمية بن أبي الصلت: يا أبا سفيان هل لك في خير؟ قال: وما ذاك؟ قال: نذهب معًا إلى هذا الرجل فإنه قد انتهى إليه علم النصرانية، ده أحسن واحد في النصرانية. قال أبو سفيان: لا حاجة لي بذلك. قال: وما يمنعك؟ قال: أخاف أن يحدثني بشيء فيفسد علي قلبي. إحنا كده إيه؟ "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ" (الزخرف: 22) مش عايز دوشة.
قال أبو سفيان: قال فألقى ثوبيه ولبس ثوبًا أسودًا وذهب إليه ثم رجع من عنده تضطجع فوالله ما نام حتى قام. إحنا كده عرفنا أن هو رجع إيه؟ وفي دماغه. ثم قال: يا أبا سفيان، آآ، لك في الارتحال؟ يعني نسبق القافلة ونمشي. قال له: يلا بنا ماشيين. قال له: ألك في أن نتقدم؟ يعني خلينا ننفرد عن، ننفرد بنفسنا. قال: ماشي يلا بنا. قال: يا أبا سفيان حدثني من أغنى رجل في قريش؟ قال: عتبة بن ربيعة. طبعًا أبو سفيان أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس. عتبة بن ربيعة، هذا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. تمام؟ وفي نفس اللحظة عتبة بن ربيعة ده يبقى حماه لأنه والد هند زوجة زوجة أبي سفيان.
قال: عتبة بن ربيعة. قال: حدثني عن من أشرف رجل في قريش؟ قال: عتبة. قال: حدثني عن ماله؟ قال: هو أغنى رجل في قريش. قال: حدثني عن عمره؟ ولقد جاوز المئة مش، مش مهم يبقى دلوقتي المئة دقيق يعني، لكن المهم أن هو إيه؟ طعن في السن. فقال أمية، ركز هنا بقى، قال: أزرى به ماله وأجله. يعني إيه أزرى به ماله وأجله؟ يعني ضاعت منه الأموال الكتير والعمر الطويل ده مش هو. طبعًا أبو سفيان قال: لا والله بل زاده ماله وعمره شرفًا. ده واحد لما يبقى شريف وكمان معاه أموال وكمان حكيم ناضج في يعني، قال: لا والله بل زاده غنى. قال: يا أبا سفيان أترى هذا الذي حدثتك أنه قد انتهى إليه علم النصرانية، فلقد أخبرني أن النبي المنتظر يكون منكم وليس منا منكم أهل مكة وليس منا أهل الطائف.
قال: ولكن يعني ولكنه ليس عتبة بن ربيعة، فإن الذي يرسل إليه يكون فقيرًا وفي أول العمر يعني في الكهولة مش هيبقى كده زي عتبة بن ربيعة. قال: ومتى ذلك؟ قال: قد حدثني بأنه بين عيسى وبين هذا النبي ثمانون رجفة. في رواية أخرى خمس رجفات، يعني زلزال. إما ثمانين وإما خمسة مش مهم العدد دلوقتي. قال: فيخرج في الخامسة، فرواية تقول أنه هذه الزلزلة الخامسة كانت وهم بالشام، ولما رآه هذا القس سأل أمية بن أبي الصلت، أو قد أوحي إليك؟ قال: لا. قال: فلست به. ورواية أخرى تقول: فقد حدثني أنه ما بقي إلا رجفة يصيب بها، يصيب منها أهل، أهل الشام شر. قال: فما هو إلا أن ارتحلنا حتى لحق بنا راكب فقلنا له: هل من خبر في الشام؟ قال: أصابتهم رجفة وأصابهم منها شر.
أمية بن أبي الصلت كان يترقب نبيًا يبعث، فكان يتعبد ويتحنس ويتهيأ أن يكون هو هذا النبي. وأنت إذا تأملت في حالة أمية بن أبي الصلت تجده قريبًا من العرب. ومكة قريبة من الطائف ليست بعيدة ومن أهل بيت يحج إليه العرب فيمكن أن تؤخذ هكذا أو أن يقال لأنه أيضًا آآ الطائف كان عندها صنم كبير فكان الناس بعض الناس يذهبون إليه.
طيب، طبعًا أبو سفيان يعني آآ كويس لا كالمكذب ولا كالمصدق، لكن ما أن دخل مكة طبعًا أبو سفيان كان معه تجارة وكان لسيدنا محمد فيها مال، قال: فطفقت يأتيني كل رجل عنده، عندي له مال إلا ويسألني عن ماله حتى جاء محمد، فوالله ما سألني عن ماله ولكنه يعني إيه؟ جاء يطمئن ويسألني عن أحوال السفر ومضى. فتعجبت حتى قلت لهند: أرأيت هذا الرجل؟ ما من رجل إلا وسألني عن ماله إلا هو. قالت: أو لا تدري شأنه؟ قال: وما شأنه؟ قالت: يزعم أنه نبي. هذه كانت أول صدمة أبي سفيان بوجود النبي.
ماذا فعل أمية بن أبي الصلت؟ كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال لا يربني أحد من أهل مكة، وظل حيا حتى آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم مات قبل النبي بثلاثة أعوام، بعامين، مات قبل النبي بعامين مات في السنة التاسعة للهجرة قبل أن تسلم ثقيف، قبل أن تفتح الطائف. لذلك أنا كنت ذكرت لكم شطر الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: "أسلم شعر أمية وكفر قلبه" وكان من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم وله شعر مشهور في رثاء قتلى بدر، ومات مات كافرًا.
وهذه يا جماعة الخير أمراض النفوس. العلم يا جماعة الخير مجرد أداة، العلم العلم مجرد أداة كما تستعملها في الحق استعملها في الباطل. والعالم قد يكون عالمًا ربانيًا وقد يكون عالم سوء، وتظل أمراض النفوس هي التي تحرك الإنسان، يعني تظل، يظل القلب هو الذي يحرك الإنسان. كم رأى الإنسان في حياته من كان يعرف الإسلام ولم يسلم وكان يعرفه ويستطيع أن يجادل عنه ويستطيع أن يشرحه خيرًا من كثير من المسلمين ولكن لم يسلم. فأمية بن أبي الصلت هذا نموذج من نماذج الذين يتبعون الحق ما كان الحق في صالحهم.
تعرفون قول الله تعالى "وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ" (النور: 49). في ناس كده إيه؟ إذا عرفوا أن الحق معهم رفعوا شعار الحق. ولذلك قال تعالى "أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ" (النور: 50). شوفوا مهما، مهما الإنسان امتلك من علم، مهما امتلك من علم، إذا العلم هذا لم يزكي قلبه فهو إلى النار. ولو أن، أأنتم تحفظون حديث النبي صلى الله عليه وسلم "أول من تسعر بهم النار" مين؟ ثلاثة: مجاهد ومنفق وعالم. يعني آه، نسأل الله تبارك وتعالى أن يعني ينجينا وإياكم من أمراض النفوس.
وطبعًا يعني نحن حتى في حياتنا وجدنا كثيرًا. شوفوا أنا أقول لكم على حاجة، صلوا على النبي. خليني أقول لكم مثال قديم الأول تحفظونه جميعًا. قوم طالوت يا جماعة الخير، قوم طالوت، الجماعة من بني إسرائيل غلبوا واضطهدوا وطردوا من الأرض المقدسة وسلبت منهم مقدساتهم. التابوت الذي كانت فيه آثار موسى وهارون. يبقى جماعة غلبوا وطردوا وسلبت منهم مقدساتهم تمام؟ هؤلاء ذهبوا لنبي لهم قالوا: ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله، صح؟ قال لهم نبيهم: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا" (البقرة: 247). قالوا إيه؟ "أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ" (البقرة: 247).
تأمل الأمة المغلوبة المضطهدة المذبوحة التي انتهكت مقدساتها، كان فيها القائد فيها القائد الذي يصلح للقيادة، لكنهم لم ينتبهوا له. معاييرهم فاسدة في مسألة تولية الأكفاء فغلبوا، غلبوا واضطهدوا. طيب لما جاءهم، لما جاءهم الأمر الرباني والتزكية الربانية لهذا القائد انتبه بعض النفوس فضلت ما هي فيه من الذلة والغلبة والاضطهاد وسلب المقدسات على أن تخضع لهذا القائد.
طب هل هذا بعيد عننا يا جماعة الخير؟ أنا أحدثكم من مصر وفيها تجربة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل فك الله أسره وهذا رجل جعله الله حجة على على الإسلاميين. ما، ما من اتجاه إسلامي إلا وكان الشيخ حازم يصلح أن يمثله. ولا أطيل بهذا الآن، لكن قصدت القول أن أمراض النفوس تجعل بعض الناس يفضلون أن يعيشوا في الذل والقهر والاضطهاد وسلب المقدسات على أن يخضعوا لقائد من غيرهم. وقد أكثر السلف الصالح من قولهم في هذا وحتى قالوا آخر ما يخرج من قلوب الصالحين حب الرئاسة.
وكل واحد فينا سيختبر. يعني كل واحد فينا يرفع شعار أنه مصلح وأنه ملتزم بالحق وأن رقبته تحت يعني لواء الشريعة وتحت حكم الشريعة. كل واحد فينا إن لم يكن قد اختبر فسيختبر. هل هو من الذين يعني يمضون في هذا الركاب لأن له فيه مصالح ولأنه يحقق له منافع أم أنه يمضي في هذه، في هذا الموكب وفي هذه، في هذا الركب لأنه بالفعل يتبع الحق. ولذلك قال ربنا تبارك وتعالى: "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ" (المؤمنون: 71). الأهواء لا نهاية لها يا جماعة الخير، الأهواء لا نهاية لها. فهذا أمية بن أبي الصلت نموذج على رجل عرف الحق وغلبته نفسه.
وكنا ذكرنا في حلقات ماضية أو في المجالس الماضية شيئًا من هذه الأمور. طيب، الآن نذهب إلى كيف بدأت قريش في مواجهة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم. أولًا، آه، أي مجتمع أي مجتمع تحدث فيه مشكلات هذه المشكلات تكون أول وسيلة اختبار للنظام السائد. هل هو قادر على حل المشكلات وامتصاصها ولا غير قادر؟ يعني مثلًا القانون الموجود قادر على كبت وكتم وحبس وطرد وقتل المشاغبين الخارجين عن النظام ولا القانون ده فيه ثغرات؟ تمام؟ فلذلك يلجأ المجتمع إلى سد هذه الثغرات القانونية كلما ظهر من يمكن أن يستغلها ويستثمرها. طيب كانت إيه المشكلة الموجودة؟ المشكلة الكبرى الموجودة في مكة أن محمدًا صلى الله عليه وسلم من بني هاشم.
بني هاشم دول مش إيه؟ مش جماعة آآ صغيرة ومش ناس آآ يعني هينين، والمجتمع تسوده حالة من التوازن القبلي. ومسألة أنه يحدث هجوم من بني هاشم هجوم من قريش على بني هاشم مسألة قد تستتبعها تكاليف أو بالمصطلح المعاصر حرب أهلية. لأن بني هاشم دول كمان يعني لما نطلع شوية هنلاقيهم اجتمعوا مع بني عبد مناف. إحنا ذكرنا النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي. تمام؟ طيب.
القبيلة التي ستفكر في مهاجمة محمد صلى الله عليه وسلم هي لها نسب إما إما هي من أبناء قصي كأن تكون من أبناء عبد الدار أو آآ بني أمية أو عبد شمس، أو أن تكون خارج قصي، صح؟ فكل، كل قبيلة لها حساباتها، يعني لو كان الذي سيهاجم من خارج عبد مناف سيرى بنو عبد مناف أنه يهاجم بني عبد مناف مش بني هاشم. طب لو كان الذي سيهاجم خارج قصي اللي هو مؤسس الحكم القرشي فده كأنه خروج على إيه؟ على مجموعة قصي كلها.
شوف عشر أو سبع سنوات بقى من الدعوة، من انتهاء الدعوة السرية وبدء الدعوة الجهرية إلى فك الحصار. سبع سنوات وهذه معضلة قريش مع محمد صلى الله عليه وسلم أنها لا تريد أن تشتعل حرب أهلية في مكة. لأنه اشتعال حرب أهلية في مكة سيؤدي إلى ما يحاولونهم أن ينفروا منه أصلًا، أن يتجنبوه. يعني هم ليه مش عايزين الإسلام؟ ما هم عندهم مش عايزين أولًا يخسروا مكانهم بين العرب، مش عايزين تجارتهم تتعطل، مش عايزين اقتصادهم يتوقف، مش عايزين مكانتهم بين العرب تنهار، الذي رفضوا لأجله دعوة النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يجعلهم يحاولون تجنب هذه الحرب الأهلية مع بني هاشم وبني عبد مناف.
فلذلك بدأت قريش بمحاولة مواجهة هذه الدعوة بمصطلحنا المعاصر بالطرق القانونية المشروعة، يعني ضمن حدود الدستور والقانون. تمام؟ فلذلك مثلًا أول ما تجد من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم هو أنه إذا مر بهم نظروا إليه شزرًا، يعني آآ بدل ما هو بدل ما النبي كان مرحبًا به "رضينا بالأمين رضينا بالأمين وهذا محمد" صار كما قال ربنا تبارك وتعالى: "وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ" (القلم: 51). وبتبدأ بقى يعني إيه؟ بدأت حملات التشويه والسخرية والاستهزاء. وأنت حين ترى القرآن الكريم وتقرأ السيرة النبوية تجد كأنه الحملة انطلقت يعني، آه، عايز أقول إيه؟ انطلقت آآ بدون خطة، ردة فعل تلقائية عنيفة.
لذلك قالوا كاهن قالوا ساحر قالوا شاعر قالوا مجنون قالوا كذاب، كده اللي هو مين فيهم آآ لسه ما استقرناش والله هنشوف يعني. المهم أنه إيه؟ المهم أن هو مش كويس، لكن يطلع إيه؟ هنشوف إن شاء الله. تمام؟ فكل واحد يعني كل إعلامي يعني ابتكره من دماغه آآ هيقول إيه. طبعًا دي هتعمل لهم مشكلة سنأتي إليها بعد قليل.
لكن أنت متصور رجل كان يلقب في قومه بالأمين، رجل كان يقول لهم: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا خلف هذا الوادي توشك أن تغير عليكم أكنتم، قالوا: نعم ما جربنا عليك كذبًا قط، وإذا به في لحظة واحدة يكون إيه؟ كاهن ساحر شاعر مجنون كذاب. وأحيانًا يحدث التناقض في نفس الإيه؟ في نفس الكلمة. يعني مثلًا كقول الله تعالى في سورة الزخرف مثلًا: "بَلْ مَتَّعْتُ هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ، وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ، وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ" (الزخرف: 29-31).
سحر ولا مشكلته في أنه نزل على محمد، شف هي إيه؟ لأنه لسه ما فيش خطة. يعني هذا القرآن لو نزل على رجل من القريتين عظيم كان هيبقى حلو والله، بس يعني إيه المشكلة أن هو ما نزلش على الرجل من القريتين عظيم، بس هو كان من شوية سحر. تمام؟ فلذلك يعني طفق المشركون يحاولون تشويه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وتشويه النبي صلى الله عليه وسلم وتشويه صحابته رضوان الله عليهم بكل طريقة.
ولذلك تقرأ الآيات كما قلت لك ترى أنها آآ يعني آآ تدفق عدد هائل من الاتهامات. فمن ذلك مثلًا قولهم: "إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ، وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ، وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ" (المطففين: 29-32). وقالوا: "أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا" (الأنعام: 53) هو ينفع دول؟ "أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا"؟ وقال الذين كفروا للذين آمنوا "لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ" (الأحقاف: 11).
الله تبارك وتعالى مثلًا في سورة الأحقاف في هذه الآية "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الأحقاف: 7-8). طبعًا اسمع هذا الرد وأنت تعرف أن الرجل يتكلم عن تاريخ سابق من الصدق. تمام؟ آآ "قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ" (الأحقاف: 9-10).
فهذه أحد الإحراجات أنه طيب يا جماعة إحنا عندنا أهل كتاب يمكن أن تسألوهم. وهم بالفعل ذهبوا واستعانوا بأهل الكتاب. وأهل الكتاب شوف بقى وبرضه تدخل هنا إيه؟ كيف أن أهل الكتاب من اليهود لما رأوا أن الرسالة قد خرجت منهم منهم ماذا فعلوا؟ هم الذين أمدوا المشركين بأسلحة يختبرون بها صدق النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا سلوه عن ثلاثة أشياء، عن رجل جاب المشرق والمغرب، وعن فتية ناموا طويلًا من الدهر، وعن الروح. فتقول الروايات، تقول رواية: فإن أجابكم هنا بقى، هنا الذكاء أو الدهاء أو الخبث أو اللؤم، فإن أجابكم عن الثلاثة فهو كذاب. وإن أجابكم عن اثنين ولم يجب عن الثالثة فهو نبي.
شايف؟ آه. فنزل قول الله تعالى في إجابتهم، انتهى عن أهل الكهف وعن آآ ذي القرنين الرجل الذي جاب المشرق والمغرب وعند الروح قال "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" (الإسراء: 85). إن شاء الله نستكمل المرة القادمة في، يعني سنرى كيف تخلصت قريش من مأزق أن خطابها الإعلامي كان خطاب مشوش وأنه كان يهدر في كل سبيل. نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علمًا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.