السيرة النبوية | 5. عرفوا النبي ﷺ قبل أن يعرف نفسه!!
طيب، بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، اللهم اجعل عملنا كله خالصاً لوجهك الكريم ولا تجعل لأحدٍ سواك فيه شيئاً يا رب العالمين.
كنا انتهينا في المرة الماضية عند مسألة الجاهلية. تكلمنا عن الجاهلية في العالم العربي ولماذا كان العرب أنسب الناس لنزول الرسالة فيهم. وذكرنا أن هذه الجاهلية كان فيها بصيص ضعيف ضئيل من النور، وهو الذي عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "إلا بقايا من أهل الكتاب". وبقايا أهل الكتاب هؤلاء ظهروا معنا في قصة سيدنا سلمان الفارسي الذي كان ينتقل من أسقف إلى قس إلى قس، وكل واحد فيهم يقول له: "ما أعلم أحداً بقي على وجه الأرض على ما نحن عليه"، حتى كان آخرهم الذي بشره فقال: "ولكن أظل زمان نبي يخرج من أرض العرب، من أرض بين حرتين ذات نخل، فإذا أدركته فالزمه". ووصف له ثلاث علامات من النبي صلى الله عليه وسلم وهي: لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية، وبين كتفيه خاتم النبوة. وهذه العلامات كانت كافية لكي يصل سيدنا سلمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وأحب النبي صلى الله عليه وسلم حين حكى له سيدنا سلمان هذا، أحب أن يحكيه للصحابة، فالذي روى لنا هذه القصة هو سيدنا عبد الله بن عباس، سمعها من سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه.
طيب، يبقى الآن هذا المجلس، المجلس الخامس في السيرة النبوية، نريد أن نقف فيه على مسألة هؤلاء الشخصيات الذين كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعرف النبي نفسه. يعني الله تبارك وتعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان". والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب قومه فقال لهم: "قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمراً من قبله".
وكلنا نتذكر ورقة بن نوفل لما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وورقة بن نوفل بمجرد ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل معه في الغار قال له: "إنه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران، ويا ليتني أكون فيها جذعاً إذ يخرجك قومك". انظر إلى العلم، النبي صلى الله عليه وسلم قال مندهشاً: "أَوَمُخرجيَّ هم؟" قال: "نعم، ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي أو أوذي". يعني ورقة بن نوفل كان يعرف سير النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعرفها النبي نفسه صلى الله عليه وسلم.
أمثال هؤلاء لم يكونوا قليلين وإنما كانوا كثيرين. الأول، لأن هذا الموضوع موضوع شائك، موضوع البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم. أنا أريد أن نقف فيه على عدة أمور واضحة. الأمر الأول، أن البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم ثابتة في القرآن والسنة. يعني كون النبي صلى الله عليه وسلم بُشِّر به الأنبياء السابقون، هذا ثابت في القرآن والسنة. ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم". أولاً، لا يُتوقع أبداً أن يأتي إنسان كاذب أو مدعٍ للنبوة ثم يزعم أنه مكتوب في كتب قد كانت موجودة قبله ويتحدى بذلك أهل هذه الكتب. يعني مجرد أن يخرج إنسان لا يُعرف عنه الكذب، ثم يذكر - وهو أصلاً لا يقرأ، هو أمي لا يقرأ - فيذكر أن نبوته مذكورة عندهم، فهذا في حد ذاته تحدٍ لا يُقدم عليه إنسان عاقل إلا أن يكون صادقاً.
هل تتصورون واحداً مثلي مثلاً يقول: أنا مذكور في الكتب التي كتبت قبل أن أُولد والتي يقرأها فلان وعلان من الذين كانوا يعني عمرهم الآن 70 أو 80 وهم يجدون ذلك عندهم؟ لا يُقدم عليها إلا صادق. وكذلك في قول الله تبارك وتعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون". وانظر أيضاً إلى لهجة التحدي في هذه الآية، أن النبي معروف عندهم كما يعرفون أبناءهم. وفي قول الله تبارك وتعالى: "قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم". هذه الآية سواء كانت الإشارة إلى القرآن أو الإشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى واحد لأنه من الذي جاء بالقرآن؟ النبي صلى الله عليه وسلم.
وورد ذلك في عدد من الآيات، طبعاً من أشهرها قول نبي الله عيسى عليه السلام: "يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد". وأيضاً انظر إلى هذا التحدي في هذه اللهجة، مذكور باسمه صلى الله عليه وسلم. طيب، هذه الأمور هي ثابتة عندنا بالقرآن والسنة.
يعني القصد الذي أريد أن أذهب إليه، أنه إذا فتحنا الآن الكتب الموجودة بين يدي اليهود والنصارى ولم نجد فيها أي إشارة للنبي صلى الله عليه وسلم، فما الموقف الصحيح؟ الموقف الصحيح أنهم هم الذين حرّفوا هذه الكتب. سنفرض أنه لا نجد أي إشارة للنبي صلى الله عليه وسلم في كتب اليهود والنصارى، فما الموقف الصحيح؟ أنهم حرفوا. لماذا؟ لأن القرآن بأكثر المناهج العلمية صرامة في التدوين والتسجيل والتوثيق نص محفوظ، بينما هم لا يستطيعون أن يوصلوا سنداً واحداً إلى هذه الكتب التي بين أيديهم، فضلاً عن أن ما بين أيديهم أصلاً من الكتب في نصوصه اختلاف كثير وفي ترجماته اختلاف أكثر.
واضح؟ لأن هذا أمر مهم، هذا أمر مهم لأنه أحد الجدالات الكبيرة السائرة الآن بين أهل مقارنة الأديان. إن اليهود والنصارى يزعمون أنه لا يوجد في كتبهم ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم. ويحاولون أن يؤولوا كل الإشارات التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أن يصرفوها إلى غيره.
نحن سنتنازل جدلاً ونقول إنه لم يوجد أصلاً أي إشارات. فالقرآن أوثق من هذه الأخبار، بل إن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أوثق من هذه الأخبار. طيب، وطبعاً ذكرنا قول الله تبارك وتعالى، أو يعني من قوله تبارك وتعالى: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا" يستفتحون يعني يهددون بالفتح، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فلعنة الله على الكافرين.
طيب، الأمر الثاني هنا، أن عملياً وواقعياً وجدنا عدداً من علماء المسلمين ممن كتبوا في دلائل النبوة وفي علامات النبوة وفي براهين النبوة يذكرون نصوصاً من التوراة والإنجيل. هذه النصوص نحن لا نجدها الآن في التوراة والإنجيل. فهنا لدينا احتمالان: إما أن علمائنا نحن كذبوا واخترعوا، أو أن هذه النصوص كانت موجودة وحُرّفت أو أُزيلت. لأننا الآن بعد 14 قرناً من الجدالات المستمرة بين المسلمين وبين اليهود والنصارى، فكثيراً وكما سنأتي الآن، نجد أن النصوص التي كانت مذكورة في أزمان سابقة لم تعد موجودة الآن.
طيب، فبالتالي، طبعاً نحن الآن نتكلم في درس السيرة، لا نتكلم في درس مقارنة أديان. من أراد أن يتوسع في هذا فإني أشير إلى بعض الكتب، منها كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم كما في الكتب المقدسة". وهذا الكتاب ألفه قس كلداني كان اسمه داوود الكلداني، هذا القس أسلم وتسمى باسم عبد الأحد داوود وكتب هذا الكتاب الذي يشير فيه إلى الإشارات الموجودة الباقية الآن حتى في النص الأخير هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك هناك كتاب لقس مصري ولد في الإسكندرية سنة 1919 اسمه خليل إبراهيم فيليبس، كان كتابه بعنوان "محمد كما في التوراة والإنجيل والقرآن". والدكتور أحمد حجازي السقا، هذا أستاذ جامعة الأزهر، كتب كتابه "محمد كما في التوراة: البشارة بنبي الإسلام". البشارة بمحمد في التوراة والإنجيل. وهذا الرجل له قصة طريفة ذكرها في مقدمة كتابه، قال إنه كان ذاهباً إلى شيخه وكان قد سجل رسالة الماجستير في الأزهر الشريف بعنوان "دور مجلة الأزهر في الدعوة الإسلامية". وبينما هو في المواصلات قابله قس، والقس تصور أنه هذا نصراني مثله، فجرى بينهما حوار. فسأل الدكتور أحمد حجازي: طيب، ألا تعتقد أن نبي الإسلام موجود في الإنجيل؟ قال: نعم، موجود في آيات كثيرة في الإنجيل. قال وتلا عليّ جزءاً منها، ثم تفاجأ لما عرف أنني مسلم. فلما تلوت هذه القصة على شيخي الشيخ محمد أبو شهبة، شيخ أزهري كبير معروف وله كتاب مشهور في السيرة النبوية، قال الشيخ محمد: أنا أتمنى أن يتفرغ طالب أزهري لدراسة هذا الموضوع. فألغى رسالته التي كانت بعنوان "مجلة الأزهر ودورها في الدعوة الإسلامية" وجعل رسالته عن البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم. وله في ذلك تأليف كثير.
ومن الكتب أيضاً التي صدرت مؤخراً، وهذا ربما يكون أكثر الكتب صرامة علمية، وهو كتاب "البشارة بنبي الإسلام" للدكتور سامي عمري. وأنا، الدكتور سامي عمري طبعاً هو يعني لا أقول صديق، يعني معدود في مشايخي، رجل على قدر هائل من العلم. ولكن أنا أحياناً أتضايق من شدة رغبته العلمية، يعني أنا أحسبه يبالغ في الرد على الشبه وأحياناً يبالغ في إثبات المعلومة، لكن كتابه هذا عن البشارة بنبي الإسلام...
وكذلك أحيل إلى الجزء الأول من كتاب "وإنك لعلى خلق عظيم" للشيخ صفي الرحمن المباركفوري. في الصفحات الأخيرة من هذا الجزء الأول، جمع الشيخ صفي الرحمن البشارات بنبي الإسلام في كتب الديانات الهندوسية.
طيب، ذكرت أننا لدينا في أنباء السيرة النبوية كثير من الأخبار التي تثبت أن بعض الناس كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بشخصه. سيدنا حسان بن ثابت - عارفين طبعاً من هو سيدنا حسان، شاعر النبي - يذكر عن نفسه قائلاً: لما كنت غلامًا يفِعًا أدري ما يكون، إذ خرج يهودي على أطم في يثرب، على مكان عالٍ في يثرب، وقال: يا معشر يهود، يا معشر يهود. قال: فاجتمعوا إليه، ثم قالوا له: ويلك، ماذا تريد؟ قال: قد طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به. يبقى إذا لدينا يهودي من أهل المدينة عرف مولد النبي صلى الله عليه وسلم، طبعاً قبل أن يعرف النبي نفسه قبل أن يعرف أحد من أهل النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك طبعاً هذا مروي بسند حسن.
الأهم أو الأكثر تأثيرًا من ذلك هو ما رواه سيدنا سلمة بن سلمة بن وقش. هذا رجل من الأنصار، قال: طبعًا هو يحكي أنهم كانوا جلوسًا في دار في بني عبد الأشهل، اللي هم قومه في الأنصار. قال: وبينما القوم جلوس إذ طلع علينا رجل يهودي فصار يحدث الناس عن الجنة وعن النار وعن اليوم الآخر وعن البعث. يقول سيدنا سلمة بن سلمة: والقوم أهل وثن وأهل شرك فيتعجبون من هذا الكلام، البعث، فيقولون: أوهذا كائن؟ قال: أي والله إنه لكائن. ويود، ركزوا معايا هنا بقى، ويود أحد إذا رأى نار الآخرة أن لو أشعل عليه أعظم نار في الدنيا وأطبق عليه، وأن ينجو من تلك النار. دلوقتي يصف نار الآخرة، فيقول: الذي سيرى نار الآخرة سيتمنى أنه يرجع إلى الدنيا ويوقد له أعظم نار في الدنيا في تنور، وتطبق عليه يعني يُغلق عليه، وأن يدخل هذه النار.
قالوا: وما علامة ذلك؟ قال: رجل يخرج من هذه البلدة وأشار بيده جهة مكة واليمن. أنت إذا كنت في المدينة وأشرت إلى الجنوب فأشرت تشمل مكة واليمن. قالوا: ومتى يكون ذلك؟ قال: فتفرس في القوم، بدأ يبص فيهم كده، ثم وضع نظره عليّ وقال: إن يستكمل هذا الفتى عمره يدركه. إذا عندنا زمان وعندنا مكان. الآن يقول سيدنا سلمة بن سلمة: قال فما هو إلا أن تقلب الليل والنهار وبُعث فينا رسول الله وهو حي بين أظهرنا، هذا اليهودي حي بين أظهرنا، فآمنا وكفر به. فقلنا له: يا فلان، أليس هذا الذي كنت تقول؟ فقال: نعم، ولكن ليس به، يعني ليس هذا الذي كنت أقصده. وطبعًا العناد كما يقولون العناد يورث الكفر. أخطر صفة يمكن أن يُصاب بها الإنسان هي العناد. وأنتم تعرفون قول الله تعالى: "وقالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم". شيء لا يصدقه عقل الإنسان الطبيعي، يقول: إيه؟ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدني إليه، فأعني عليه، فيسرني له، فيسره لي. زي كده لما تسمع قول إبليس: "قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون". الطبيعي تتوقع إيه؟ وهو بيقول: رب فانظرني إلى يوم يُبعثون، العقل الطبيعي لعلي أتراجع، لعلي أهتدي، أفكر، اه طيب، ليه؟ قال: "فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم"، قال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين". إلا العناد، إلا الكبر. الإنسان يجب أن يقهر نفسه على التسليم للحق والخضوع له، يجب أن يقهر نفسه على أن يعترف بالخطأ. وهذه الصفة كلما تعودت عليها وأنت شاب، كلما سهلت عليك وأنت أكبر، لأن الإنسان كلما كبر ترسخت فيه الطباع التي ألفها.
طيب، كذلك أحد الأنصار، وهذا أيضًا مروي بسند حسن، كان يقول: كان من فضل الله علينا في الإسلام بعد أن كان مما دعانا إلى الإسلام بعد فضل الله تعالى أن اليهود كانوا أهل كتاب، وكان عندهم من العلم ما ليس عندنا. وكان بيننا وبين القوم أمور، فكنا إذا أصبنا منهم بعض ما يكره، قالوا لنا: قد تقارب زمان نبي يبعثه الله تبارك وتعالى فينا نقتلكم به قتل عادٍ وإرم. فهذا التهديد مما ترسخ في أذهان الأنصار، فلما سمعوا بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم كان هذا التهديد مما جعلهم يؤمنون به، قال: ففينا وفيهم نزل قول الله تعالى: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به".
طيب، فطبعًا هناك كثير من الأحداث. أنا ما أريد أن يسرقني الوقت، ولكن بقي أن أسمعكم بعض ما ترسب وما أفلت من يد التحريف مما جاء في كتب اليهود والنصارى. مما جاء في سفر التكوين إصحاح 16، هذا النص الذي أتلوه الآن: وقال لها، يعني المذكور هنا "لها"، هذه هي هاجر، الآن الحكاية تحكي حكاية السيدة هاجر لما وضعت عند البيت المحرم. وقال لها ملاك الرب: تكثيرًا أُكثر نسلك فلا يُعد من الكثرة. وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى فتلدين ابناً وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلتك، وإنه يكون إنسانًا وحشيًا، يده على كل واحد ويد كل واحد عليه، وأمام جميع إخوته يسكن.
يبدو النص غير مفهوم، ما معنى هذا الكلام؟ الأول، الجزء المفهوم أنها ستلد ولداً اسمه إسماعيل، وأن هذا الولد يكثر نسله، ومن ولده يعني أحدهم يكون النص هنا "يكون وحشيًا"، المفهوم أنه يكون قويًا، يده على كل أحد يعني أنه يغلب، يغلب سائر إخوته، تمام.
هنا في ترجمة أخرى، هذه ترجمة نقلها ابن القيم، يقول: وولدك يكون وحش الناس، يعني أسد الناس، يده فوق يد الجميع ويد الكل به. هنا العلماء توقفوا عند هذا النص. متى كانت يد أبناء إسماعيل فوق يد أبناء إسحاق؟ متى حصل هذا؟ لم يحدث هذا أبدًا إلا مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ما قبل ذلك كانوا العرب - كما ذكرنا - ضعفاء ومتفرقين، وكانت القوة والغلبة والسيادة للفرس والروم، يعني كان الروم، الذين هم منسوبون إلى إسحاق ومنسوبون إلى النصرانية، أعلى يدًا وأقوى من العرب. فمتى ظهر عليهم العرب؟ لا، يعني هذه النبوءة "يدك يكون وحش الناس ويده فوق كل الناس" لا تنطبق إلا على من؟ إلا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
طيب، هناك في سفر حجي وهذا أحد الأنبياء، أحد أنبياء بني إسرائيل، كان في كلامه جاء فيه على لسان الله تبارك وتعالى: "وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجداً، قال رب الجنود. لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود. مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول، قال رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي سلام، يقول رب الجنود".
طيب، ما هذا النص؟ "أزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم". هنا، الذين توقفوا عند هذا النص في اليونانية وفي العبرانية، وجدوا تحريفًا في الترجمة العربية. "مشتهى كل الأمم" في النص الأصلي، الترجمة الأدق له هي "المحمود من كل الأمم"، الذي يكثر حمده على لسان كل الأمم. وهذا اللفظ يعني هو ترجمة للفظ "أحمد" أو "محمد". لكن هنا، الزيادة في قوله: "مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول"، وهذه إشارة إلى الكعبة، أن هذه الكعبة لم يكن عندها أصلاً أبناء إسحاق. يعني بيت الله الكعبة وبيته في بيت المقدس. هنا البشارة بأن المجد الذي سيصيب البيت الأخير سيكون أعلى من المجد الذي كان عليه البيت الأول. وفي قوله: "وسوف أزلزل كل الأمم"، هذا أيضًا لم يحدث في التاريخ أن غلب أحد على كل الأمم إلا نبينا صلى الله عليه وسلم.
طيب، هنا بالمناسبة، القس عبد الأحد داوود، الذي ذكرت لكم قصته، يقول: "إنه يأتي مشتهى كل الأمم"، هو في نصه الأصلي: "يأتي محمد لكل الأمم، وفي هذا المكان أعطي الإسلام". هذه التي تم ترجمتها "أملأ هذا البيت مجداً". طبعًا، هذه مباحث في اللغات العبرانية واليونانية.
هناك سفر في العهد القديم، سفر إشعياء، وهذا إشعياء النبي، وهذا السفر في إصحاح 42، فيه البشارة بنبي يخرج آخر الزمان. سفر مهم وطويل لا يسعنا أن نتوقف إلا مع هذه العبارات التي سأقولها لكم: العبارة تقول: "لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال يهتفوا ليعطوا الرب مجداً ويخبروا بتسبيحه في الجزائر".
طيب، هنا عدد من النصوص تحتاج أن نتوقف عندها: "لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار". من قيدار؟ قيدار هذا ابن إسماعيل، موجود أصلاً في سفر التكوين أن من أبناء إسماعيل ابن اسمه قيدار. إذًا، هذا النبي يخرج من الديار التي سكنها قيدار. وجاء في التوراة أن قيدار سيسكن أرض العرب أو أرض الحجاز. "لتترنم سكان سالع"، ما سالع؟ سالع هو جبل المدينة المنورة المعروف بجبل سلع. مذكور في هذا النص، سالع بالعبرانية هو جبل سلع.
"من رؤوس الجبال يهتفوا"، وهذه يفسرها العلماء بالتلبية والتهليل الذي يكون على جبل عرفات، لأنه لا يُعرف من الأمم في بلاد العرب من يُسبح الله فوق رؤوس الجبال. فهذه فيها إشارة إلى يوم عرفة.
هناك نص آخر في سفر التثنية إصحاح 33 يقول: "جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران". هذا النص بعض العلماء يجعله مقاربًا لقول الله تعالى: "والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين". لماذا؟ لأنه جاء الرب من سيناء، سيناء معروفة مشهورة. سعير هي الأرض التي ولد فيها عيسى عليه السلام. فاران هي الأرض التي سكنها إسماعيل. فالرب بين هذه المناطق: سيناء والشام ومكة، كما هو مذكور في "التين والزيتون". هذا في الشام وطور سينين سيناء، وهذا البلد الأمين في مكة. فهذا أيضًا "جاء الرب من سيناء، أشرق لهم من سعير الشام، وتلألأ من جبل فاران". فاران هذه كما جاء في التوراة عن إسماعيل: "وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس وسكن في برية فاران". يبقى نحن لدينا الآن عدد من الإشارات التي تتكلم عن المدينة وجبلها.
وكذلك، طبعًا، هذا الذي ذكرته كان في التوراة. نأتي إلى النصارى.
من الأخبار التي جاءت في هذا، سيدنا زيد، يعني تعرفون، تسمعون عن الأحناف، زيد بن عمرو بن نفيل. زيد بن عمرو بن نفيل هو والد سيدنا سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة. سيدنا زيد كان يرى أن أهل مكة لا يعرفون الدين الحق، فلذلك حتى عندما سأل سيدنا سعيد النبي صلى الله عليه وسلم عن والده، فقال: "يعيش وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده". سيدنا زيد، يعني هذا زيد بن عمرو بن نفيل، قال: قال لي كما جاء عند ابن أبي عاصم في "الأحاد والمثاني" بإسناد حسن: قال لي حبر من أحبار الشام: قد خرج في بلدك نبي أو هو خارج، قد خرج نجمه، فارجع فآمن به واتّبعه.
وطبعًا تعرفون حديث هرقل الذي تكلمنا عنه قبل ذلك. هرقل لما جاءته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستدعى أحدًا من العرب فجاؤوا له بأبي سفيان وسأله أحد عشر سؤالًا. تعرفون القصة... لا، هرقل كان في الشام، جاءته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم: "أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الروم". هرقل في ذلك الوقت كان يحتفل بالنصر على الفرس وكان موجودًا في الشام، فأرسل جنوده لكي يأتوا إليه بأحد من العرب لكي يستفسر منه، فجاءوا بأبي سفيان. فجاء أبو سفيان في رهط، فقال لأبي سفيان: تقدّم وقال لأصحابه: تأخروا عنه، إني سائله أسئلة فإن كذبني فسيروا إليّ. يقول أبو سفيان: وقد علمت أنني لو كذبت ما أخبر به قومي، ولكن الحر لا يكذب. يعني ستكون مسبة، صحيح لن يفضحه أمام القيصر، لكن ستكون معرة أنه كذب. فسأله أحد عشر سؤالًا:
قال: هذا الذي بعث فيكم، ما نسبه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب. هل كان من آبائه ملك؟ لا، لم يكن من آبائه ملك. هل قال بهذا القول أحد كان قبله؟ لا، لم يقل بهذا القول أحد ممن كان قبله. أصحابه يزيدون أم يقلّون؟ يزيدون. هل يرتد منهم أحد سخطة على دينه؟ لا. هل قاتلتم؟ نعم. كيف كان قتالكم إياه؟ يغلب مرة ونغلب مرة، ونحن منه على عهد، كان ذلك الزمن في صلح الحديبية. هل يكذب؟ لا. هل يغدر؟ لا. أحد عشر سؤالًا دقيقًا.
فماذا قال هرقل بعد أن سمع هذه الإجابات؟ قال: قد سألتك ما نسبه فيكم، فقلت: هو فينا ذو نسب، وكذلك الأنبياء تبعث في أشراف أقوامها. ثم سألتك: هل كان من آبائه ملك؟ فقلت: لا، فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يريد أن يسترجع ملك آبائه. هل قال بهذا القول أحد فيكم؟ فقلت: لا. فلو كان كذلك لقلت رجل يريد أن يكرر مقالة غيره. أصحابه يزيدون أم يقلّون؟ فقلت: يزيدون، وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب. هل قاتلتم؟ نعم. فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: نصيب منه ويصيب منا. قال: وكذلك الأنبياء يقاتلهم أقوامهم فيصيب منهم ويصيبون منهم. وسألتك: هل يكذب؟ فقلت: لا. فقلت: ما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله. وسألتك: هل يغدر؟ فقلت: لا، وكذلك الأنبياء لا تغدر.
ثم قال: فإن كنت صدقتني فيما قلت، فإنه لنبي الله حقًّا، ولسوف يملك ما تحت قدمي هاتين. طبعًا، هذه في أذن أبي سفيان كالقنبلة. ملك الروم، القوة العظمى العالمية، يعني الآن بايدن، بايدن واحد موجود في قنا مثلًا أو موجود في الفيوم أو موجود، وراح بعت له رسالة يقول له: أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فيجيب مدير أمن الدولة بتاع مصر مثلًا أو بتاع المخابرات بتاع تركيا يقول له: والله شكله هيملك البيت الأبيض. يملك البيت الأبيض! إيه ده؟ إحنا لسه يعني لسه ما خلصناش مع بعض، يعني بالنهاية إحنا بس وصلنا الهدنة. أهل قريش هؤلاء آخرهم وصلوا إلى هدنة. ولذلك، لما خرج أبو سفيان قال: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: لقد أمر أمره، يتخوف ملك بني الأصفر على ملكه. لكن الذي الشاهد الذي نركز عليه هنا أنه كان عند هرقل خبر.
ولذلك في بعض الروايات، يقول: "ولقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أحسب أنه فيكم، ولو استطعت أن أخلص إليه لتجشمت الوصول إليه، ولو كنت عنده لغسلت رجليه". هذا هرقل. ولكن مع ذلك، لما شعر بأن اتباع النبي سيؤدي بملكه، إن شاء الله نبقى نحكيها في صلح الحديبية إذا شاء الله لنا العمر. يعني تراجع وفضل الدنيا على الآخرة، ومات وهو يعرف الحق.
فحديث هرقل، وذكرنا قبل ذلك حديث ورقة بن نوفل، وحديث عبد الله بن سلام، عبد الله بن سلام حبر اليهود القصة المشهورة، لما قال له: "يا رسول الله"، طبعًا سيدنا عبد الله سلام يروي: قال "فما هو إلا أن رأيته حتى عرفت أنه هو، ما فيهاش شك". قال: ثم قلت "يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهت، وإني أرجو، يعني وإني أرجو أن تسألهم عني قبل أن يعرفوا بإسلامي". فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ما تقولون لعبد الله بن سلام؟" قالوا: "خيرنا وابن خيرنا، وحبرنا وابن حبرنا، وعالمنا وابن عالمنا". قال: "أرأيتم إن أسلم؟" قالوا: "معاذ الله أن يسلم". قال: فخرج عليهم عبد الله بن سلام فعادوا عليه بالقول وقالوا: "جاهلنا وابن جاهلنا، وسفيهنا وابن سفيهنا".
وأنت طبعًا ترى الآن في عصرنا مرونة الإعلاميين، الإعلامي اليوم يقول كلامًا وتاني يوم يغيره.
العرب اشتهروا بأن الرجل منهم قد يقتله بيت شعر يقوله. يعني، قال قولا، فهذا القول حتى لا يُعَيَّر به، يقتل دونه. ولذلك كم في الشعراء من قُتلوا من أجل أبياتهم. أشهرهم طبعًا المتنبي، خرج عليه قوم قطاع طريق، فأراد أن يهرب، فذُكر بصحبه بقوله: "الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم"، فقاتل حتى قُتل.
فالمهم، انظر الفارق بين أبي سفيان وهو يقول: "ولكن ما أحببت أن يؤثر عني الكذب"، والفارق بين واحد قال: "حبرنا وابن حبرنا"، وطلع قال: "سفيهنا وابن سفيهنا". وكذلك من أنباء النصارى ما جاء مما نعرفه جميعًا في قول النجاشي، النجاشي لما سمع من سيدنا جعفر وصف الإسلام قال له: "إن هذا الذي تقول والذي جاء به عيسى بن مريم ليخرج من مشكاة واحدة".
طيب، إذا فتحنا الكتاب المقدس الموجود الآن عند النصارى ونظرنا في ما بقي من هذه البشارات. في إنجيل يوحنا الإصحاح 16، حوار لتلاميذ المسيح مع المسيح وهو يخبرهم أنه الآن سيرحل. هنا ركزوا معي، يقول: "وأما الآن فأنا ماضٍ إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسأل أين تمضي، لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم، لكني أقول لكم الحق، إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم، ومتى جاء ذاك المعزي يبكت العالم على خطيئته". وذكر أمورًا أخرى.
لكن الشاهد هنا: "إذا لم أنطلق لا يأتيكم المعزي". كلمة "المعزي" من أكثر الكلمات التي دار عليها نقاش بين العلماء في محاولة معرفة الترجمة الصحيحة لها، لأن هذه الكلمة في النص اليوناني لفظها "الفارقليط" أو "البارقليط". ما معنى هذه الكلمة؟ هذه الكلمة، كل الترجمات تترجمها بهذا المعنى، بمعنى المعزي أو المخلص. ومن أشهر ما ذكر فيها طبعًا علماء اللغة اليونانية القديمة يقولون إن هذه الترجمة، هذه الكلمة كلمة "الفارقليط"، إنما تعني "أحمد".
طيب، من أشهر من ذكر ذلك، حتى في عصرنا الحديث، شيخ أزهري اسمه عبد الوهاب النجار. الشيخ عبد الوهاب النجار يقول إنه تكلم ذات يوم مع المستشرق الإيطالي كارلو نلينو، مستشرق إيطالي مشهور وحجة في اللغة اليونانية. وقال له: "أنا أريد أن أسألك عن معنى هذه الكلمة، كلمة الفارقليط". فقال: "يقول علماء هذه اللغة بأنها صيغة كثرة أو صيغة التفضيل من لفظ الحمد". قال: "فإذا هي يا أحمد"، قال: فقال لي: "يعني أنت رجل تقرأ كثيرًا"، رفض أن يصرح له بهذا.
فهذا الفكره أن هذا النص يخبر بمضي المسيح وأنه سيدنا محمد لا يأتي إلا بعد أن يمضي المسيح، وأنه حين يجيء يبكت العالم. هذا أمر مهم، لأن الأنبياء الذين يقول بنو إسرائيل أو يقول النصارى ويقول اليهود أنهم جاؤوا بعد المسيح، هؤلاء الأنبياء لم يسودوا العالم، لم يفتحوا العالم، لم يغلبوا على العالم. فالشخصية الوحيدة التي تنطبق عليها أن هذا الرسول أو هذا المعزي أو هذا المخلص سيسود العالم، لا تنطبق إلا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
طيب، في سفر إشعياء، إصحاح 21، تأتي العبارة: "وحي من جهة بلاد العرب، وحي من جهة بلاد العرب، في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين"، يعني اسم الناس الذين يقطنون في المناطق العربية. "هاتوا ماء لملاقاة العطشان، يا سكان أرض تيماء، وافوا الهارب بخبزه، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، من أمام شدة الحرب".
هذا يشير إلى حادثة "وحي من جهة بلاد العرب"، وهناك هارب سيمر على سكان تيماء، والنص يقول لسكان تيماء: "وافوا الهارب بخبزه فإنهم من أمام السيف قد فروا". تيماء مدينة معروفة في بلاد العرب. الوحي الذي بزغ في بلاد العرب، الشخص الذي كان مطاردًا من أمام السيوف وكان ماراً بالأرض التي فيها تيماء، هذه علامات لا تنطبق إلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
النصوص في هذا كثيرة، ولا أطيل عليكم فيها. أدخل إلى النصوص التي كانت عند الهندوس. الكتب الديانات الهندوسية، طبعًا هذا الباب باب الديانات الهندوسية الذين تكلموا فيه هم علماء المسلمين الهنود. أنتم تعرفون أن الإسلام عاش في الهند حوالي 800 سنة وما تزال الأقلية الإسلامية في الهند حتى الآن هي أوسع الأقليات. فعدد من العلماء الهنود قلبوا في الكتب المقدسة، وهي كثيرة جدًا جدًا في الديانات الهندوسية. طبعًا يختلط فيها الحق بالباطل، ويختلط فيها الغث بالسمين.
ولكن أوسع جمع رأيته كما ذكرت لكم هو ما كتبه الشيخ صفي الرحمن المبارك فوري، حوالي 117 صفحة في جمع هذه النصوص من كتب الديانات الهندوسية. فيها أشياء عجيبة للغاية. مثلًا، كتاب اسمه "ساما فيدا" عند البراهمة، فيه هذه العبارة: "أحمد تلقى الشريعة من ربه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس. أحمد تلقى الشريعة من ربه وهي نور". كتاب آخر اسمه "ندى أفيستا" يتحدث عن رسول يوصف بأنه "رحمة للعالمين"، ويتصدى له عدو يسمى "أبو لهب"، ويدعو إلى إله واحد لم يكن له كفوًا أحد، وليس له أول ولا آخر، ولا ضريع ولا فريع، ولا صاحب، ولا أب ولا أم ولا ولد، ولا مسكن ولا جسد ولا شكل ولا لون ولا رائحة.
في الكتب الزرادشتية، هناك نص يقول: "إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضع، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم بائع فارس ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولّون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، ويكون هذا النبي فصيحًا يتحدث بالمعجزات".
كتاب آخر اسمه "بفوشيا برانم"، طبعًا وارد جدًا أنني أخطئ في الألفاظ لأني لا أعرف هذه اللغات، يقول: "في ذلك الحين يُبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد، الملقب بأستاذ العالم". وذكر هذا الكتاب صفة أصحاب هذا النبي فيقول: "يختتنون ولا يربون القزع، ويربون اللحى، وينادون الناس للدعاء بصوتٍ عالٍ"، الذي هو الأذان، "ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير".
كتاب آخر اسمه "أترود"، وهو من الكتب الأربعة المقدسة في الهندوسية، يقول: "اسمعوا أيها الناس باحترام، إن محمدًا يُحمد ويُثنى عليه". "محمد" هذه في اللغة السنسكريتية لفظها "نرى شنس"، "نرى شنس" يعني رجل يُحمد ويُثنى عليه بكثرة. يكمل النص: "اسمعوا أيها الناس باحترام، إن محمدًا يُحمد ويُثنى عليه، ونحن نعصم ذلك المهاجر بين 60 ألف عدو و90 عدوا". الشيخ صفي الرحمن جمع أعداد الذين واجهوا النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه، فإذا هم 60 ألف عدو و90 عدوا.
يقول الشيخ صفي الرحمن: "ونحن لا نعرف في التاريخ نبي واجهه مثل هذا العدد على هذا النحو من التحديد". لكن المفاجآت قادمة في وصف هذا النبي. يكون مركبه الإبل، وزوجاته اثنتا عشرة امرأة، ويحصل له من علو المنزلة وسرعة المركب أنه يمس السماء ثم ينزل. هذه إشارة إلى البراق. نعم، أعطي للرسول. وهذا اللفظ بهذا اللفظ ما محمح يمكن أن يكون تصحيفًا من محمد، لكن حتى الشيخ صفي الرحمن يقول إن "ما مح" في اللغة السنسكريتية معناها "محمد العظيم"، يعني التطابق حاصل في اللفظ والمعنى.
يقول النص: "أعطي للرسول مامحظوظ ف 100 دينار ذهبي"، إشارة إلى المهاجرين إلى الحبشة لأنهم بلغوا 100 في الهجرة الأولى والثانية، و"عش قلائد" هذه الكلمة في السنسكريتية معناها 10 رؤساء أو سادات، إشارة إلى العشرة المبشرين بالجنة، و"300 جواد" إشارة إلى أهل بدر، و"ع ألف بقرة" إشارة إلى جيش الفتح. لأن النبي دخل، طبعًا النبي صلى الله عليه وسلم عبر أيضًا عن أصحابه أحيانًا برمز البقرة. تعرفون، في غزوة أحد، إذا أعطانا الله العمر سنتكلم عن هذا، رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه أن بقرًا يُذبح بين يديه، ففسرها الصحابة. تمام؟ فكلمة البقر يعني عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
أريد أن أفوت من هذا النص نفسه، هو "سيد العالم، قدوس، أفضل البشر، هدى للناس كافة، معروف لدى الأمم جميعًا، فتغنى بأفضل الثناء عليه". من الإشارات العجيبة جدًا جدًا، كتاب عند الهندوس اسمه "ككي بوران"، يقول: "اسمعوا هذا النص لأن ترجمته عجيبة جدًا". الكتاب يبشر برسول اسمه "كلكي أوتار". تمام، يقول إن كلكي أوتار يولد من "سومتي" لرجل اسمه "وشنو".
يقول الشيخ صفي الرحمن: "كلكي أوتار" هذا رسول ينتظره الهندوس، صفاته في كتب الهندوسية تنطبق على نبينا صلى الله عليه وسلم. هذا النص يقول: "إن كلكي أوتار يولد من سومتي"، سمتي ترجمتها "آمنة"، لرجل اسمه "وشن وش"، وشن وش يعني عبد الله. فمعرفتنا حتى باسم أبيه وأمه. ويقول "إن والد كلكي أوتار يموت قبل ولادته وأمه تموت في زمن قريب من مولده". وفي نفس هذا الكتاب: "إن كلكي أوتار يذهب إلى غار في جبل وهناك يتلقى العلم من برشورات إلى الروح القدس". طبعًا، وهناك تفاصيل أخرى.
هذا بعض ما جاء في كتب الديانات الهندوسية. العرب كانت عندهم أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن من طريق آخر، وهو طريق الكهان. الكهان هؤلاء هم الذين يتواصلون مع الجن، وكانت الجن تتسمع الأخبار من السماء. وهذا أمر شرحه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني النبي صلى الله عليه وسلم، كما في مسلم عن ابن عباس، بينما هو جالس مع الصحابة إذ رأوا شهابًا سقط، شهاب سقط نجم من السماء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ما كنتم تقولون يعني في الجاهلية لما كنتم تشاهدون هذا المشهد، ما كنتم تقولون؟" قالوا: "كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم أو مات رجل عظيم". قال: "أما إنه لا يسقط هذا لميلاد أحد ولا لوفاة أحد، ولكن الله إذا قضى أمرًا"، هذا شرح النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الظاهرة، ظاهرة الشهب. "ولكن الله إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، فسأل أهل السماء التي تليهم، فسبحوا ويسبح بتسبيحه أهل السماوات حتى يصل إلى أهل هذه السماء الدنيا، ثم يستقبلوا بعضهم بعضًا ماذا قضى ربكم، فيخبرهم". فكانت الجن تقعد مقاعد للسمع، فإذا سمعوا شيئًا من خبر السماء طاروا به إلى الأرض، ولكنهم يتقصون فيه، يعني يزيدون وينقصون فيه، فيصل هذا إلى من؟ إلى الكهان.
فلما منعت الجن قبيل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في قول الله تعالى: "وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا". فهنا تسرب أو يعني توقع أو ظن بعض هؤلاء الجن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أو قرب ذلك المبعث.
فمن هذه المواقف، هناك موقف لطيف جدًا لأحد الصحابة الذين أسلموا وكان كاهنًا في الجاهلية، اسمه سواد بن قارب. سيدنا عبد الله بن عمر يقول عن سيدنا عمر: "ما قال عمر لشيء قط أظنه كذا إلا كان كما ظن". فراسة حديدية. سيدنا عمر لا يقول عن شيء "أظنه" إلا وكان كما يقع، كان كما ظن. قال: فمر رجل جميل، فقال عمر: "إلا إني أخطأت أو كذب ظني أو أن هذا كان كاهنهم في الجاهلية". سيدنا عمر تفرس في رجل أنه كان في الجاهلية كاهنًا. قال: "علي به"، فجاؤوا به، فقال له: "يعني، أنت كنت كاهنهم في الجاهلية؟" طبعًا، سيدنا سواد يريد أن يتبرأ من هذا، فقال: "ما رأيتك اليوم قط استقبلت به منذ أسلمت"، يعني هذا ليس استقبالًا، يعني أنا مسلم الآن وأسلمت من فترة، وواحد يقول لي: "لقد كنت كاهن القوم في الجاهلية". فسيدنا عمر قال: "سبحان الله، ما كنا عليه في الجاهلية لأسوأ مما كنت عليه. يعني كلنا كنا زي بعض". ثم قال: "أنت الذي حدثتك جنيتك بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان خبره مشهور". قال: "نعم". قال: "أخبرني بما حدثتك به". قال: "بينما أنا نائم ذات يوم، إذ جاءت أعرف في وجهها الفزع، فقالت: قم يا سواد بن قارب، قد بُعث رجل من بني لؤي بن غالب يقول: لا إله إلا الله". هذا قبل أن يصل خبر النبي إلى أهل اليمن. فسيدنا عمر قال: "أي والله، تذكر هو كمان موقف". قال: "بينما نحن عند الكعبة، وبعضهم يذبح شاة له، إذ صاح صوت بأنف صوت سمعناه قط، يقول: يا جليح، أمر النجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله". فكأن هذا خطاب بصوت عال بين اثنين من الجن لكنه كان مسموعًا في هذه الفترة. قال: "ففرق القوم"، كل اللي معه حاجه، رعب وخشي من هذا الموقف. لكن سيدنا عمر بما له من الشجاعة قال: "والله لأبقين"، فبقي حتى سمع الرجل يقول: "أعد علي ما قلت". فقال: "يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله". قال عمر: "فما نسبنا أن قال هذا نبي".
وهناك أخبار أخرى أيضًا مما جاء في حديث الكهان عن قرب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. وأختم لكم بهذا الموقف الذي روته السيدة صفية رضي الله عنها. طبعًا أنتم تعرفون صفية بنت حيي بن أخطب، زعيم اليهود. فالسيدة صفية رضي الله عنها ذكرت أنها كانت أحب أبناء أبيها إليه، وأنها ما دخلت عليه في موقف من المواقف إلا هش لها وبش، يعني لم يشغله عنها شيء. قالت: "حتى كانت ذات ليلة، هي رأت رؤيا أن القمر قد سقط في حجرها". قالت: "فقصت هذه الرؤيا على زوجها اليهودي"، قال: "فلطمني وقال: تتمنين ملك العرب". هو أولها ازاي؟ أولها أن صفية زوجته ستتزوج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فتذكرت اليوم الذي دخلت فيه على أبيها وعمها، وكانوا قد جاءوا. قالت: "فدخلت عليهما فلم يلتفت إلي أحد، في أزمة ضخمة، أزمة كبيرة". قالت: "وسمعت عمي يقول لأبي: أتعرفه وتثبته؟" قال: "نعم، أعرفه وأثبته". يقول: "أهو هو؟" يقول: "نعم، ويلك، هو هو". قال: "فما أنت فاعل؟" قال: "عداوته ما بقيت". وهنا يا جماعة الخير، ترون كيف يبلغ الكبر ويبلغ العناد ويبلغ الطمس. هو عارف أن هذا هو النبي، وأن من يتبعه سيدخل الجنة ومن يكفر به سيدخل النار، لكن أيضًا عداوته ما بقيت. طبعًا حيي بن أخطب هذا ظل معاديًا للنبي صلى الله عليه وسلم حتى قُتل في واقعة نحكيها إن شاء الله فيما بعد في بني قريظة. ولكن لما جاء مقتله، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ظنك الآن بنفسك؟" فقال حيي: "ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل، ومن يغالب الله يُغلب". فهو كان عارف أنه مغلوب في آخر الأمر، لكن طُمس على قلبه. نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.