السيرة النبوية | 10. خريطة واضحة لتسهيل حفظ السيرة وفهمها
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلًا. اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفَعنا بما علّمتنا، وزدنا علمًا.
اللهم اجعل عملنا كله خالصًا لوجهك الكريم، ولا تجعل لأحد سواك فيه شيئًا يا رب العالمين. رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
هذا المجلس العاشر في مجالس السيرة النبوية، والتي نسأل الله تبارك وتعالى كما جمعنا في هذه الدنيا عليها وعلى طاعته، أن يجمعنا بها في الآخرة في جنته ومستقر رحمته ودار كرامته.
كنا قد توقفنا في المرة الماضية عند بدء الوحي وعند لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بورقة بن نوفل. وذكرنا أنه كان ابن عم خديجة رضي الله عنها ولمن يذكر هي خديجة بنت خويلد ابن بني أسد بن عبد العزى. فهو ورقة بن نوفل ابن أسد ابن عبد العزى، فهو ابن عمها.
ذكرنا ما كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم. الآن نحن يعني سنبدأ في تدارس السيرة النبوية، التي هي بالفعل منهج الحياة، منهج الإصلاح، منهج نشر الدين. فلذلك من الأمور المهمة أن نبدأ بخريطة للسيرة النبوية لكي نسهل حفظها. يعني كثير من الناس ربما اختلطت عليه أحداث السيرة النبوية.
طيب، في المحاضرات الماضية أو في المجالس الماضية تكلمنا عن ما قبل البعثة. الآن البعثة تستمر ثلاثة وعشرين سنة، منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأوحي إليه إلى وفاته، ثلاثة وعشرين سنة. هذه الثلاثة وعشرين سنة مقسمة إلى مرحلة مكية ومرحلة مدنية.
للمرحلة المكية يمكن أن نسهلها فنقول بأنها مرحلة الدعوة، شرح الفكرة، إبلاغ الرسالة. المرحلة المكية، المرحلة المدنية هي مرحلة الدولة، وهي مرحلة أن يتحول الإسلام من فكرة ودعوة ورسالة إلى نظام وحكم وجماعة وسلطان. المرحلة المكية ثلاثة عشر سنة، والمرحلة المدنية عشر سنوات.
إذن هذه هي الصورة العامة: مرحلة مكية ومرحلة مدنية. ثلاث عشرة سنة وعشر سنوات. تعالوا ندخل إلى التفصيل بحيث تتضح معنا الخريطة. المرحلة المكية يمكن أن نقسمها على هذا النحو: ثلاث سنوات في البداية نسميها سنوات الدعوة الخاصة، وبعض العلماء والدعاة يسمونها الدعوة السرية، لكن الأصح أن يقال الدعوة الخاصة وليست دعوة السرية.
إذن ثلاث سنوات دعوة خاصة، ثم ثلاث سنوات استضعاف ظاهر، استضعاف شديد، لأنه في هذه السنوات الثلاثة أعلن النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة وجهر بها، وتعرض هو وأصحابه لعذاب قريش. حتى وقعت لحظة فارقة، وهي لحظة إسلام عمر وحمزة في السنة السادسة للبعثة.
وهذا يعني أن هذه اللحظة، لحظة يذكرها لنا سيدنا عبدالله بن مسعود، يقول: "ما زلنا أذلة حتى أسلم عمر". فدخول شخصيتي سيدنا عمر وسيدنا حمزة، يمكن أن نقول كانت علامة فارقة.
إذن لدينا أولًا ثلاث سنوات دعوة خاصة، ثم ثلاث سنوات استضعاف ظاهر، تنتهي عند إسلام سيدنا عمر وإسلام سيدنا حمزة، كلاهما أسلما في السنة السادسة للبعثة.
من سبعة إلى عشرة، ثلاث سنوات هي سنوات الحصار الكبير. حين شعرت قريش أن الأمور تنفلت منها، فحاصروا النبي. أرادوا اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، تسرب الخبر إلى بني هاشم، فأدخلوا النبي في الشعب، يعني الشارع الذي نسميه منطقة النفوذ.
فحين دخل بني هاشم إلى الشعب، أعلنت قريش مقاطعة بني هاشم. وظل هذا الحصار ثلاث سنوات. إذن لدينا كذا: من بداية البعثة إلى سنة ثلاث دعوة خاصة، من ثلاث إلى ستة استضعاف ظاهر، من سبعة إلى عشرة الحصار الكبير، ومن عشرة إلى ثلاث عشرة هذه نسميها مرحلة البحث عن أرض للدولة الإسلامية، لأنه ظهر بعد هذه السنوات أن زعماء قريش، رؤوس قريش لن يسلموا.
فبدأ النبي منذ السنة العاشرة في بداية التفاوض أو البحث عن مكان جديد يكون منطلقًا للدعوة، وحاضنًا للدعوة، ويكون أهله شوكة الدولة وعصبة الدولة وأنصار الدولة.
نراجع مع بعض لكي نحفز: ثلاث سنوات دعوة خاصة، ثلاث سنوات بعدهم استضعاف ظاهر، من سبعة إلى عشرة الحصار الكبير، من عشرة إلى ثلاث عشرة البحث عن أرض للدولة.
طيب، هذه هي المرحلة المكية التي هي ثلاث عشرة سنة. المرحلة المدنية، سنقسمها هذه القسمة: السنة الأولى والثانية هي مرحلة تمكين وتأسيس الدولة داخليًا، وهذه تمتد من أول الهجرة حتى غزوة بدر. غزوة بدر مرحلة فارقة، لماذا؟ لأنها إعلان عن أن الدولة الإسلامية دولة قوية ليست سهلة، ليست الدولة المزعومة.
لا، هذه دولة تستطيع أن تخوض حروبًا وأن تهزم جيوشًا. في التاريخ عادة قاعدة أن الحرب هي اللحظة الفارقة في تاريخ الدول. كل دولة لها حرب تأسيس، حرب بداية، حرب استقلال، ولها أيضًا حرب نهاية، حرب سقوط، حرب زوال. تاريخ الدول بشكل عام يبدأ بحرب وينتهي بحرب.
فغزوة بدر كانت اللحظة التي أُعلن فيها ميلاد الدولة الإسلامية كقوة إقليمية. طبعًا، هذا كان فارقًا جدًا. سنأتي إن شاء الله، إن قدر الله لنا البقاء واللقاء، عن الآثار الهائلة لغزوة بدر.
إذن، لدينا أول سنتين تأسيس الدولة داخليًا، بعدها لدينا ثلاث سنوات من غزوة بدر إلى غزوة الأحزاب. نستطيع أن نسميها تأسيس القوة الإقليمية، خمس سنوات. السنة الخامسة كان فيها غزوة الأحزاب، هذه كانت أصعب لحظة مرت على المسلمين، غزوة الأحزاب. لماذا؟ لأنه اجتمع لها الأحزاب.
يعني نستطيع أن نقول بمصطلحنا المعاصر اجتمع عليها حلف دولي، حرب عالمية. حين أخفق الحلف، حين أخفقت الأحزاب في اجتياح وتدمير الدولة الإسلامية، إذا صارت الدولة الإسلامية أمرًا واقعًا لا يمكن التخلص منه.
وبالتالي، دخلنا في الاعتراف السياسي. ما هو؟ شف، أنت تظل غير معترف بك حتى تستعصي على الكسر. فحين لم تكسر الدولة الإسلامية في غزوة الأحزاب، حصل الاعتراف السياسي في صلح الحديبية الذي كان في العام السادس للهجرة.
ولذلك نستطيع أن نقول إنه بداية من العام السادس بدأت الدعوة العالمية، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم في إرسال الرسائل للملوك، التي هي رسائل النبي إلى كسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس وأمراء بصرى وكذلك البحرين وعمان واليمن.
إذن، السنتان الأوليان تأسيس الدولة داخليًا، من اثنين للهجرة التي هي غزوة بدر إلى غزوة الأحزاب، قوى الإسلام الإقليمية، الدولة الإسلامية قوى إقليمية، الاعتراف السياسي حصل في صلح الحديبية. لو حبينا نقربه بمصطلحاتنا المعاصرة، فهو مثل اعتراف الأمم المتحدة بالدولة.
أنت الآن مهما كان عندك شعب، والشعب يريد الاستقلال، لكن إذا كانت الأمم المتحدة غير معترفة بك، فما بتعرفش تطلع جواز سفر، لا يستطيع مواطنوك السفر، لا يستطيع... ما يبقاش عندك شهادات معترف بها عالميًا، فلا يستطيع التعلم في بلاد أخرى.
فالاعتراف الذي كان للدولة الإسلامية في صلح الحديبية، إذا حاولنا تقريب صورته بمصطلحنا المعاصر، هو اعتراف الأمم المتحدة بهذه الدولة وأنها دولة ذات سيادة وذات حدود مستقلة. وبالتالي، فما يصدر عنها من الوثائق والأوراق معترف بها.
ثم من العام السادس إلى العام الثامن، العام الثامن حصل فيه فتح مكة، الذي هو الفتح الأعظم، الذي كان إيذانًا بدخول العرب في الإسلام وبداية التوسع العالمي.
نراجع مرة أخرى مع بعض: إذًا السيرة كلها في مرحلة البعثة، ثلاثة وعشرون سنة، ثلاث عشرة سنة في مكة وعشر سنوات في المدينة.
المرحلة المكية هي مرحلة الدعوة، المرحلة المدنية مرحلة الدولة. ندخل للمرحلة المكية. أول ثلاث سنوات دعوة خاصة، متى انتهت؟ انتهت حين أنزل الله تبارك وتعالى الإذن والأمر للنبي بالجهر بالدعوة.
من ثلاث إلى ستة، مرحلة استضعاف شديدة، انتهت بإسلام رجلين كبيرين قويين، هما حمزة وعمر رضي الله عنهما.
من ستة إلى سبعة، من سبعة إلى عشرة الحصار، حصار. من عشرة إلى ثلاث عشرة، البحث عن بديل، أرض بديلة للدولة الإسلامية، وعصبة أنصار وشوكة بديلة عن أهل مكة.
نذهب إلى المرحلة المدنية، عشر سنوات من بداية الهجرة إلى سنة اثنين هجرية التي هي غزوة بدر، مرحلة تأسيس داخلي. من بدر إلى الأحزاب، مرحلة قوة إقليمية عند سنة خمسة هجرية.
عجز التحالف الدولي عن كسر الدولة الإسلامية، وبالتالي وقع الاعتراف في صلح الحديبية سنة ستة للهجرة. من ستة إلى ثمانية، الدعوة الإسلامية التي شملت العرب جميعًا.
سنة ثمانية، فتح مكة، ومن بعدها التوسع العالمي. هذه الخريطة ينبغي أن تكون واضحة في ذهن من يحب دراسة السيرة، لأنه عدم وضوحها سيجعل السيرة في ذهنك مجرد مواقف متفرقة، ما بتعرفش متى حصل هذا ومتى حصل هذا؟ وأيهما كان قبل أيهما؟
وكذلك لا تدري لماذا النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن الرد عن الأعداء في معركة ولم يسير في معركة أخرى. يعني النبي صلى الله عليه وسلم سير جيشًا لأن رجلًا واحدًا قُتل في غزوة مؤتة، وقتل سبعون من صحابته ولم يسير أحدًا، اكتفى بالدعاء.
فإذا لم يكن واضحًا متى كان هذا ومتى كان هذا، لن تستطيع أن تفهم سياسة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك لن تستطيع أن تفهم لماذا ركز القرآن الكريم على هذه الغزوات المحددة: بدر، أحد، والأحزاب، والفتح، وصلح الحديبية. نحن حتى مش هنعرف نفهم لماذا سمى الله تبارك وتعالى صلح الحديبية الفتح المبين.
طب هو هيبقى فتح مبين؟ لماذا يكون فتحًا مبينًا؟ إذا المسلمون لم يقاتلوا وينتصروا ولم يعتمروا. يعني هم خرجوا لماذا؟ لأداء العمرة. أعادوا لهم قاتلوا وانتصروا، ولا هم اعتمروا، فلماذا نسميه الفتح المبين؟
فمن الضروري على دارس السيرة أن تتضح أمامه هذه الخريطة لكي تسهل عليه فهم الأمور.
هذه الخريطة أنا أمهّد بها للكلام عن دخولنا إلى السيرة النبوية. هنا سيلفت نظرنا أمر آخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى قبل البعثة كم سنة؟ أربعين سنة.
والمرحلة المكية كم؟ ثلاث عشرة. والمرحلة المدنية عشرة. ومع ذلك، لا يمكن أن تمسك بكتاب في السيرة إلا وتجد حجم الأحداث معكوسًا. يعني العشر سنوات بتوع المدينة هو الجزء الأكبر من أي كتاب في السيرة.
جزء الثلاث عشرة سنة المكي أقل دائمًا من العشرة. وجزء الأربعين سنة أقل من العشرة وأقل من الثلاث عشرة.
دائمًا ما يكون التأسيس، الأمور الغائرة في الأرض، لا يعني الأعمال التي لا يظهر أثرها، أشد وأهم من الأعمال الظاهرة.
تمام؟ ولذلك تقرأون في كتاب الله تعالى، سيدنا نوح وهو يبني السفينة وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه. صح؟ أصله بالنسبة لقوم نوح يعني ما هذا الهيكل الذي تبنيه؟ مش يعني خلاص انت يئست من الدعوة، فإيه، فاتجننت سخروا منه.
لكن من ينظر بعين الغيب قال: إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون. ولذلك يا شباب، الإنسان لا يؤتي ثماره إلا بالأمور التي كانت مخفية عنده. نحن الآن في ظلال طوفان الأقصى ونرى هذا الجهاد العظيم الذي يحصل في غزة.
النفق الذي تراه الآن، المقاتل الذي تراه الآن ثابتًا شجاعًا يقترب من الدبابة حتى يلصق بها العبوة هذه ثمرة إعداد طويل. بينما كنت أنت تلهو، كان في واحد يحفر النفق، وكان في واحد يعد نفسه بدنيًا، ويعد نفسه روحيًا، يقوم الليل، يصوم النهار، يبحث كيف يصنع هذه العبوة وكيف يقترب بها.
أحد المقالات التي قرأتها مؤخرًا، قال، الله نسيت المصدر الآن، لكن أحد المراكز أو الصحف الأمريكية المشهورة، حرب غزة نموذج في الأسلحة الخفيفة، كيف تعرقل الأسلحة الكبيرة.
إزاي دبابة المركافا التي تتجاوز المليون دولار تهدمها قذيفة لا تتجاوز المئتي دولار؟ القصد ما تراه الآن من العظمة هو نتيجة إعداد طويل وصبر طويل، وربما كم مرة أحد الناس سخر من واحد وهو يسعى في حفر نفق فكان يسخر منه ويقول له: أنت متخيل أن ده اللي هيعمل أو ده اللي هيحرر؟
فالقصد أنه يظل الإنسان مكنوزًا بما أعده لنفسه. فهذا أمر يجب أن نلاحظه في السيرة النبوية. غزارة الأحداث لا تساوي بالضرورة عدد السنوات.
تمام، الأمر الآخر. طبعًا، نحن الآن ما زلنا عند لحظة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. نحن ذكرنا النبي بعث وهو في عام الأربعين. من المواقف اللطيفة والطريفة جدًا التي يذكرها بعض علماء الحديث وبعض علماء السيرة، أنه هذا المعنى من حكمه أن الإنسان لا ييأس أبدًا من التغير، حتى وإن كبر في السن.
وإن طال عليه العمر. يعني النبي عاش ثلاثة وستين سنة، هذه الثورة الهائلة التي حصلت في تاريخ العالم بدأت وهو في الأربعين. لم تبدأ وهو في المراهقة أو في الصغر، فلذلك الوقت لم يفت.
وهذا أمر نجده كثيرًا جدًا في حياة علمائنا من العلماء ومن المجاهدين. تعرفون الكسائي، الكسائي صاحب إمام النحو وإمام في القراءات، ومعروفة قراءة الكسائي. تعلم النحو بعد الأربعين.
جلس في مجلس سخر منه النحاة، فعزم على أن يطلب العلم. الأربعين. الإمام أحمد بن حنبل وجد الرجل معه محبرة، محبرة يعني مثل القلم في وقتنا هذا. قال: تحمل المحبرة، وأنت إمام المسلمين؟ الإمام أحمد في ذلك الوقت يعني في بغداد، عاصمة العلم.
فقال الإمام أحمد: "مع المحبرة حتى المقبرة". يروى عن الإمام العز بن عبد السلام، سلطان العلماء وبائع الملوك، الاسم المشهور في أنه لم يطلب العلم إلا بعد الأربعين.
أحد الأئمة الشافعية الكبار اسمه القفال الشافعي، يعني من يعرفون المذهب الشافعي، يعرفون أن القفال هذا كان شيخ المذهب في خراسان. المذهب الشافعي في مرحلة من تكونه، كان أقطابه منقسمين بين خراسان وبين بغداد.
فشيخ المدرسة الخرسانية كان اسمه القفال. هذا طلب العلم بعد الستة والثلاثين، ذهب شبيبته، كما يذكر عنه العلماء في صناعة الأقفال، وكان ماهرًا فيها، فلذلك سمي القفال، صانع الأقفال.
وهذا كثير. يعني حتى الإمام ابن الجوزي طلب القراءات وهو قد جاوز الخمسة والثمانين سنة. طلب علم القراءات. مما يروى عن أبي الريحان البيروني، موسوعة العرب، أنه وهو على فراش الموت، دخل عليه رجل كانت عنده مسألة في الفرائض، الميراث، فسأله عنها، قال: تسأل عنها وأنت حالك هذا الحال؟
ما يعني هتموت؟ قال: لئن مت وأنا أعلمها خير من أن أموت وأنا أجهلها. طلب العلم.
والمسائل كثيرة تتداعى علي، حتى في الجهاد. يعني ليس فقط أهل العلم، حتى في الجهاد. سيدنا أبو أيوب الأنصاري تعرفونه جميعًا، في جيش القسطنطينية وهو في الثمانين من عمره.
ثمانين من عمره، وهو يجاهد ودفن عند أسوار القسطنطينية. موسى بن نصير فتح الأندلس وهو في الثمانين من عمره. ثمانين من عمره، وهو يجاهد، وكان ينوي أن يفتح بقية أوروبا من الغرب، لكي يصل القسطنطينية من الغرب.
ولم يوقفه إلا لما استدعاه الوليد بن عبد الملك الخليفة، قال له: تعال، تعال. أنت رايح فين؟ لأنه والوليد فعلاً أوقف الفتوح في الأندلس لأنه خشي توغل المسلمين في هذه الديار البعيدة.
تخيل الآن الخليفة في دمشق وجيشه في فرنسا. وأيام الخيول، يا جماعة الخير، أيام الخيول والبريد. اللي هو الآن أمريكا لو دخلت حربين مع بعض، بتتعطل مع كل وسائل الاتصال الحديثة.
الدولة الأموية كانت تفتح في أربعة اتجاهات في وقت واحد. عندنا الهند يفتحها محمد بن القاسم الثقفي، وسط آسيا يفتحها قتيبة بن مسلم الباهلي، القوقاز يفتحها مسلمة بن عبد الملك، والشمال الأفريقي والأندلس يفتحها موسى بن نصير.
فخشي الوليد بن عبد الملك، أوقف طارق بن زياد واستدعاه، قال له: لا، انت حتى ما تقعدش أميرًا على المغرب كما كنت. فاستدعى إلى دمشق.
بس الهمة. طيب، يوسف بن تاشفين، يوسف بن تاشفين عرف الإسلام وهو سنه ستة وأربعين سنة. عرف الإسلام وهو سنه ستة وأربعين سنة، عاش مئة سنة من أربعمائة هجرية إلى خمسمائة هجرية، وقاتل في معركة الزلاقة التي حفزت الإسلام في الأندلس مائة سنة على الأقل.
وهو سنه ثمانية وسبعين سنة. فالوقت لم يفت. الوقت لم يفت. هذه من المعاني اللطيفة التي يتوقف عندها العلماء حين يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث وهو في الأربعين.
فالوقت لم يفت على كل حال. طيب، الإمام ابن حزم، بالمناسبة، أنتم عارفين أنه... ابن حزم طبعًا، الإمام ابن حزم رجل مشهور. ما كانت قصته في طلب العلم؟ بدأ ابن حزم الفقه وهو في السادسة والعشرين.
يعني طبعًا من يقرأ لابن حزم يعرف أنه حافظ نادرة وقوة عقلية ذكية حادة. ومع ذلك، أيضًا دخل قبل دخول المسجد، وهو يروي عن نفسه أنه دخل المسجد فجلس، فقال له أحد الناس: قم فصل ركعتين تحية المسجد.
فصلى ركعتين، وتبع جنازة، ورجع فجلس في المسجد، فرجع للمسجد فصلى ركعتين، فقال له: اجلس، اجلس، ليس هذا وقت صلاة. لأنه كان بعد صلاة العصر.
فنفسية الإمام ابن حزم، يعني صعب عليه هذا الأمر، فطلب العلم، وإذا هو ابن حزم، المذهب الظاهري، هو ابن حزم، يعني صحيح أسسه داوود الظاهري، لكن من جلاه، وأوضحه، وفرع فيه هو ابن حزم.
الخلاصة، لا يستصغر الإنسان، أو لا يستثقل الإنسان أن طال به العمر. طيب، على كل حال، نعود إلى لحظة بدء الوحي. ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاجأه الوحي وذهب إلى السيدة خديجة، ترجف يرجف فؤاده، والسيدة خديجة طمأنته.
وذهبت به إلى ورقة بن نوفل. هنا ورقة بن نوفل، لو تأملنا في كلامه سنجد عددًا من الدروس المؤثرة. ورقة بن نوفل ماذا فعل؟ هو قال كلمتين فقط، قال: "اقرأ علي يا ابن أخي" أو "قص علي يا ابن أخي".
فقص عليه النبي، فقال: "هذا هو الناموس"، الناموس يعني ملك الوحي، هذا في لسان النصارى. ونحن ذكرنا ورقمناه في القيامة، قد تنصر، وقرأ في العبرانية، وكتب الإنجيل بيده.
هذا الناموس الذي كان يأتي موسى عليه السلام، ويا ليتني أكون فيها جذعًا إذ يخرجك قومك. طبعًا النبي يقول: "ومخرجيهم." قال: "ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي."
أنظر هنا تأمل في هذه العبارة البسيطة. هنا، يا جماعة الخير، فضل العلم. ما كان يمكن لأحد أن يكتشف هذا الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم إلا من كان عنده علم.
العلم فوق العقل، العلم فوق العبقرية. يعني الإنسان مهما كان عبقريًا، فهو أقل من عالم. مفهوم؟ الإنسان مهما كان عبقريًا فهو أقل من عالم، من عنده المعلومة أعلى ممن عنده الذكاء بدون المعلومة.
وفي هذا من الأبيات اللطيفة جدًا قول القائل:
علم العليم وعقل العاقل *** اختلف من ذا منهما قد أحرز الشرف العلم ولا العقل فالعقل *** العلم قال: أنا أحرزت غايته والعقل قال: أنا الرحمن بي عرف *** فافصح العلم أفصاحًا وقال له: بأينا الله في قرآنه اتصفا *** ربنا وصف نفسه بأيه في القرآن؟ بالعليم ولا بالعاقل؟
حجة باهرة. فافصح العلم أفصاحًا، وقال له: بأينا الله في قرآنه اتصف. فايقن العقل أن العلم سيده، فقبل العقل رأس العلم وانصرف.
هذه من الأبيات اللذيذة في بيان العلم فوق العبقرية. العلم فوق الذكاء. الظواهر التي يحيط بها العالم، يفسرها على نحو لا يتأتى بالضرورة أو قد لا يتأتى أبدًا للعاقل. تمام؟ طيب.
ولذلك فالزود من العلم أولى وأهم ضرورة من تمرين العقل، وهذا أمر مهم، لأنه كثير من الناس يستصغر شأن الماكثين على العلم. وهذا خطر.
تمام؟ يعني كلما كنت ذا علم، كلما كنت أقرب إلى الهداية. الأمر الثاني، وهو أنه ورقة بن نوفل عرف أن هذا هو الناموس الذي جاء إلى موسى، وبالتالي فإن محمدًا نبي.
وبتلقائية عرف أن النبي صلى الله عليه وسلم سيعاد، وسيُطرَد. فعرف سيرة النبي قبل أن يعرفها النبي نفسه. وهنا أنظر إلى وقع هذه الكلمة على النبي صلى الله عليه وسلم.
طبعًا النبي معروف في قومه بالصادق الأمين، وهو رجل قبل خمس سنوات كان يعني نزع فتيل حرب أهلية كما ذكرنا في حادثة الكعبة، بناء الكعبة. فلم يتصور النبي صلى الله عليه وسلم أن يعاديه قومه إلى الحد الذي يضطر معه إلى الهجرة.
وخد بالك، الهجرة في ذلك الوقت، وفي ذلك الزمن، وفي تلك البلاد، ليست كالسفر والهجرة التي نعرفها في أيامنا. نحن الآن لكثرة ما في بلادنا من المآسي، الهجرة ربما صارت حلمًا يطلبه الناس.
الهجرة يعني الانخلاع من الأهل، ومن العصبة، ومن الشوكة. تشبه مثلًا إذا أحببت أن أقرب الأمر، تشبه التجريد من الجنسية. الآن الإنسان إذا نزعت منه الجنسية، صار بلا وجود، لا يعرف يدخل المستشفى، ولا يعرف يتعلم، ولا يعرف يسافر، ولا يعرف يدرس، ولا يعرف يشتغل، وحتى ممكن ما يعرفش يدفن، لأنه مين ده؟
وطبعًا هذا في بلاد العرب التي كانت هوية المرء فيها قبيلته، وعالم المرء فيها عصبته وشوكته. فما تخيل النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الأذى هذا المبلغ، وهو الصادق الأمين! لكن ورقة قال له: "ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي".
وعلشان كده لازم تعرف برضو أنك إذا لم يكن لك أعداء، فأنت لست بلا رسالة. الله تبارك وتعالى قال: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا".
النبي أكمل الناس، يعني شخصيات الأنبياء، هذه شخصيات الذروة في البشر. ما هو الإنسان المبرأ من النقص ومن العيب، الذي اختاره الله تبارك وتعالى لإبلاغ رسالته.
فإذا كنت بلا أعداء، فأنت بلا رسالة. والمجتمعات أو البيئات قد تقبلك صالحًا في نفسك، لكن لا تقبلك مصلحًا. تفضل موجود كده، فلانة طيب، والله شيخ وجميل وبتاع، ربنا ومن البيت للجامع، ومن الجامع للبيت.
صحيح، إنما تعالى بقى، أصحح! تحول النبي من الصادق الأمين إلى الكذاب، الساحر، الشاعر، الكاهن، المجنون، الذي يفرق بين المرء وزوجه، وبين الأب وابنه، وبين الأخ وأخيه.
ولذلك قال الله تبارك وتعالى كما جاء روى على قصة قول لقمان لابنه: "يا بني أقم الصلاة، وأمر بالمعروف، وانهَ عن المنكر، واصبر على ما أصابك". للبديهة، للبديهة، أقم الصلاة.
حد عنده مشاكل؟ طيب، أؤمر بالمعروف، يعني أؤمر بالشيء الطيب، وانهَ عن المنكر، وانهَ عن الشيء الخبيث. إيه اللي جاب بقى؟ واصبر على ما أصابك.
طالما في أمر بمعروف ونهي عن منكر، فلابد من الصبر. لا، لابد. ونعم، بشمهندس ذكرنا بقول الله تعالى: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر".
هنا يعني من طلب أن تكون له دعوة، وأن تكون له رسالة، وأن تكون له فكرة، فيجب أن يستعد استعداده لتحمل الأذى في سبيلها. لأنه لو كان ينجو من الأذى أحد، لنجا منها أكمل الناس.
تمام؟ يعني كل داعية فيه عيوب، كل داعية فيه عيوب بطبيعته البشرية، وسيتركز الأذى على هذه العيوب. لكن حيث قد وجدنا أكمل الناس، وأنقاهم من العيوب، قد أوذي وأوذي، عرفنا أن أسباب هذه العداوة والآذى ليست مجرد هذه العيوب الشخصية.
جميل؟ طيب، ما زلنا عند لحظة نزول الوحي. نحن الآن، سيكون لدينا يعني لنا وقفات عند هذه الأمور، لأننا بدأنا الآن رحلة الإصلاح. تأملوا يا جماعة الخير، أن الله تبارك وتعالى أرسل رسولًا، أرسله رسولًا، لم يكتفِ بإنزال الكتاب دون الرسول.
صح؟ أرسل رسولًا، أنزل عليه الكتاب. ماذا يعني هذا؟ يعني أن النظرية، الفكرة، الرسالة، الكتاب، لابد له من نموذج عملي يطبقه.
وإلا لو نزل الكتاب ولم يوجد الرسول، لقال القائل: "هذا كلام نظري، هذا كلام غير قابل للتطبيق. هذا أمر لا يطيقه أحد." تمام؟
هذا أمر غامض. لا يمكن أن نفسره، أو لا نستطيع أن نفسره. تمام؟ أحيانًا بيبقى معك الكتاب والرسول، ويأتي المبطل يقول: "إيه كما في قصة بني إسرائيل، إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة."
في حاجة مش مفهومة في العبارة دي. في حاجة مش مفهومة، يا جماعة. لكن من كان في قلبه شيء، قال: "أدعو لنا ربك يبين لنا ما هي. أدعو لنا ربك يبين لنا ما لونها، أدعو لنا ربك يبين لنا ما هي، إن البقرة تشابهت علينا."
الله تبارك وتعالى أرسل رسولًا لكي يكون النموذج التطبيقي والعملي لما جاء في الكتاب. وهذه، يا جماعة الخير، أحد أهم وأقوى الدلائل على أن الإسلام هو دين الله الخاتم.
لماذا؟ لأنني ذكرت ذلك في المجلس الماضي، ولكن لا بأس من تكراره هنا. لأنه لا يعرف تاريخ نبي على وجه من التفصيل إلا نبينا صلى الله عليه وسلم.
يعني من آمن بأن لهذا الكون إلهًا، ومن آمن بأن البشر يجب أن يسيروا نحو منهج، لن يجد سيرة مفصلة لهذا الهادي إلا نبينا صلى الله عليه وسلم.
النصارى لا يعرفون شيئًا عن حياة عيسى إلا مواقف متفرقة. اليهود لا يعرفون شيئًا عن حياة موسى إلا ما جاء في التوراة، ودون إثبات هذا بأي منهج علمي.
خرق القتاد، الانقطاعات في أسانيد التوراة والإنجيل، تمتد إلى أربعمائة سنة. فالنبي الوحيد الذي قال: "أنا رسول من عند الله"، وظلت حياته نموذجًا للتطبيق هو نبينا صلى الله عليه وسلم.
جميل. إذن، هذا درس أول، أن الكلام النظري لابد له ممن يطبقه عمليًا. ولذلك عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن رسول الله قالت: "كان خلقه القرآن".
كان قرآنا يمشي على الأرض. مهما حكيت، نحن الآن برضه نستفيد من أننا الآن في ظلال طوفان الأقصى، كل ما كنا نحكيه عن الصحابة من بطولات، أن أغلب الناس كان يتصوره خيالًا ولا يقع في ذهنه وفي روعه أن هذا يمكن أن يحدث.
فلما رأوه متجسدًا أمامهم في بشر في زمانهم، صار الأمر أقرب إلى التصديق، وصار الأمر أقرب إلى التطبيق. أن ترى من، يعني، يصاب، يسجد حتى يموت شهيدًا، أو من قطعت يده، فإذا هو يجاهد باليد الأخرى، أو من كان مصابًا في رأسه، فإذا وهو مصاب يقاتل ويجاهد.
رؤية الناس للنماذج العملية تقرب منهم المنهج المكتوب في الكتاب. ولذلك كان لا بد أن يرسل الله تبارك وتعالى رسولًا.
ومن هنا رد الله على المشركين حين قالوا: "وقالوا: لولا أنزل عليه ملك"، أو قالوا: "لو أرسل الله ملكًا". فالله تبارك وتعالى يقول: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلًا".
يعني حتى لو نزل من السماء ملك، قل: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين، لنزلنا عليهم من السماء ملكًا رسولا. فلابد أن يرسل في الناس وأن يدعو الناس رجل له مثل خلقتهم، وله مثل طباعهم، وله مثل، وله مثل، هم أقرب إلى الفهم منه والأخذ عنه.
الأمر الثاني في أن الله أرسل رسولا، وهو أمر مهم، بل هو في لحظتنا هذه، هذه شديد الأهمية. الأمم تظل ضائعة، يا جماعة الخير، تظل ضائعة حتى يبعث فيها القائد الذي يقودها.
طوفوا، اسمعوا، كاد كل تغيير أن يكون قائدًا، كاد كل إصلاح أن يكون قائدًا، كاد كل إفساد أن يكون قائدًا. يعني هناك شخص هو من بذر البذرة، الشخص القائد، الشخص المؤسس.
نحن ذكرنا أصلاً الأصنام التي انتشرت في جزيرة العرب، إنما انتشرت على يد واحد، عمرو بن الحي الخزاعي، وهو ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه في النار لأنه أول من أدخل عبادة الأوثان وغير الملة الإبراهيمية.
في جزيرة العرب، المسألة الساطعة الواضحة في مسألة القيادة هذه جاءت في قصة طالوت التي نقرأها في سورة البقرة. القوم من بني إسرائيل من بعد موسى، هؤلاء قوم من بني إسرائيل هزموا وطردوا وانتزعت منهم مقدساتهم.
فلما وجدوا أنفسهم مشردين، أول ما طلبوه إيه؟ القائد. ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم: "ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله". تمت قتلهم، يا جماعة الخير، من غير الملك ينفع؟ لا يصلح الناس فوضى.
لا صراط لهم ولا صراط إذا جهالهم سادة. ولذلك الذي عمال ينادي الشعوب أن تتحرك، أو يعني يسب الشعوب أنها لا تتحرك، الله تبارك وتعالى يرسل رسولًا، لا يرسل شعبًا، لا يرسل مجموعة، لا يرسل أمة.
كاد كل تغيير أن يكون قائدًا. هناك دائمًا شخص هو الذي يستطيع توظيف هذه الطاقات المحيطة به. ستفاجئون في قصة طالوت بأنه القائد كان موجودًا بينهم بالفعل، القائد كان موجودًا بينهم بالفعل، ولكن لأن معاييرهم في القيادة معايير فاسدة، لم ينتبهوا له.
ما الذي حصل؟ قال لهم نبيهم: "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا". ولهذا طبعًا، معقول. قالوا: "أنى يكون له الملك علينا؟". وده إزاي، إن شاء الله؟ كيف يكون له الملك علينا، ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال!
شف بقى الأفكار الفاسدة. حين عمت القوم، صرفتهم عن أن يروا مواهب القيادة الموجودة في طالوت. ثم انظر إلى دقة الآية، هم بني هؤلاء قوم من بني إسرائيل، هذا الجيل من بني إسرائيل لما ذهبوا للنبي، قالوا له: إيه؟ ابعث يعني اختار. لكن النبي لما جاءهم بالاجابة، قال لهم: إيه؟ قال لهم: "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا."
ومع ذلك، ومع أن الله قد بعث، لم يستوعبوا. طيب، انظر إلى أنه طالوت حين لم يكن في موقع القيادة، كان القوم مهزومين ومشردين. وهو كان مشردًا معه، وهو مطرود معهم، لكن لما تولى هو القيادة، تغير الحال وقادهم هو إلى النصر.
مع أنه قادهم بالقلة، بقلة قليلة منهم. فلذلك، يا جماعة الخير، الأمة المستضعفة، الأمة المهزومة، أحوج ما تحتاج إليه دائمًا هو القائد.
ويعني ما أريد الآن أن أطيل في يعني خرافات مثل القيادة الجماعية والمجالس القيادية الائتلافية. أنا ده كلام إيه؟ ده كلام ربما يصلح مثلاً في أمم مستقرة، ربما.
يعني على جدال ونقاش في هذا، لكن أمة مستضعفة أول ما ينبغي أن تبحث عنه هو هذا القائد. ولذلك تخيل، تخيل لو لم يكن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، هذه الأسماء الكبيرة التي لمعت في تاريخ البشر، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد. ماذا كانوا يكونون؟ بدون القائد.
ماذا كانوا سيكونون؟ أحسن شيء يكونون فيه أن يكونوا مثل يعني حكماء داخليين محليين في قبيلة قريش التي لا يسمع عنها أحد ولا يتوقف عندها التاريخ. وجود القائد هو الذي أثار عوامل النهوض، وأثار الطاقة المكنوزة، المطمورة، المخزونة في هذه المجتمعات، وفي هؤلاء الناس.
فالله تبارك وتعالى حين بعث رسولًا، يجب أن ننتبه إلى أنه لم يبعث أمة، لم يبعث مجموعة، وإنما بعث رسولا فردًا. تمام، طيب.
إذا تأملنا في الآيات الأولى التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم".
يجب أن نقول أولًا بأن كل شيء ارتبط بالقرآن صار مباركًا. الليلة التي نزل فيها القرآن صارت خير الليالي. "إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر".
ليلة القدر خير من ألف شهر. الشهر الذي نزل فيه القرآن، يلا، ده أوبشن جديد. والله، بخير. الشهر الذي نزل فيه القرآن صار خير الشهور، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.
الرسول الذي نزل عليه القرآن صار غير الرسل. فكل ما ارتبط، كل شيء ارتبط بالقرآن صار مباركًا. فلذلك من الوصايا التي حفظناها عن مشايخنا حين ينتهي شهر رمضان أن يقول لك: "إنما عظم رمضان لأنه نزل فيه القرآن، ولم يعظم القرآن لأنه نزل في رمضان".
فينبغي أن يكون لك حظ ونصيب من القرآن الكريم. وهذا كلام سيأتي معنا، ولكن هنا أتكلم عند قوله تعالى في أول آية: "اقرأ باسم ربك الذي خلق". مما استفدته من شيخنا الغالي الحبيب الأسير الشيخ حازم أبو إسماعيل فك اللهأسرة.
هذا المعنى العالي الذي سأذكره لكم الآن. فالشيخ حازم كان يقول، طبعًا، نحن نعير بأننا أمة جاهلة، وأمة لا تقرأ، وأمة "اقرأ لا تقرأ". تمام؟
وأول أمر نزل الأمر بالقراءة. الشيخ حازم يقول: لا، القراءة المقصودة في الآية ليست هي القراءة بمعنى أنك تستطيع أن تفهم المكتوب، وإلا لو كان هذا هو الأمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو أمي لا يقرأ.
هل يعقل أن النبي خالف الأمر الأول الذي نزل إليه؟ النبي ظل إلى نهاية حياته لا يستطيع أن يقرأ المكتوب. إذاً لابد أن يكون هذا "اقرأ باسم ربك" له معنى آخر.
والمعنى الآخر، يا جماعة الخير، هو: "افهم، انظر، اقرأ ما في هذه الحياة باسم ربك". يعني انظر وتأمل وافهم بالوحي الذي يوحيه إليك ربك.
هذا المعنى يسمى في الدراسات الحديثة فلسفة العلوم. فلسفة العلوم أمر فوق العلوم. بالمثال يتضح الأمر الآن، صلوا على النبي.
من الأمثلة التي أحب أن أضربها لأنها واضحة جدًا: علم الاقتصاد. علم الاقتصاد إذا درسته في أي مدرسة غربية، أي كلية غربية. إيه تعريف الاقتصاد؟ الاقتصاد هو العلم الذي يحاول أن يحل المشكلة التي تقول: إن الموارد محدودة، والحاجات غير محدودة.
فعلم الاقتصاد هو العلم الذي يحاول إشباع الحاجات غير المحدودة من خلال الاستثمار الأمثل للموارد المحدودة. يعني علم الاقتصاد ده وجد مشكلة في الكون، في الطبيعة، في الدنيا، أنه عندنا موارد قليلة، وعندنا حاجات ومطالب كثيرة.
علم الاقتصاد ده هو اللي بيحاول نستثمر هذه الموارد أفضل استثمار لكي نغطي أكبر قدر ممكن من الحاجات. النظرة دي هي التي اسمها فلسفة العلوم. الرؤية الأولى. طيب، علم الاقتصاد في الإسلام على النقيض من هذا، لأن المسلمين يؤمنون بأن الله تبارك وتعالى حكيم، خبير، لطيف، عليم.
فالله حين خلق كل مخلوق، أوجد له رزقه. وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض. ولو أن أهل القرى آمنوا وآتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.
إذن، التصور الإسلامي أن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقًا إلا وقد جعل له رزقًا، طيب، إذاً مضطر إلى التوقف، ما شاء الله، هذا تنبيه، طيب، جيد.
عشر دقائق ثمينة، والله يجب أن يكتمل المعنى، يعني، صلوا على النبي.
إذن، المسلمين لا ينظرون أبدًا إلى أنه الكون فيه مشكلة ندرة في الموارد. المسلمون يؤمنون بأن الله خلق لكل خلق رزقه. طيب، وبالتالي، فحين يظهر في العالم في الدنيا فقراء وأغنياء، وحين يظهر ناس لا تجد، تموت من الجوع، لا تجد أكلًا، حين يظهر هذا، العين الإسلامية التي تقرأ باسم ربه كيف تفسر هذا المشهد؟
يفسره بأن هناك ظلم وفساد وقع جعل هذا الخلق لا يصل إليه الرزق. ويتذكر قول الله تعالى: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون". ويتذكر هذه الآية: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا".
إذًا، أهل القرى، أي طالما ما فيش بركات. إذًا، أهل القرى لم يؤمنوا ولم يتقوا، وبالتالي، فيكون سعي علم الاقتصاد الإسلامي أن يبحث في أين وقع الفساد؟
هل وقع الفساد من جهة الإسراف في الموارد، تمام، فخالفنا قول الله تعالى: "ولا تبذر تبذيرًا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورًا"؟
خالفنا قول الله تعالى: "ولا تبسطها كل البسط". يبقى العقل المسلم، النظر المسلم من يقرأ باسم ربه، سينظر في مشكلات العالم ليبحث عن سر الفساد الذي وقع، فأخل بالتوازن الذي خلقه الله.
لكن الغربي، أو غير المسلم، أو من لا يقرأ باسم الله، سينظر بأنه هذا المشهد مشهد طبيعي. احنا طالما الموارد محدودة والحاجات غير محدودة، فالموارد لا تكفي كل الناس.
ويتطور مدرسة الاقتصاد الغربي إلى ابتكار حلول توافق هذه الرؤية. لذلك، الاقتصاد الغربي يرحب جدًا أحيانًا بالحروب وبالابادات، ويرحب بالزلازل والبراكين والأعاصير، ويرى في الزلازل والبراكين والأعاصير نوع من تصحيح الطبيعة للأوضاع.
ما هي؟ بتشيل ناس. وبالتالي، بتقل الإيه؟ الحاجات. طيب، إذا الطبيعة ما تدخلتش وما جابتش زلازل وأعاصير، نعمل حروب، نفكر في تحديد النسل، نفكر في تعقيم النساء.
يعني نجعل النساء عقيمة. نجعل المرأة عقيمة. نفكر في تأخير سن الزواج. أوه، احنا لو كل ما اتجوزنا بدري، هنخلف أكتر، فنفكر في تأخير، نفكر في منع الإعانات عن الفقراء.
ما هو دلوقتي لو فقير وعنده إعانات، هيعمل إيه؟ هيخلف تاني، طبعًا، وهيطلع لنا الأستاذ طبيب الفلاسفة، يقول لك: "أنت مش عندك فلوس تتجوز؟ يبقى ما فيش تموين".
تمام، فعلى فكرة، الذي أقوله بهذا الشكل، دي دراسات مكتوبة، نظريات، ويعني نظريات وسياسات وإجراءات اتخذت للتخلص من أعداد هائلة من البشر.
لأن الطبيعة لا تحتمل كل هذا العدد من البشر. فاقرأ باسم ربك، ليس معناه أن تفهم الكلام المكتوب. معناها أن تنظر في العالم، في الظواهر، في الأمور باسم ربك.
تمام؟ يعني مثلًا المبدأ الغربي أو المبدأ المنتشر في الحضارة الغربية، مبدأ أن العلم... طبعًا، هذا متأسس على أسطورة يونانية قديمة اسمها أسطورة بروميثيوس.
الفكرة اليونانية القديمة المنتشرة حتى الآن في العلمانية، أنه العلم ده صندوق أسود. شيء مجهول، سواء في إله يملك هذا الصندوق أو ما فيش إله.
فالإنسان كلما اكتشف جديدًا من العلم، استطاع أن يسيطر بشكل أفضل على الكون. تمام؟ فعند اليونانيين والوثنيين ومن ينحو نحوهم، إذاً، العلم ده صندوق أسود، كلما الإنسان خد منه شوية، كلما الإله نقص منه شوية.
يعني هو دلوقت فيه علم، تمام؟ الإله ده محتفظ به علشان يسيطر على الكون. فكل حد بيحاول ياخد شوية من العلم، هو بيعمل إيه؟ يعادي الله، وداخل معه في المنافسة.
لكن لكن الإنسان سينتصر في النهاية. طبعًا، دي العقيدة اللي عندهم. فبالتالي، الإنسان كلما تعلم علمًا، سيطر أكثر، وبالتالي، يضعف شأن الإله. إلى أن نصل إلى اللحظة المثالية، أن يصير الإنسان إلهًا، ويبقى عنده القدرة التامة على التحكم في الكون.
وهذه هي الحفاوة بالتقدم العلمي. سواء كان فيه إله عند الوثنيين وعند أصحاب الأساطير، أو ما كانش فيه إله عند الملحدين. فهم برضو عايزين يوصلوا للحظة يفهموا فيها قوانين الكون، لكي يستطيعوا فيها إيه؟ التحكم في الكون.
لكن المسلم نظرته مختلفة تمامًا عن هذا العلم هنا موضع صراع بين الإنسان وبين الإله. والإنسان عايز يوصل لمرحلة الألوهية، علشان يتحكم في الناس وفي الكون.
لكن المسلم يرى أن كل علم سيق إليه إنما هو فضل من الله، وعلم آدم الأسماء كلها، وأمره بتقوى الله.
فالله حين خلق كل مخلوق، أو وجد له رزقه. وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ولله خزائن السماوات والأرض.
هذا هو معنى القراءة، وهذا هو المعنى الأليق بأن يكون أول ما نزل من كتاب الله تبارك وتعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم".
ومع ذلك، لابد أن يكون هذا "اقرأ باسم ربك" له معنى آخر، وهو: "افهم، انظر في العالم بما فيه، وادرسه باسم ربك".
هذا الأمر، يا جماعة، سيعود بنا إلى الحديث عن تعاليم الكتاب، وما جاء فيه من الأمور.
فإن شاء الله في المجلس القادم نحتاج أن نتوقف وقفة مع القرآن الكريم، لماذا كان نزول القرآن الكريم حدثًا هائلًا، ولماذا لا نشعر نحن الآن بجمال القرآن الكريم، يعني لماذا كان العربي في ذلك الوقت إذا تليت عليه الآية، صدمته ووقف أمامها حائرًا، نفس هذه الآية حين تتلى علينا الآن، لا نتوقع، لا نفهمه، تمام؟
فأسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.