مقاصد متن المنهاج | الشرح المختصر 01 | 2-3 | أحمد السيد
الباب الخامس: باب في مركزيّة التزكية في حياة المؤمن وأهمية أعمال القلوب، وأن عليهما مدار الفلاح.
بالنسبة للباب، فهذا بابٌ يعني، دعنا نقول، مهم جداً، وهو نابع عن مرجعيّة الوحي. الآن، قد انتهينا من الأدلة المباشرة في تثبيت مرجعية الوحي وبيان عظمتها، أليس كذلك؟
انتهينا من الأدلة المباشرة، والآن سنأتي. يعني هو، ترى، بقيّة الكتاب هو كله نابع من الأبواب الأولى، أي نتيجة تعظيم مرجعية الوحي والاستمداد منها، والاستهداء بها، والاستنباط منها، وإلى آخره.
فإننا سنخرج بمجموعة من القضايا المستمدة من الوحي، والتي ينبغي تعظيمها والانطلاق من خلالها.
طبعاً، لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، لجعلت الباب ليس الباب التالي الذي هو مركزيّة شرف العلم، وإنما الباب الذي يليه، الذي هو باب في أن الدين على مراتب متفاوتة، لجعلته هنا بعد باب ضبط الأفهام على معيار الوحي، لأن هذا الباب هو الباب الوحيد تقريباً الذي بقي متعلقاً بمرجعية الوحي بشكل مباشر.
فالأبواب الأولى في تعظيم مرجعيّة الوحي، وتثبيت مرجعيّة الوحي، وتعزيز مرجعيّة الوحي، وكيفية تلقي مرجعيّة الوحي، ثم باب ضبط. عفواً، إن الدين على مراتب متفاوتة، هذا يأتي في فقه مرجعية الوحي.
فما بعد ذلك المفروض من الأبواب في الكتاب كله، كلها كلها، تطبيق لمرجعية الوحي. مكانه وإيش وفقه. طب وين الباب المتعلق بفقه مرجعية الوحي لم يأت بعد الذي هو في أن الدين على مراتب؟ واضح فكرة.
فباب في أن الدين على مراتب. من هنا، نحن أخذنا قضية المركزيات. دائماً واحد يتكلم عن مركزيات الدين، مركزيات الشريعة، من أين أخذها؟ أخذها من معنى أن الدين أصلاً على مراتب، فهناك ما هو أهم من غيره من الدين نفسه. جيد، ومنه ماذا؟ الباب الذي معنا الذي هو إيش؟ مركزيّة التزكية.
فهذا الباب، يعني، ممكن في الطبعات القادمة، باب في أن الدين على مراتب، ممكن نضعه بعد، قبل باب مركزيّة التزكية، فيكون ما بعد باب إن الدين على مراتب، كله تطبيق للأبواب الخمسة الأولى.
كم هي؟ خمسة.
أما الواقع المتصل بالفرد في ذاته، في استقامته، في ثباته، فتن الشهوات، فتن الشبهات، وأما الواقع المتصل بالإصلاح والمشكلات المرتبطة بالأمة.
فالكتاب في أبوابه روعي فيه من حيث الواقع، أن يكون هذا الواقع إما متصلاً بمشكلات الاستقامة الفردية أو متصلاً بمشكلات الأمة والإصلاح. واضح الفكرة.
طيب، في مركزيّة التزكية. التزكية هي أول المركزيات المطبقة في هذا الكتاب، وأن عليها مدار الفلاح وأهمية أعمال القلوب، وأن هذه القضية قضية في غاية الأهمية وفي غاية الخطورة، نعم.
قال الله تعالى: "قد أفلح من زكاها"، وقال سبحانه: "جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وذلك جزاء من تزكى". وقال سبحانه: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء".
وقد وصف الله تعالى وظائف رسوله التي بعث بها، فجعلت التزكية أساساً فيها، فقال: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم". وقال، كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم.
نعم، بالنسبة للأحاديث، لا تقرأ الأرقام اختصاراً.
طيب، بالنسبة لهذه الآيات، أولاً قد أفلح من زكاها. هذه، إيش علاقتها بمركزيّة التزكية، إنها معظمة. أتت في سياق تعظيم كبير وشديد، وهو القسم الذي قبله. قسم أقسام متتالية: "والشمس والقمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، ونفسي وما سواها، فالهما فجورها وتقواها".
قد أفلح من زكاها. فهذا بحده يعتبر دليلاً كافياً في قضية مركزيّة التزكية. وبقيّة الآيات كذلك، خاصة الآية الثانية: "وذلك جزاء من تزكى"، إن جعلت الجنة ثمناً للتزكية، أو وجود التزكية ثمناً للجنة.
وكذلك في كونها من وظائف النبي صلى الله عليه وسلم الأساسية، يتلو عليهم آياته ويزكيهم. نعم، الأحاديث عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: "التزكية بمفهومها المعلوم، التي هي مفهوم فيه شق بنائي يعني وجودي بنائي، وفي شق متعلق بالنفي والتطهر والتخلص".
في التزكية بشقيها، وهنا تنبيه، إنه بعض أصحاب السلوك، حتى ممن ألف في السلوك وفي التزكية، ركز على جانب التخلي، جانب التخلص من الأمراض والتخلص حتى وصلت إلى قضية مراقبة الخطرات التي تخطر على القلب وما إلى ذلك. وهذا في الحقيقة ليس هو الأمر المركزي في التزكية، أو هو، دعنا نقول، فيه تركيز على جانب من جوانب التزكية.
والأصل في الجانب الأساسي هو جانب بنائي في التزكية، يعني التزكية فيها أمر مقصود لذاته، أن تزيده في نفسك، ثم فيها أمر مقصود، أن تبعده عن نفسك أو عن قلبك. فلا يكتفى في التزكية بجانب الإبعاد والتطهير، وإنما ينبغي أن يركز فيها على جانب البناء والزيادة والنماء.
وأهم ما يدخل في جانب الزيادة والنماء والبناء، ما هو؟ أعمال القلوب: التوكل، الاعتصام، الخشية، المحبة، الإخلاص، اليقين. هذه أعمال مقصودة لذاتها، من أهم ما يدخل في التزكية. ثم بعد ذلك التخلص من أمراض القلوب وأدواء النفوس، وما يدخل في ذلك من العجب، والكبر، والشك، والرياء، والنفاق، وما إلى ذلك.
وهذا لا بد من التكامل بين الأمرين، وعدم التركيز على أحدهما دون الأخرى. وهناك خلل كبير عند طوائف من المتناولين لقضايا التزكية، سواء خلل في جانب البناء أو الخلل في جانب التطهير. ليس هذا موضع ذكري.
نعم، الأحاديث عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: "لا أقول لكم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم آت نفسي تقواها، وزكها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها".
أخرجه مسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان الحِزاوره، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فأسعدنا به إيماناً".
أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التقوى ها هنا"، ويشير إلى صدره ثلاث مرات. أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن انظروا إلى قلوبكم وأعمالكم".
أخرجه مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
أخرجه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "ما كان بين إسلامنا وبين عتبنا الله بهذه الآية: (ألم يكن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)".
أخرجه مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: "إنما نزل أول ما نزل منه، أي القرآن، سورة من المفصل في ذكر الجنة والنار، حتى إذا خاب الناس إلى الإسلام، الحلال والحرام، لو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: الزنا أبداً".
لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا لجارية ألعب بالساعة، موعدهم والساعة أدهى وأمر. وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده. أخرجه البخاري.
هذه الأحاديث تبين مركزيّة التزكية وقيمتها ومكانتها من وجوه. أولاً: إنها دعاء من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على عظمتها ومكانتها، "آت نفسي تقواها، وزكها، أنت خير من زكاها".
ومن الوجوه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدمها في التعليم، وهذه تكلمت عنها بشكل مفصل أو يعني متوسط قبل قليل في باب تلقي القرآن على منهاج النبوة في الشرح، بيصير بصيغة أكبر. هذا الحديث الآن مكرر، طبعاً، الكتاب المثل ليس في أحاديث مكررة إلا نادراً، يمكن حديث أو حديثين، تقريباً، هذا من الأحاديث المكررة لأهميته ومناسبته لقضية مركزيّة التزكية.
هكذا يقول جندب: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاوره، فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن". أول موضوع، أول موضوع في الحلقات القرآنية في المحاضر التربوية، أول موضوع ينبغي أن يؤسس هو الإيمان، التزكية، إصلاح القلوب. هذا أول موضوع. وكما قلت، يدخل فيه مركزيّة الآخرة، يدخل فيه العلم بالله، يدخل فيه حقائق القرآن الكبرى، يدخل فيه قضية الأعمال القلوب. هذا أول الموضوعات، وهذا وجه إخراج الحديث في باب مركزيّة التزكية.
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "التقوى ها هنا"، يعني هذا محل التقوى، هذا الأساس، ويؤكده حديث: "إذا صلحت صلح الجسد كله، هذا هو الأساس، وهذا هو المنطلق".
وكذلك حديث عائشة الأخير حديث عجيب ومهم، ويستفاد منه في الخطاب الدعوي وفي الخطاب التربوي والإصلاح، كيف أن الله سبحانه وتعالى راعى النفوس، وهذا أمر في غاية الخطورة والأهمية بالنسبة للمتفقه، كيف أن الله سبحانه وتعالى، وهو الذي أيد نبيه بالمعجزات والآيات، ومع ذلك لم ينزل الدين جملة واحدة، وراعى التدرج بحيث إن القلوب تتهيأ لتلقي الأمر والنهي، كما نعلم أن عامة الأمر والنهي الذي نزل في الدين نزل في المدينة، أليس كذلك؟
وكما قالت عائشة هنا رضي الله تعالى عنها: "إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، وهذا نتحدث عنه في قضية تهيئة القلوب والإيمان، حتى إذا تاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام".
الباب السادس: باب شرف العلم النافع وفضله وذم من لم يعمل بعلمه.
هذا الباب يأتي في سياق أن الأبواب ستأتي متتالية في ذكر الأمور المركزية والمهمة جداً، خاصة باستصحاب ما ألف الكتاب أو جمعت الآيات والأحاديث لأجله في هذا المتن، وهو الشاب المسلم الذي يسعى للثبات وللوصول إلى الله سبحانه وتعالى في ظل هذا الواقع، ويسعى لأن يكون كذلك مؤثراً ومصلحاً.
فمن مركزيات ما ينبغي أن يعتني به هو ماذا؟ العلم. نعم، قال الله تعالى: "وقل ربي زدني علماً"، وقال سبحانه: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، وقال سبحانه: "إنما يخشى الله من عباده العلماء".
الحديث واضح. عن معاوية رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يريد الله به خيراً يفقهه في الدين". أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". أخرجه مسلم.
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". أخرجه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فؤتي به، فعرفه نعمة، فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار".
ورجل تعلم العلم، تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمة، فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار".
والرجل وسعى الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به، فعرفه نعمة، فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار". أخرجه مسلم.
هذا الباب فيه ذكر أمرين أساسيين رئيسيين متعلقين بالعلم. الأول في ذكر فضله ومكانته، وما ينبغي أن ينتج عنه من الخشية والإيمان والعمل. الأمر الثاني في ذم من لم يتعامل مع العلم بناءً على هذه المقاصد، يعني في ذم من لم يتعامل مع العلم تعامل الذي يريد أن يحقق من خلاله الخشية، والذي يريد أن يحقق من خلاله الالتزام بمقتضى هذا العلم من العمل.
فالعلم في ذاته شريف، ومأمور به، ولابد أن نفهمه أو نعمل به، أو نحقق مقاصده. ثم بعد ذلك، إذا لم يتحقق ذلك في الإنسان الذي يطلب العلم، فهو مستحق للذم، بل ومستحق للعذاب إذا وصل إلى قضية ما ذكر في حديث أبي هريرة من أنه لم يتعلم العلم إلا ليقال.
وفي الآيات إشارة إلى هذا: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، وفي قوله سبحانه وتعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". وهذه الآية آية عظيمة مذكورة في سياق العمل، لأنه هذه الآية هي ختام، أي آية؟ أيش بداية الآية؟ "أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه".
"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". يعلمون ماذا؟ المحتاج إليها اليوم في الواقع الإصلاح المتعلق بإضافة العلوم المتعلقة بالآخرة إلى سياقاتنا التعليمية الشرعية، وإعطائها المكان الكبرى والأهمية القصوى، لا ينبغي أبداً أن يمر الطالب على العلوم الشرعية ويدرس المتون والشروح والحواشي، وهو لم يمر أو لم يعتنَ اعتناءً مستمراً ودائماً بالعلم الذي يصلح قلبه.
ومتى ما اعتبر داخل نفسه، هذا الطالب طالب العلم، متى اعتبر داخل نفسه أن تلك العلوم ليست بتلك القيمة، كما هي العلوم المتصلة مثلاً بالفقه ومسائل المصطلح وما إلى ذلك، فليعلم أنه لم يفقه دين الله سبحانه وتعالى.
لابد أن يكون للعلم المتعلق بالله من جهة تعظيمه، والتعرف عليه، وخشيته، والعلم المتعلق بالآخرة، ما يرتبط بالجنة والنار، والعلم القائد إلى الخوف أو الخشية، ما لم يعطَ الأهمية من الأهمية والمكانة مثل ما للعلوم المتصلة بالشريعة والأحكام من أهمية، فهذا فيه إشكال كبير جداً.
طيب، الباب التالي: الباب السابع: باب في أن الدين على مراتب متفاوتة في الأمر والنهي والخبر، وأن الفقه في الدينية والدعوة تبع لإدراك هذه المراتب.
نعم، هذا الباب الذي قلت لو كان الباب الخامس يكون أولى في الترتيب، لأنه هذا الباب يتأسس عليه فكرة المركزيات.
هذا الباب يتأسس عليه فكرة المركزيات، وكما قلت هي، يعني، دعنا نقول، فكرة أساسية ومهمة جداً، لأن هذا يعني، دعنا نقول، الكتاب المتن فيه التطبيق العملي، التطبيق العملي لقضية المركزيات. مركزيات الدين.
ومراعى فيها المركزيّة القضائية من جهة كونها مركزيّة في الشريعة، ومن جهة كونها إيش؟ مهمة في الواقع.
ومتى ما اجتمع في الأمر أن يكون مركزياً في الدين، ومهما في الواقع من جهة وجود المخالفة والإشكال والاحتياج، كان ذلك أولى ما ينبغي العناية به.
كان ذلك أولى ما ينبغي العناية به، وإن كان، ولو كان مركزياً في الشريعة وحدها، ولو لم يكن فيه المخالف في الواقع، فهو حريٌ بالعناية والاهتمام.
جيد، لكن الأولوية كذلك تزداد إذا كانت المشكلة منتشرة في الواقع.
فهذه المركزيات، الواحد دائماً يكرر قضية المركزيات، المركزيات، البعض قد يظن أنها، يعني، عبارة عن، يعني، دعنا نقول، اجتهاد شخصي، ولا رأي، القضية ليست كذلك، وإنما القضية أساس قضية تفاوت الأمر والنهي والخبر، وأن هناك أولويات في الدين ينبغي العناية بها.
هو أساس شرعي، أين مستنده؟ مستنده في هذه الآيات والأحاديث التي ذكرت. وإن كانت هذه، يعني، الآيات والأحاديث التي تعتبر قليلة جداً بالنسبة لما هو موجود في الكتاب والسنة من تطبيق هذا العام.
لو نلاحظ أن باب في أن الدين على مراتب متفاوتة، في كم شيء أو كم قضية؟ ثلاثة: الأمر والنهي والخبر.
إذاً، الآيات والأحاديث ستكون بعض منها متعلقة بإثبات التفاوت في الأمر، وبعضها بإثبات التفاوت في النهي، وبعضها بإثبات التفاوت في إيش؟ في الخبر، وأن الفقه في الدين تبع لإدراك هذه المراتب. ومن ثم إجراء العمل على ضوء هذا التفاوت.
واضح.
طيب، يعني هنا كم هناك مطالب متعددة في الباب المفترض أنها تتحقق من خلال الآيات والأحاديث. طبعاً، أنا حقيقة حريص في هذا المتن أنه الأصل أن تكون الدلالة واضحة ومباشرة في الآيات والأحاديث، غير متكلفة.
جيد، في أنه تكون الآيات والأحاديث دالة على مضمون الباب. فهنا الباب يتحدث عن التفاوت في الأمر والنهي والخبر، وأن الفقه في الدين في إصابة هذه المراتب.
جيد، فستكون الآيات والأحاديث شيء منها في إثبات تفاوت في الأمر، في إثبات تفاوت في النهي، وشيء منها في إثبات تفاوت الخبر، وشيء منها في إثبات إيش؟ أن الفقه في الدين تبعٌ لإدراك هذه المراتب.
طيب.
نعم، قال الله تعالى: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم". وقال الله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
وقال سبحانه: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه، نكفر عنكم سيئاتكم".
عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر، أي أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال: فضرب في صدري، وقال: "والله! ليُهلك العلم أبا المنذر". رواه مسلم، والعلم الممتدح هنا هو المتعلق بإدراك أعلى الآيات القرآنية.
مرتبة عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: "كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أجيبه، قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي". فقال: "الم يقل الله: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم؟". ثم قال: "لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد". ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل: لا أعلم أنك سورة هي أعظم السور في القرآن؟ قال: "الحمد لله رب العالمين، هي سبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته".
رواه البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أي العمل أفضل؟" فقال: "إيمان بالله ورسوله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور". أخرجه البخاري ومسلم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان". أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عاد لي ولياً فقد أذنته، فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
أخرجه البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
أخرجه البخاري ومسلم.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر، أيها الرجل، والديه". قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه".
أخرجه البخاري ومسلم.
عن ابن مسعود رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فإنهم أطاعوا لك بذلك، فاخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإنهم أطاعوا لك بذلك، فاخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم". أخرجه البخاري ومسلم.
هذا الباب، كما أسلفت، فيه إثبات هذه الأمور الثلاثة، التي هي إثبات الأمرين، إثبات التفاوت في الأمر والنهي والخبر، وإثبات أن الفقه في الدين تبع الإدراك هذه المراتب.
طبعاً، عندنا في إثبات التفاوت في الأمر، إيش النصوص الواردة فيه؟
في الأمر، أي عمل عملي أفضل؟ فقدم ماذا؟ الإيمان، ثم الجهاد، ثم الحج، أليس كذلك؟
وكذلك، إيش من النصوص في التفاوت الأمر؟ "بني الإسلام على خمس". صح؟
طيب، وكذلك تقديم الفرائض على النوافل في "وما تقرب إلي عبدي". طيب، بالنسبة للتفاوت في النهي، أول شيء الآيات: "الذين اجتنبوا كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم".
وإن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم".
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات".
وكذلك "إن من أكبر الكبائر". أليس كذلك؟ واضحة في إثبات التفاوت.
جيد. في النهي. طيب، التفاوت في الخبر، أي آية من كتاب الله معك أعظم؟
ولو علمناك سورة هي أعظم السور في القرآن. لا أي العمل. هذا التفاوت في الأمر.
طيب، إذاً، هذا إثبات التفاوت في الأمر وفي النهي وفي ماذا؟ وفي الخبر.
الآن، هذا المطلب الأول في الباب، وتم، الذي هو مطلب إثبات التفاوت.
المطلب الثاني: ماذا كان؟
أن الفقه في الدين تبع لإدراك هذه المراتب.
الحديث الأساسي فيه هو: ماذا؟ "ليهنك العلم".
أبو المنذر، على ماذا؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ليهنك العلم". على أي شيء؟ لأي شيء؟
لأنه أدرك التفاوت في هذه المقامات، وأصاب في أن آية الكرسي هي أعظم الآيات في كتاب الله، نظراً لفقهه المتعلق بأن العلم بالله هو أشرف العلوم، وما يتعلق بالله هو أعظم المتعلقات.
وبعد ذلك استنبط أن آية الكرسي هي التي تدل على ذلك، فقدمها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "والله! ليهنك العلم، المنذر".
هذا من حيث التصور، طيب، من حيث الدعوة ينبغي أن تكون الدعوة يعني مرتبة على إدراك هذه المراتب.
هذا في أي حديث آخر؟ حديث الذي هو إنك تأتي قوماً أهل الكتاب.
هكذا، الكتاب الباب مترابط واضح. إثبات التفاوت، ثم إثبات أن الفقه في الدين هو في إصابة هذه المراتب، سواء من حيث التصور أو من حيث الدعوة.
فهكذا اكتمل الاستدلال على هذه القضية. وكما قلت، هذا الباب هو الباب الذي تنطلق منه بقية أبواب الكتاب.
الأبواب الكتاب هي مبنية على هذه الفكرة التي في الباب، أن الدين متفاوت المراتب في الأمر والنهي والخبر، وأن الفقه في الدين في إصابة أعلى هذه المراتب من جهة التصور ومن جهة الدعوة والعمل.
وهذا كله نابع أيضاً عن تعظيم مرجعية الوحي، وبالتالي ما ذكر قبل قليل من مركزيّة التزكية هو تطبيق لهذا.
جيد، وما ذكر من شرف العلم ومكانته وأهميته، فهو تطبيق لهذا. وما سيأتي الآن في الباب التالي الذي هو في مركزيّة العمل هو منطلق كذلك من هذا.
وطبعاً، ليس بالضرورة الارتباط المباشر تماماً بهذا الباب، ولكن في هذه الفكرة الأساسية. نعم، الباب الثامن: باب في مركزيّة العمل وأنه المقصود من العلم.
وتربية النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على العمل، وإبعادهم عن القيل والقال وكثرة السؤال.
نعم، هذا الباب أيضاً باب مهم جداً في سياق تنشئة المسترشد والمستهدي، الطالب الثبات، الطالب الاستقامة، الطالب الإصلاح.
إن من أولى ما ينبغي أن يتربى عليه ما ربى النبي صلى الله عليه وسلم عليه أصحابه من إبعادهم عن القيل والقال وكثرة الكلام، وكثرة كذا، والتركيز على قضية العمل.
وأنه ترى الدين واسع وفيه تفاصيل كثيرة، وأن المطلوب الأساسي أن ينطلق الإنسان في الدين انطلاقاً من يريد أن يعمل، وأنك لو عملت بما علمت، لربما سقط عنك كثير مما يسأل، يريد الإنسان أن يسأل لأجله، أو يعني يتردد، وسقطت كثير من الأمور التي تبعث على الاضطراب والشك، لأن القضية هي قضية في الأساس قضية عملية.
ولا بأس أن يسأل الإنسان عما يشكر عليه، ولكن ليس هذا هو المركزي. المركزي هو العمل، العمل، والعمل.
الواضح، عملهم كثير جداً في الدين، ينتظم الفرائض واجتناب المحرمات بالاعتبار الأولي. نعم.
قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم".
وقال سبحانه: "قل ما أسألكم عليه من أجر، وما أنا من المتكلفين".
وقال سبحانه: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت".
وقال سبحانه عن موسى صلى الله عليه وسلم: "وأنا أول المؤمنين".
وقال عن محمد صلى الله عليه وسلم: "وأنا أول المسلمين".
هذه الآيات فيها بيان أمرين. أولاً: فيها بيان يعني إبعاد عن قضية ما قد يتعارض مع العمل أو يؤخره، وفيها بيان أن قبل ما نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم ربي أصحابه على عمل، ترى هو النبي صلى الله عليه وسلم وأنبياء الله قبله هم أصلاً هذا منطقهم الذي عاشوا عليه.
هذا حتى لو نظرت إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في ذاته، ستجد أنها سيرة كلها عمل، ليس كذلك؟ كلها عمل.
فهنا الآيات: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه". ترى أنا أول العاملين.
يعني عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم".
أخرجه البخاري ومسلم عن كاتب المغيرة بن شعبة، قال: كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب إليه: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال".
أخرجه البخاري ومسلم.
النواسي بن سمعان رضي الله عنه قال: "أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة، ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة، كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء".
أخرجه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادِروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا".
أخرجه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادِروا بالأعمال ستة: الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة".
وخويصة أحدكم. أخرجه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت".
أخرجه البخاري ومسلم.
طيب، بالنسبة لهذه الأحاديث، فهي كذلك تؤكد هذا المعنى العملي الواضح في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ربي أصحابه على هذا المعنى.
ومن أوضح الأحاديث في ذلك من حيث التأصيل النبوي لهذا المعنى هو معنى: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوا، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم".
ولذلك جاء في الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل".
ومن أعظم، يعني، تمثلات هذا الضلال هو ترك العمل والاشتغال بالجدل.
ومن كان على هذا الطريق فلينتبه وليحذر، وليعلم أن هذا أمر حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم.
من علامات عدم التوفيق أن تكون مسيرة الإنسان مسيرة قيل وقال، هذا أحسن وهذا كذا، وهذا عنده خطأ، وهذا عنده مخالفة، وهذا عنده مدري إيش، وكذا. ثم إذا رأيته بعيداً عن العمل، فاعلم أنه غير مهدي.
اعلم أنهم قد يعني ظل الطريق.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان يربي أصحابه على معنى العمل، حتى في أشياء ترى بسيطة.
"إن الله كتب عليكم الحج فحجوا". قال رجل: "يا رسول الله، أفي كل عام؟".
حتى هذه. في كل عام!
ما أحبها النبي صلى الله عليه وسلم، وما أراد أن يكون المنطق أنه خلاص، الأمر واضح، إن الله كتب عليكم الحج، وحجوا!
لو قال: في كل عام، سيلزم بشيء. فعقب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، ويبين أنه هذا سبب هلاك، أو سبب هلاكه.
وإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، وكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.
وهذا قد فصلت فيه في الشرح الأساسي، يرجى مراجعة.
يعني حتى لا نطيل أكثر. ومن صور تربية النبي صلى الله عليه وسلم أن الصحابة صاروا يعلمون جميعاً أنه ترى من التحاق بركب المهاجرين إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وصار خلاص، يعني من جملة الأصحاب الذين تركوا ديارهم، وجاء مع النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً.
ترى في معيار معين، يعني بالتعبير الذي نحن نقول، ثقافة معيارية معينة في هذه المجموعة، في هذه الصحبة، في هذه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الثقافة المعيارية، أن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحب كثرة السؤال.
فلذلك كان مما يمنع الإنسان بسببه من السؤال أن يكون قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم.
جيد، طبعاً، هذا فيها ضوابط، ليس مقصوداً أنه ما يسألوا، ما يسال ولا سؤال. ولكن الأساس أنه النبي يعلمون كراهية النبي صلى الله عليه وسلم للأسئلة، خاصة فيما نزل فيه الشرع، أمور واضحة عندك أمر ونهي لا تسأل، ابتثل.
ليكن المنطق الذي تسير فيه في فهم الدين هو التطبيق.
هو التطبيق.
وحقيقة، أنا إنسان يواجه أسئلة كثيرة أحياناً. الإنسان يعني يقرر محاضرة في قضية معينة، واضحة فيها أدلة كثيرة، يأتي سؤال عن جزئية معينة.
طيب، أنا مثلاً كيف؟ كثير، الإنسان يتعود. تشوف يعني سبحان الله، تصبح النفس أصلاً كليلة، يعني لا تصبح نفس منطلقه إلى العمل.
نفس متعود على السؤال، كأنه الإنسان يعني خلاص ما يريد الوصول إليه هو أن يسأل. هذه إشكال كبير جداً.
بينما تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بخلاف ذلك. هذا في حديث النواس.
"أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة، ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة".
كما قال "أنس" في البخاري: كان يعجبنا أن يأتي الرجل الأعرابي العاقل، فيسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فيعني يستفيد الصحابة مثل هذا المعنى.
وكما قلت، هذا ليس نهياً عن المسألة بإطلاق. كان الصحابة يسألون، حتى القريبين يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأسئلة.
فالأسئلة تختلف، هناك أسئلة استرشاد النبي صلى الله عليه وسلم، يعني يمكن للإنسان أن يقول إنه يحب هذه الأسئلة، التي هي أن الإنسان سالك في طريق الآخرة، ويسأل عن بعض يعني ما يزيده قرباً.
مما هو أصلاً هو سالك، الذي هو مثلاً: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، دلني على عمل يعني يقربني من الجنة، ويباعدني من النار.
وهذا لو تلاحظ، أسئلة صادرة من القريبين، هو أبو بكر الصديق ومعاذ بن جبل، ومثل هذه الأسئلة يعني يمكن لنا أن نستنبط أن النبي صلى الله عليه وسلم يحبها.
وأنه موجود في ذلك. لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحب الأسئلة، أنه يأتي، تأتي قضية فيها أمر وفيها نهي، طيب كيف لو كان كذا؟ طيب ماذا لو كان كذا؟ والصحابة ورثوا منه هذا المعنى.
ولذلك في الحديث المشهور لما جاء، لما ذكر ابن عمر تقبيل الحجر الأسود، فقال رجل: "يا ابن عمر، أرايت إن زحمت".
تمام. وهذه أسئلة كثير اليوم في الطلاب، مدري إيش. تمام، إيش التقرير الآن؟
تقبيل الحجر الأسود سنة، تمام. جاء واحد: طيب أرايت إن زحمته؟ نحن بالنسبة لنا سؤال منطقي عادي، طب لو كان في زحمة؟
فقال له ابن عمر: "اجعل أرايت باليمن"، يعني هذه هي المطلوبة، قبل الحجر الأسود، استطعت، ما استطعت، خلاص، يعني لا يصير القضية أنه إنسان دائماً كل ما يخطر طيب لو كان كذا، طيب لو ما قدرت، طيب لو صار كذا.
أنت تتكلم مثلاً عن الدعوة إلى الله وما أدري إيش وكذا، ياتيك سؤال: طيب، لكن عندي البيئة اللي عندي فيها مشكلة كذا.
تقول: تمام، طيب، مشكلة كذا، نتعامل معها بهذه الطريقة.
طيب، لو لم يوافقوا؟ لو لم يستجيبوا؟
هذه دائماً تتكرر الأسئلة، ترى: طيب لو لم يستجيبوا، إيش أسوي؟ طبعاً، إيش تبغيني أقول لك؟
إيش تبغاني أقول لك، تمام؟
ماشي، طيب، يلا، اصبر، وكمل إن شاء الله، يعني المنطق هذا ليس منطقا صحيحاً.
وأنه منطق الإنسان يتقي الله ما استطاع، ويعمل بما استطاع.
من الأحاديث التي تفاعل الباب، وهي مهمة جداً، التي هي: "بادِروا بالأعمال".
من أعظم ما تستقبل به الفتن، لمن أراد الوقاية، لمن أراد النجاة من الفتن، من أعظم ما تستقبل به الفتن من حيث الوقاية هو إيش؟ العمل.
"بادِروا بالأعمال فتنًا".
ما أدري، بالأعمال ستة.
ثم الحديث الجامع المانع: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت".
نعم، الباب الثاني: الباب التاسع: باب في صدق النية وأن العمل المقبول هو مبتغى به وجه الله ووافق السنة.
نعم، هذا متصل أكثر شيء بأي باب؟ متصل بالتزكية، يعني من أعظم صور التزكية ماذا؟ الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
هذا الباب والذي يليه هما بابان في قضية الإخلاص، على أن هناك فرقاً، يعني بين البابين فرقاً دقيقاً، يعني، لكن هو في الآخر هو التطبيق لقضية التزكية.
نعم، قال الله تعالى: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً".
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى". فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء، يعني الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه".
أخرجه مسلم.
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنك لن تنفق نفقه تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك".
أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله".
أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد، أول من كلمت، رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعة يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه".
أخرجه البخاري.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه، إلا حرمه الله على النار".
أخرجه البخاري ومسلم.
عن عائشة رضي الله عنها، قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافع؟ قال: "لا". قال: "لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً: ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين".
أخرجه مسلم.
عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أحدٌ ثكم حديثاً فاحفظوه، فقال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتقي ربه فيه، ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا في أفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً عملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فاجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا في أخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: إن لي مالاً عملت فيه بعمل فلان، فهو بنيتهما سواء".
أخرجه الترمذي.
عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد". أخرجه البخاري ومسلم.
عن نسب ابن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً، إلا وهم معنا، حبسهم العذر". أخرجه البخاري.
العذر، أخرجه البخاري.
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه". أخرجه مسلم.
هذا باب عظيم، أحاديث التي فيه حديث عظيم وعجيب، وهي من جملة نصح النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة.
يعني من أعظم ما نصح النبي صلى الله عليه وسلم به أمته أنه أرشدهم إلى أهمية ابتغاء وجه الله بالعمل، وأن العمل إذا لم يبتغى به وجه الله، فهو غير مقبول.
هذا من أعظم النصح ومن أعظم ما ينبغي أن ينصح به ورثة الأنبياء، عامة الناس والمسلمين، أن ينصحوهم بهذه القضية.
والأحاديث التي سمعناها، حديث واضحة وجليلة وكبيرة، وتبين غاية البيان، غاية البيان، في أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه.
وقال، سواء في الحديث الأول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". حتى لو كان العمل بقدر الهجرة.
فما بالكم لو كان العمل ما فيه تعب ولا فيه كلفة، أو كلفة، يعني حتى الهجرة، الهجرة التي فيها مفارقة الأهل والمال وكذا، إذا لم تكن لله ورسوله، فهي غير مقبولة.
فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، إذا ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
وكذلك: "أنا أغنى الشركاء"، يعني الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه.
وأهمية، يعني، أن يكون هذا، حتى في الأعمال التي قد يعني يغيب عن الإنسان فيها قضية الاستحضار، اللي هي أنك لن توفق نفقه تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك.
إلى آخره من الأحاديث الواضحة. وفي هذه الأحاديث بيان، يعني أن الإنسان قد يصل إلى المنازل العالية بمجرد هذا الصدق الذي في القلب، إذا كان قد حال بينه وبين العمل حائل أو مانع.
فمن سأل الله الشهادة بصدق، وهنا المعيار، بلغه الله منازل الشهداء. وإن مات على فراشه.
المعيار الصدق.
وإنما الدنيا لأربعة نفر، وفيها أن من قال: "لو أن لي مالاً"، قال: بس.
ما سوى يعني ما أنفق، ما عنده فلوس أصلاً.
لكن لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان.
قال صلى الله عليه وسلم: "فهو بنيته فاجرهما سواء".
فاجرهما سواء.
يعني هذا خلاصة كله، ومؤدى ما هو، أن النية وما في القلب مما يبتغيه الإنسان هو من أعظم ما يتقرب به إلى الله، ومن أعظم ما ينبغي على الإنسان أن يراعيه وينظر إليه في يومه وليلته.
وهذا يحتاج إلى، يعني، دعنا نقول مراجعة واستدراك وتصحيح يومي. كل يوم، كل يوم، يحتاج إنسان يصحح فيه ويراجع. يصحح فيه ويراجع.
طبعاً يؤكد هذه المعاني كلها. الباب التالي وهو باب في نعم.
الحديث وارد باللفظين.
البخاري خلقه باللفظ بالنيات، فلا حرج يعني من حفظ على هذا اللفظ وهذا اللفظ، ما في إشكال.
الباب العاشر: باب أهمية استحضار الغاية، والحذر من مزاحمة الغايات الشريفة بالمطالب الدنيئة.
نعم، هذا الباب سيذكر فيه شيء من التخصيص من الباب الأول في تأسيس قضية صدق نية وابتغاء وجه الله.
الباب هذا سيذكر فيه شيء من التخصيص في يعني مثلاً ما نوع ما يستحضر من النيات.
فهنا مثلاً ستأتي الأحاديث التي فيها قضية أنه، نية حتى في التركيز على أنواع النيات الفاسدة، ما هي.
فمثلاً يأتي في عمل مثل الجهاد، يقاتل غضباً، يقاتل حمية.
فيأتي البيان التفصيلي في قضية أن تكون كلمة الله هي العليا.
نعم، سيأتي هذا. قال الله سبحانه وتعالى: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله"، ومعنى يشري، يبيع.
وقال سبحانه: "فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيل الله، وقاتلوا وقتلوا، لأكفرن عنهم سيئاتهم".
عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضباً، ويقاتل حمية". فرفع إليه رأسه، فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله". أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أرايت رجلاً غزى يلتمس الأجر والذكر، ما له؟". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له". فاعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له". ثم قال: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغى به وجهه".
أخرجه النسائي.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تكفل الله لمن جاهد في سبيله، لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلمته، أن يدخله الجنة، أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة".
أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل المجاهد في سبيل الله، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله، كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه، أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة".
أخرجه البخاري ومسلم.
عن كعب بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جائعان أرسل في غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه". أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
هذه الأحاديث أغلبها في قضية الجهاد في سبيل الله، وهي فيها بيان ما يتعلق بالباب من الحذر من مزاحمة الغايات الشريفة بالمطالب الدنيئة.
ما هي المطالب الدنيئة؟ وقس على الجهاد في سبيل الله باقي الأعمال. ما هي المطالب الدنيئة؟ هنا قد يقاتل الإنسان غضباً، يقاتل حمية، غزى يلتمس الأجر والذكر مع بعض يعني هو يبغى أجر ويبغى ثناء عند الناس، أنه شجاع، بطل، كذا إلى آخره.
وهنا لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيل الله، هذه النية، ما في باعث الإنسان على أن يقوم بهذا العمل إلا هذه النية، وهذا الذي يعني يراد، اللي هو استحضار أن يكون في سبيله.
والتالي كذلك، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله.
الآن، هذه مجموعة الأحاديث. طيب، ماذا لو أن الإنسان لم يصب هذه النية الصالحة، وخرج يعني يقاتل حمية أو غضباً أو يلتمس الأجر والذكر، ثم أصيب أو قتل وسفك دمه، وكان قد تعب وبذل.
إيش قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامه، وفي حديث أبي هريرة الذي مر معنا قبل ذلك، إنه يسحب في النار على وجهه، إذا إنه قاتل ليقال: "جريء". فقط قيل.
طيب، نحن الآن، الإنسان يذكر نفسه، الأعمال الإصلاحية، الأعمال الدعوية، التصدر للناس، كل يومين، وأنت مصور مقطع ومحاضرة وبرنامج، وكذا وإلى آخره.
يلا، ماذا؟ ماذا يعني بعثك على هذا العمل؟ تلتمس الأجر والذكر مع بعض. لا شيء لك.
لا شيء لك. تلتمس، ما على ماذا؟ تريد؟ ما الذي تبتغي بمثل هذا العمل؟ هنا ميدان اختبار يومي.
ميدان اختبار يومي، وما أكثر الساقطين في هذا الاختبار. نسأل الله العافية، نسأل الله العافية، وأن يجيرني.
هذا مجال للاختبار اليومي، ويعني هذه القضية كما قلت هي من قضايا الدين الكبرى، من قضايا الدين الكبرى، قضية إخلاص الوجه، وإسلامه لله سبحانه وتعالى.
ثم آخر حديث، حديث كان مالك، وهو حديث عجيب عظيم، شرحه الإمام بن رجب في رسالة مستقلة، كما هو معلوم: "جائعان أرسل في غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".
وفيه، فيما يتعلق بالباب، إيش الحذر من مزاحمة الغايات الشريفة بالمطالب الدنيئة، من المطالب الدنيئة هنا، الحرص على المال والشرف والسمعة والذكر.
هاتان الأمران، الحرص عليهما.
وإيش المشكلة في هذا الحرص؟
أن إفساد هذين الأمرين للدين، مثل أو أسرع من إفساد بين جائعين أرسل في غنم، والذئب.
أنتم تعرفون ماذا يسوي في الغنم، يعني حتى الذئب معروف أنه ما يأتي يأكل غنمه كذا طافرة ويمشي.
يفسد، يقتل هذه، وهذه، يعني أحياناً تدخل مثلاً أو ترى زريبة غنم، ولا شيء، دخل فيها ذئب، ترى الأغنام يعني ساقطة أو ميتة، وهذا مضروب من هنا، وهذه مضروبة من هنا، وكذا وإلى آخره.
لا، هنا ذئبان.
جائعان أرسل في غنم.
ما الذي يفسد في دين الإنسان كما يفسد هذان الذئبان الجائعان حين يرسلا في غنم؟
حرص المرء، حرص المرء على المال، وعلى الشرف، تشبيه عجيب وعظيم، وهما من أعظم المطالب، أو من أشد المطالب الدنيئة إفساداً للصالحين، إفساد للصالحين أو للسائرين في طريق الصلاح.
والإنسان يرى حتى في الواقع أحياناً، وهذا غريب، يعني هناك نفوس، وأنا برأيي أن هذا من أولى ما يربي عليه الطلاب مبكراً، حتى الآباء والأمهات يربون عليه أبنائهم، اللي هو قضية العلاقة بالمال.
العلاقة بالمال.
في كثير من البشر، عندهم علاقة غير صحيحة بالمال، في قدر غريب من تعظيم المال وتمجيده إلى درجة أن الإنسان فعلاً قد يصل إلى أن يبيع دينه لشيء من المال.
حقيقة، قد يبيع دينه، هذا فضلاً عن بيعه لكرامته، لشرفه، لمروءته، إلى آخره.
وهذا يحصل حتى في بعض البيئات الإسلامية والبيئات الصالحة.
فإذا ما ضبطت العلاقة بالمال، مبكراً، وهذه قد يكون ترى تصل لحد المرض، حقيقة، أن جماعة الخير تصل إلى حد المرض القلبي، إنسان مريض ومهووس بشيء اسمه المال.
وليست القضية أنه الآن سيموت إذا لم يأخذ هذا المال ليشتري به قطعة من الخبز، لا، الفكرة مرض يصل الحد، قضية الزيادة، الزيادة، زيادة، زيادة، ولو شوي.
واضح الفكرة.
وهذا يعني، هذا واضح وملموس في الواقع، وما أكثر ما يسقط.
ناس من أهل الخير بسبب المال.
والنبي صلى الله عليه وسلم طبعاً، المال هذا كمان إذا كان الحرص في المال أدى إلى أن يتجرأ الإنسان على المال، مثلاً في سبيل الله، أو للدعوة، أو شيء، فهذه أعظم، وأعظم، وأشد، وأخطر.
وهذا مع الأسف حتى موجود في الواقع.
والنبي صلى الله عليه وسلم، تعرفون لما كان معه ذلك الغلام في خيبر، فجاءه سهم، فقال الناس: "هنيئاً له الشهادة، قتل". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا والله، إن الشمل التي غلها، يعني أخذها قبل أن تقسم الغنائم، لا تشتعل عليه ناراً".
وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم، في سبيل الله وكذا.
وهذه قضية يعني فعلاً تفسد دين الإنسان.
تفسد دين الإنسان، ونفس الشيء، الحرص على الجاه والشرف.
هذا الآن في كل زمان، في زمان الفيسبوك، والتيك توك، والسناب، والتويتر، وهذا، يعني القضية جاهزة أصلاً، يعني الإنسان أصلاً عنده هذه القضية في نفسه.
لما يجيك واقع، هو أصلاً يدعو إلى الحرص هذا، فأنت الآن في زمن فتنة مضاعفة.
فلذلك من سبل الوقاية، التربية الأولى، التربية في البدايات، إعادة تأسيس، هاه، شويه.
لا، بالمناسبة، ترى، يعني، بالله كذا بس تأملوا معي هذا النص في سياق كل الكلام.
تأملوا.
النبي صلى الله عليه وسلم يرى أصحابه في حال، هذا مسكين فقير، هو النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، أنه يعني كانت تمر أحياناً الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ما يوقد نار.
تمام. ويأتي ذلك، وتعرف أبو هريرة يخرج يسأل فلان عن آية، وما سأله إلا أنه رجاء أنه يطعمهم.
جائع بيموت، ما في أكل، ما في أكل.
تمام. ويرى حال الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إيش، يقول: "والله، ما الفقر أخشى عليكم".
ترى اللي شاغل بالي للنبي صلى الله عليه وسلم ليس أنه يعني ترى ما الفقر أخشى عليكم.
وتأتيك الأحاديث الأخرى، أنه الذي يخشاه، الذي يخافه صلى الله عليه وسلم على أصحابه، أن تفتح عليهم الدنيا. تخيلوا.
يعني احنا مثلاً، حتى ترى في السياق الإسلامي، الأصلي ممكن نفكر خلاف ذلك.
أعرف أنه يعني بالعكس، أنت بتتمنى أنه تتوسع الأمور بالنسبة للناس الكويسة في الدنيا وكذا.
والى آخره. تمام. هو ليس حراماً ولا، لكن الفكرة أنه هذا التوسع، ترى، لابد يكون مصحوباً بخوف.
والنبي صلى الله عليه وسلم، الحريص على أصحابه، ذو الشفقة البالغة عليهم، يخاف أن تفتح على أصحاب الدنيا.
خايف يخسر.
وهذا وارد في أكثر من حديث، في الباب في الكتاب هنا، في المنهاج، في باب معقود لهذا، اللي هو باب الحذر من فتنة الدنيا وكذا، والى آخره.
وفيها الأحاديث، يعني هذه القضية خطيرة جداً جداً.
ولذلك من أعظم ما يربى عليه الصالحون والمصلحون هو ضبط علاقة النفس بالمال.
وضبط علاقة النفس بالجاه والشرف.
والمربي الصالح المفترض ينتبه لهذه القضية عند الطلاب من بدري.
هذا واضح عليه أنه في عرق الحرص على المال، هذا زايد مرة.
بحيث أنه إنسان من بدري هو لا فينتبه، يضبط هذه القضية.
الشرف، اللي من الطلاب، كل شوية: "أنا، أنا، أنا"، ويحاول يبرز نفسه، ويحاول كل شيء، لازم مربي ينتبه لهذه القضية، ويضبطها عنده.
وترى مما تنضبط فيه قضية النصيحة الفردية، تعال يا ولدي، أنت الآن مثلاً كذا، كذا. طيب، لو صار كذا، طيب، تعرف أنه كذا.
تضبط هذه القضية وتعالج، بحيث أنه ضبطها المبكر يعين بعد ذلك على الانضباط في المستقبل.
احنا أطلنا في هذه، لكن يعني كان لابد، والحديث عجيب وعظيم في هذا المعنى، وينبغي أن يكون شعاراً تزكوياً للمصلحين.
نعم، الباب الحادي عشر: باب في تحمل الفرد مسؤولية التكليف تجاه نفسه وغير.
نعم، هنا نبدأ الآن.
تشعرون أننا انتقلنا إلى أبواب موضوعات جديدة، صح؟ يعني الموضوعات الماضية، نحن كم؟ هذا الباب كم؟
الباب الحادي عشر.
العشر أبواب الأولى منقسمة إلى قسمين.
قسم أول كله مرتبط بإيش؟ بمرجعية وحيد الوحي.
والقسم الثاني متعلق بالاستقامة القلبية: تزكية، صدق النية، استحضار الغاية الشريفة، صح ولا لا؟
والعلم، وفي التركيز في العلم المتعلق بالخوف، والآخرة، وكذلك العمل من جهة منطق العمل، أنه الإنسان يعني يؤسس نفسه على أن يستجيب لأمر الله ورسوله.
كلها نستطيع أن نجعلها تحت عنوان إصلاح الذات.
جيد، هذه الخمسة الثانية.
الآن ستبدأ مجموعة من الأبواب، ترى، عدة أبواب متتالية، كلها في قضية الإصلاح وتحمل المسؤولية.
وهذا يؤكد المعنى الذي ذكرته، أنه الكتاب أصلاً مؤلف لتحقيق هاتين الغايتين: لتحقيق هاتين الغايتين للشاب المسترشد المستهدي.
ما هما؟
الأولى غاية الثبات، أو الاستقامة، والثبات في ظل واقع مليء بالفتن.
الغاية الثانية، غاية الإصلاح والنفع في ظل مشكلات مستحضرة في واقع الأمة.
واضح.
فما مضى كان في الأساس في قضية التزكية، وهي مرتبطة بالغايّة الأولى في ثبات الإنسان على طريق الاستقامة.
وما سيأتي هنا، أيوى، فهو في الأبواب المرتبطة بالإصلاح.
سيأتينا الآن باب في تحمل الفرد مسؤولية التكليف.
هذا أول شيء، تحمل المسؤولية. طبعاً، هنا تحمل المسؤولية بمعناها العام، التي تشمل إيش؟ تشمل غايتين: مسؤولية نجاة نفسك، والمسؤولية العامة.
الباب التالي خاص في المسؤولية، إيش؟ مسؤولية العامة المتعلّقة بالإسلام والمسلمين، والباب الذي يليه، الذي هو إيش؟
مركزية اتباع هذه الأنبياء، وأهميته للمصلح.
والذي بعده فضل الإصلاح، والذي بعده صفات المصلحين، والذي بعده أهمية الوعي بسبيل المجرمين.
والذي بعده العناية بالشباب، وفيه وتفعيل أدوارهم في العمل الإسلامي.
والذي بعده دور المرأة في بث العلم والنصرة الإسلامية، إلى آخره.
أيوى، هذه كلها الأبواب.
هذا الباب رقم كم؟
دور المرأة.
يعني عندنا كم؟ يمكن ما لا يقل عن عشرة أبواب الآن متتالية، كلها فيما يتعلق بالنفع العام، الدعوة، الإصلاح.
ولا تخلو طبعاً من قضية المسؤولية الذاتية، وقضية الاستقامة، وقضية الثمن، ثم بعدها، بعد هذه، نرجع إلى قضية الثبات على الاستقامة وشيء من المنهجية في ذلك.
طيب، اتفضل.
قال الله سبحانه وتعالى: "فقاتل في سبيل الله، لا تكلف إلا نفسك".
وقال: "وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً".
وقال: "واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً".
نعم، أكمل.
نبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله: "وأنذر عشيرتك الأقربين"، قال: "يا معشر قريش، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئاً. يا صفيّة عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئاً. يا فاطمة بنت محمد، سلمي ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً". أخرجه البخاري ومسلم.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. الإمام راعي ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته". أخرجه البخاري ومسلم.
عن النواسي بن سمعان رضي الله عنه، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة. فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: "غير الدجّال، أخوفني عليكم أن يخرج وأنا فيكم. فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرجوا ولست فيكم، فامرء حجيج نفسه". أخرجه مسلم.
عن أدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان. فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم من عمله، وينظر أشعر منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه. فاتقوا النار ولو بشق تمرة". أخرجه البخاري ومسلم.
نسأل الله العافية.
هذا الباب في إثبات أهمية أن يتحمل الإنسان مسؤولية نفسه، سواء مسؤولية نفسه المتعلقة بنجاتها، أو مسؤولية نفسه في التكليف تجاه الغير.
لأن المسؤولية التي جعلها الله سبحانه وتعالى على الإنسان هي مسؤولية ذاتية ومسؤولية متعدية.
فمن المسؤولية الذاتية: "لا تكلف إلا نفسك".
"لا تجزي نفس عن نفس شيئاً".
"اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئاً".
وكذلك: "إن يخرجوا وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم".
"وإن يخرج ولست فيكم، فامرء حجيج نفسه".
هذا عند فتنة الدجال، وهذا طبعاً قيسها على الفتن.
قيسها على الفتن، فامرء حجيج نفسه، أنت مسؤول عن نفسك في النجاة من الفتن، أنت مسؤول، عليك مسؤولية.
وكذلك الحديث الأخير، الذي هو في قضية النجاة من النار.
وفي هذا الباب أيضاً إثبات لأساس المسؤولية المتعدية، أساسها في حديث ماذا؟
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
وبالتفصيل، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، إلى آخر الأحاديث.
أو الحديث الآن سياتي الباب التالي، الذي فيه ذكر المسؤولية العامة بشكل مباشر.
المسؤولية العامة تجاه الإسلام والمسلمين.
الباب هذا، الذي قبل قليل، التركيز فيه على المسؤولية الذاتية، وفيه التأسيس للمسؤولية العامة، لكن هنا هذا الباب في قضية المسؤولية العامة.
والمسؤولية العامة هي قضية من قضايا الدين الأساسية، يعني على المسلمين واجبات متعلقة بالمجتمع، متعلقة بالأمة.
هناك واجبات، هذه ليست فكرة بين قوسين، حركية، فكرة لشخص متحمس في الواقع.
هذه قضية شرعية، قضية إسلامية، قضية من صميم كتاب الله ومن صميم سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سيأتي الآن الآيات والأحاديث التي تدل على هذا المعنى، أن على الفرد المسلم مسؤولية متعلقة بالأمة، مسؤولية متعلقة بالواقع، يراد في زماننا هذا، ونحن كما قلنا، الكتاب رعِي فيه المشكلات الموجودة في الواقع.
في زماننا هذا، يراد أن تهدم هذه الفكرة، فكرة أن تحمل هم الأمة، أن يكون لك واجبات متعلقة بالأمة، وأحياناً تحصر أو تنافس بقضية، يعني واجبات مثلاً وطنية، منه الإنسان، لا يعني عليه واجبات على نفسه، وعليه واجبات لوطنه، بس لأمته، لا، ليس عليه واجبات.
لا، عليه واجبات، وهذه مؤسّسة في كتاب الله، ومن صميم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهدم قضية الشعور بالأمة، والعناية بقضايا الأمة، وكأنها أفكار يعني ناشئة عن جماعات، ولا عن أفراد، ولا عن مفكرين، ولا عن بدع، ولا عن كذا.
وللأسف، بعض من ينتسب أو من يدعو إلى قضية السلف وتعظيم السلف، يبدع أحياناً مثل هذه الاهتمام بمثل هذه القضايا.
أو حتى خاصة، يعني من يدعو إليها وكذا، وكأنها قضية مخترعة، بينما هي قضية من صميم الدين.
وسيأتي الآن من كتاب الله ومن سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة ما يدل على إثبات هذه المسؤولية، وأنها مسؤولية مؤسّسة من مرجعية الوحي، وليست مسؤولية مخترعة.
نعم.