31 دقائق للقراءة
تفريغ مقطع مرئي
0:00/0:00
سجل دخولك للوصول إلى ميزة التظليل والمزيد من المميزات

مقاصد متن المنهاج | الشرح المختصر 01 | 1-3 | أحمد السيد

طَيِّبٌ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمينَ حَمْدًا كَثيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فيه.

الحمد لله كما ينبغي لجَلالِ وَجهِهِ وعَظيمِ سُلطانِهِ، الحمد لله الذي له الحَمْدُ في الأوَّلَى والآخِرَة، وله الحُكْمُ وإليه المصير.

اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.

نَسْتَعِينُ بالله ونستفتح هذا المجلس الذي نَسألُ الله سبحانه وتعالى أن يجعله مُبارَكًا ومقبولًا.

وهذا المجلس فيه التعليق المُختصر على المتن "المنهاج من ميراث النبوة". وقبل أن أبدأ في التعليق، عندي مقدمة مُهِمَّة في وضع متن المنهاج في السياق، يعني لماذا أُلِّفَ هذا المتن وما سياقه وما يعني المرجو من تأليفه.

حقيقَةً، هذا المتن يأتي ضمن مجموعة من المؤلَّفات ومجموعة من المواد التي أقدِّمها لهدفٍ معين ولغاياتٍ مُحدَّدة، وهي تأتي ضمن قضية المنهج الإصلاحي واحتياج المسلمين اليوم واحتياج العاملين اليوم إلى الاستمداد من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يكون معينًا لهم على تحديد خارطة الطريق فيما ينبغي أن نعمله في الواقع من جهة الإصلاح والانتهاض بحال أُمَّتنا.

وذلك أن من نعم الله، وذلك أن من المُسلَّمات أن في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواب والهداية في هذا الباب، أعني في باب الإصلاح في كل زمنٍ من الأزمان. فلا يمكن أن يأتي على الأمة زمان تأتي عليها فيه أزمات ومشكلات ولا يكون في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المخرج والهداية تجاه هذه الأزمات والمشكلات.

ومن أعظم أنواع الهداية أن يُهدي الإنسان لمعرفة ما الذي ينبغي عليه في العمل والإصلاح والدعوة من جهة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونحن نعلم أن في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأتِ النص على كل زمانٍ من الأزمان التي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أليس كذلك؟ يعني لا يوجد إرشادات في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من عام كذا إلى عام كذا فاولوياته. لا يوجد فيها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ومن تطلب منها مثل هذه الأمور المحددة فقد تُكلِّف.

ولكن في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الهداية الكافية والتامة لمن يريد أن يعرف ما المطلوب وما الواجب ومن الأولويات في الإصلاح في كل زمنٍ من خلال القواعد العامة التي في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن خلال ضرب الأمثال وذكر النماذج التي تشابه حالنا وتشابه واقع كل مرحلةٍ من التاريخ. يعني ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في سنته قصصًا وأمثالًا، هذه القصص والأمثال بمجموعها يمكن للفقيه، للمتدبر، لمن يفتح الله عليه أن يقيس حاله زمانه بالأحوال التي ذكرها الله سبحانه وتعالى. وبالتالي يمكنه أن ينزل على واقعه.

حسنًا، أين موقع المنهاج من ميراث النبوة؟ المنهاج من ميراث النبوة فيه مجموعة من الأبواب من كتاب الله، يعني مضمونها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمعتها للمسترشد المستهدي فيما ينبغي عليه أن يفعله وما ينبغي عليه أن يراعيه في بناء نفسه ليكون أولًا ثابتًا مستقيمًا على أمر الله سبحانه وتعالى في مثل هذا الزمان بمراعاة فتن هذا الزمان.

الأمر الثاني: ليكون مصلحًا ويعني مؤثرًا من جهة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والعمل الإصلاحي بما يمكنه، وأيضًا بمراعاة هذا الزمان. يعني خلاصة الكلام أن هذا المتن جُمعت آياته وأحاديثه بالنظر إلى مشكلات هذا الزمان، أما المشكلات الخاصة بالشاب أو بالإنسان المستقيم، وأما المشكلات العامة المتعلقة بالواقع.

فهذه آيات وأحاديث للمسترشد المستهدي، لمن يسأل عن الثبات، لمن يسأل عن المنهج، لمن يسأل عن الاستقامة، لمن يسأل حتى عن الهداية الإصلاحية فيما يتعلق بالواقع بشكلٍ عام. هذا تسييق للكتاب أو للمتن. ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد.

بالنسبة لهذا، طبعًا أنا شرحته في تقريبًا 30 مجلسًا أو 30 درسًا، وهي مطولة ومتوسعة، ويمكن أن تُشرح بما هو أوسع من ذلك. ولكن نظرًا لأهمية المتن وأهمية الأحاديث والآيات والأحاديث المجمعة فيه من هذه الجهة الكلية.

فهذا مجلس للمرور السريع على هذه الأبواب ومحاولة استخلاص الفوائد الكلية للأبواب. خاصة يعني هذا يوافق أنه نحن عندنا الآن برنامج، عندنا برنامج واسع في حفظ وشرح المنهاج تحت عنوان "نمير الحفاظ". وهذه فرصة للمشاركين في "نمير الحفاظ" أن يراجعوا أو يمروا على المتن مرورا كليًا من جهة مقاصده ومن جهة كلياتهم.

وستكون الطريقة كالتالي: سيقرأ الأخ معاذ إن شاء الله، وسأقف مع كل باب ثلاث ثلاث وقفات سريعة. الوقفة الأولى مع عنوان الباب. فثلاث وقفات بإذن الله تعالى.

ولن نقف عند كل آية وعند كل حديث، وإنما وقف مجمل إلى أن كان هناك احتياج إلى الوقوف عند بعض الآيات بعينها. ستكون في الوقفة الثانية، وإن كان هناك احتياج للوقوف على بعض الأحاديث بعينها ستقوم في الوقفة الثالثة. لكن أنبه مرة أخرى أن هذا المجلس مقاصدي وليس مجلسًا تفصيليًا.

فالقصد هو الإلمام بمقاصد المنهاج. القصد هو الإلمام بمقاصد المنهاج.

ومراعاة هذا السياق الذي ذكرته. وأعيده مرةً ثانية أو ثالثة باختصار شديد، وهو أن متن المنهاج جمع للإنسان المؤمن المستهدي المسترشد الطالبي أحد أمرين: الثبات والاستقامة باستصحاب مشكلات الواقع وفتنها.

الأمر الثاني: المتطلب للهداية الإصلاحية. أولويات الإصلاح باستصحاب أيضًا مشكلات الواقع الذي نعيشه فيه، فهو متن موضوع لهذا الغرض. نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد.

استعن بالله، وأبدأ بالمقدمة: بسم الله الرحمن الرحيم، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف حفظه الله: توطئة: الحمد لله الذي أنعم علينا ببيان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأكرمنا بأن جعلنا من أمته. وحفظ علينا ميراثه، وأبقى لنا أنوار العلم والرحمة التي بعث بها. فكان صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله عنه: "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم"، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض.

وكان كذلك كما أخبره عن نفسه صلى الله عليه وسلم بقوله: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكان منها نقيه قبل الماء، فانبتت الكلا والعشب الكثير، وكانت منها أجاذب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا".

وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا. فذلك مثل من فقيه من فقها في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.

فصلى الله عليه وسلم وبارك وجعلنا من أهل سنته واتباع رسالته وحماة ميراثه والسائرين على دربه. ثم أما بعد، فهذا متن يجمع قبسًا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

طيب، أول شيء بالنسبة للمقدمة الأولى: فيها بيان أن الغرض والقصد هو الهداية.

الهداية من مجموع ما في هذه الآيات وما في هذه الأحاديث، وأن الوحي إنما جاء لهذا المعنى. وهذا المعنى على بساطته وعلى يسره وعلى وضوحه، إلا أنه من أعظم ما يمكن أن يستفيد منه طالب العلم في طلبه للعلم، أن يكون دائمًا، أن تكون عينه دائمًا في الطلب متوجهة إلى الثمرة التي هي الهداية في الهداية في الأساس.

يعني كل من طلب العلم وقصد بطل طلبه العلم أن يهتدي به كان قد أخذ بسبب من أعظم أسباب التوفيق في العلم، ومن غاب عنه معنى وثمرة الهداية وهو يطلب العلم، فربما يتيه في أودية العلم دون أن يصل إلى النتيجة وإلى الثمرة.

ثم أما بعد، فهذا متن يجمع قبسًا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

التقيته من صحيح الأحاديث وصالحها. طيب، انتقيت من صحيح الأحاديث وصالحها. الأصل في الأحاديث الموجودة في المنهاج هي الصحة، يعني مقصود أن تكون الأحاديث صحيحة، ولكن يوجد بعض الأحاديث اليسيرة جدًا يُصدق عليها كلمة "وصالحها" أنها من صالح الحديث وليست من صحيحه.

وصالح الحديث كلمة عند المحدثين تدل على ما يقبل على سبيل الاحتجاج أو ما يقبل على سبيل الاعتبار. وما يقبل على سبيل الاعتبار ربما يكون فيه شيء من الضعف لكنه ليس ضعفًا شديدًا يؤدي إلى ردِّ الحديث كليًا.

وهذا المعنى الذي أراده الإمام أبو داود في سننه لما قال: "وكل حديث سكت عنه فهو صالح".

ماذا يقصد بصالح أبو داود حين يقول: "كل حديث سكت عنه فهو صالح"؟ طبعًا هذا ذكره أبو داود في رسالته هو إلى أهل مكة، هو بنفسه يتكلم عنها عن منهجي.

طيب، وفي الحقيقة في سنة أبي داود، أبو داود سكت عن أكثر الأحاديث التي أخرجها. أكثر الأحاديث التي أخرجها سكت عنها، لم يتكلم عنها بشيء، معناه أن عامة أحاديث أبي داود صالحة. ماذا يقصد بصالح هنا؟ وقع الخلل عند البعض، بعضهم ظن بصالح كلمة "صالح" أنها تساوي كلمة "حسن" عند المتأخرين، ولذلك يقولون: "حسنه أبو داود، حسنه أبو داود"، ويقصدون أنه حسنًا يعني توفرت فيه الشروط الخمسة، التي هو ما اتصل إسناده برواية العدل الذي خف ضبطه عن مثله من غير شذوذ ولا علة.

وأبو داود لم يقصد ذلك، بل قصده بالصالح ما كان صالحًا للاحتجاج وما كان صالحًا للاعتبار. فأصح الأحاديث عند أبي داود يسكت عنها، وحتى ما كان فيه ضعف يسير يسكت عنه. فالمقصود هنا: انتقيته من صحيح الأحاديث. الصحيح معروف، ما يحتاج توضيح، وصالحها المقصود ما كان صالحًا للاعتبار. وهي أحاديث قليلة قد يكون فيها شيئًا من اللين ولكنها يسيرة جدًا.

ستأتي إن شاء الله وأهمها يعني أوضحها حديث وهو واضح عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر فعل كذا، فهذا بلاغ بين مالك وعبد الله بن عمر، ولم يسمع مالك بن عبد الله بن عمر، ولكن هذا من جملة الأمور اليسيرة، خاصة أنه أثر موقوف وفي نفس الوقت هو في موطأ مالك، ومراسيل مالك تعتبر عند العلماء قوية.

وأما عامة الأحاديث المرفوعة في الكتاب فهي صحيحة أو حسنة بالاعتبار الأخص، وانتخبت موضوعاته على نسقٍ منهجي يراعي جوانب متنوعة مما يحتاجه المسلم في طريقه الدعوي والإصلاحي من التزكية والأخلاق والمرجعية والدعوة والمسؤولية والعلم والعمل.

وقد حرصت في انتقاء الأحاديث على إبراز مركزيات الشريعة وأولوياتها، كما حرصت على أن يكون هذا المتن مناسبًا للحفظ ميسرًا على من يقرأه، ولذلك تجنبت إخراج طوال الأحاديث وابتعدت فيها عن التكرار في الغالب.

وانتقيت جل أحاديثه من الصحيحين، وتحريت جودة أسانيد عامة ما كان خارجهما، بالأحاديث في الأبواب، وإنما سرت على طريقة الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في الابتداء ببعض الآيات القرآنية مما يوافق الحديث المختار ويعزز معناه، والآيات في هذا المتن مقصودة لذاتها، ولا يتم بناء معنى الأبواب بالأحاديث وحدها، وإنما بالآيات المسوقة معها.

نعم، وهذا منهج مهم في الاستهداء بالشريعة وفي التعامل مع الأحاديث النبوية، أنه ما يكتفى في الباب بالأحاديث. كثير ممن جمع الأحاديث اعتنى بجمع الأحاديث وحدها، خاصة في المتون المتأخرة التي أُخذت من الكتب المسندة، ومن المهم جدًا في باب، حتى في باب بالمناسبة، أبواب أدلة الأحكام، حديث الأحكام.

من المهم أن يجمع معها الآيات، فلا تكتمل صورة الباب إلا بالجمع بين الأحاديث والآيات. والإمام البخاري رحمه الله من أهم من عمل هذا العمل، فقد حرص في صحيحه على أن يأتي بالآيات وبالأحاديث، وإن كانت الأحاديث هي المقصودة لكنه يأتي بالآيات. وكذلك يأتي بالآثار الموقوفة والمقطوعة عن أولاً عن الصحابة ثم التابعين، وبهذا التكامل يكتمل صورة الباب، وهذا من أفضل ما يمكن أن يجمع في أي باب من أبواب الدين من جهة الآثار.

وفي هذا المتن فيها هذه الثلاثة: أولاً الآيات، ثم الأحاديث، وفيها أيضًا الآثار الموقوفة عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. وطبعًا ليست بالترتيب، يعني قد يأتي مثلًا أثر موقوف ثم حديث مرفوع بعده، ولكن البداية دائمًا بالآيات.

نعم، وأسأل الله سبحانه في علاه أن يبارك في هذا المتن وينفع به ويسهله على من يريد حفظه، ويتقبل منا جميعًا صالح العمل إنه حميدٌ مجيد.

الباب الأول: باب في مرجعية الوحي وشموليته ومركزية التسليم لله ولرسوله.

بداية باب في مرجعية الوحي وشموليته ومركزية التسليم لله ولرسوله.

أهم منطلق ينطلق منه من بينت أنه مقصود في هذا الكتاب، وهو الشاب المستهدي الطالب الثبات والطالب المنهج الإصلاحي، أن ينطلق من مرجعية الوحي، وأن تكون مرجعية الوحي عنده معظمة، وأن يقابل هذه المرجعية بالتسليم والانقياد.

ومرجعية الوحي أول ما يدخلوا فيها كتاب الله سبحانه وتعالى، ثم يدخل فيها هدي النبي صلى الله عليه وسلم. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه كما هو معلوم القرآن، وأيضًا يوحى إليه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ومن جملة ذلك مثلًا:

كدلالة مباشرة الأحاديث القدسية التي يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيها: "قال الله تعالى كذا وكذا" إلى آخره.

ليس هذا موضع الاستطراد في إثبات كون الوحي لا ينحصر في النص القرآني. نعم، قال الله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، وقال سبحانه: "وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"، وقال سبحانه: "وكذلك أنزلناه حكمًا عربيًا"، وقال سبحانه: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".

وقال سبحانه وتعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا"، وقال سبحانه: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم".

هذه الآيات القرآنية فيها دلالة واضحة على تعظيم هذه المرجعية وأهمية التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهي متنوعه في طرق الإثبات والتأكيد. شيء منها في بيان المرجعية بشكل واضح، وأن الفصل في النزاع هو في الرد إلى الله وإلى رسوله.

وقد أجمع العلماء كما نقله بن حزم ونقله ابن القيم رحمه الله أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، وأن الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حياته، والرد إلى شخصه في حياته والرد إلى سنته ماذا بعد مماته.

عن زيد بن عرفه رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن القرآن: "كتاب الله عز وجل هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة" أخرجه مسلم.

الحديث الثاني عن أبي رافع رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا الفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه أمرٌ مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه". أخرجه أبو داود والترمذي.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله"، أخرجه البخاري ومسلم.

الحديث الرابع عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الخطبة: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله ما في السماوات وما في الأرض، وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، والله على كل شيء قدير"، قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم باركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير". قالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما اقتراها القوم ذلت بها ألسنتهم، فأنزل الله في أثرها: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه، والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير".

فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فانزل الله عز وجل: "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا". قال: نعم، ربنا. "ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا". قال: نعم، ربنا. "ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به". قال: نعم. "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين". قال: نعم. أخرجه مسلم.

هذه الأحاديث هي مؤكدة لهذا الباب ومبينة لما ينبغي أن نتعامل أو أن نصل من خلال مرجعية الوحي إليه.

الآن، ما المطلوب منا تجاه هذه المرجعية؟ أولًا: المطلوب أن نعتبرها هي المرجعية، أن نعتبرها هي الأصل المعصوم صاحب الحق الثابت الذي لا يمكن أن يقع فيه الخلل والخطأ كما في الآية الثانية في هذا الباب: "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه". هذا أول مطلوب.

المطلوب أن نؤمن بكونها مرجعية صحيحة صالحة ثابتة، ولذلك من كان عنده إشكال في مرجعية الوحي، فأول مطلوب عليه هو أن يعني يخاطب أو أن يبحث عن ما يثبت هذه المرجعية في نفسه. ومع الأسف، نحن نعيش في زمن حصل فيه هذا الإشكال حتى بين كثير من المنتسبين للإسلام، أنه يقع في نفسه شيء من الشك أو الإشكال في اعتبار مثلًا السنة مرجعية، أو في اعتبار السنة من الحق الثابت. السنة الصحيحة طبعًا بلا شك.

فهنا يمكن لنا أن نقول إن أول مطلوب في مرجعية الوحي إذا كان هناك إشكال أو شك عند الإنسان هو تثبيت مرجعية الوحي وذكر دلائل صحتها.

وهذا هو المطلوب الأول. طيب، من لم يكن عنده شك في ذلك، هل يدخل في مثل ذلك الدخول في تطلب البراهين المثبتة التي تزيد الإيمان واليقين، لا إشكال فيه، بل هو أمر محمود.

في الحديث الثاني بيان أو إشارة إلى قضية التثبيت، الذي هو: "لا الفين أحدكم متكئًا على أريكته". لهم منكر، منكر سنة الذين ينكرون ما لم يأتِ في كتاب الله سبحانه وتعالى.

هذا الحديث الثاني يشير إلى قضية التثبيت. هذا أولًا. الأمر الثاني بعد التثبيت، بعد القناعة واليقين بأن هذه المرجعية هي الحق هو أهمية الإيمان بأنها شاملة.

بالشمولية، الإيمان بأن مرجعية الكتاب والسنة ليست مرجعية في باب من الأبواب، وإنما هي مرجعية شمولية، مرجعية شمولية طبعًا فيما جاء الدين لأجله، ليست مرجعية شمولية في الطبيعيات مثلًا، ولا في التخصصات العلمية الدنيوية، فالقرآن والسنة لم يأتِ لذلك، وإنما فيهما جاء لأجله من مقاصد هداية الخلق وإرشادهم.

فأهمية الإيمان بشمولية مرجعية الوحي، ومن الأدلة التي يستدل بها على الشمولية من هذه الآيات المذكورة والأحاديث هو: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول".

وجه الشمولية ما هو؟ فإن تنازعتم في شيء، جيد، هو هذا من حيث اللفظ، من حيث المعنى أن: أي أن موضوعات التنازع التي تحصل بين الناس هي موضوعات شاملة ومتنوعة وواسعة.

التنازع هذا مطلوب أن يرد المتنازعون الأمر إلى الله والرسول. وسياق الآية طبعًا أتى في قضية الأمراء.

فإن تنازعتم في شيء أنتم وهم، يعني فردوه إلى الله والرسول. وهذا دليل على أن مرجعية الكتاب والسنة أعلى من أي مرجعية أخرى، سواء كانت الأمراء أو حتى من أهل العلم، دائمًا المرجعية هي كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها نفس الآية هذه التي فيها: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول".

طبعًا هذه الآية من باب آخر، من أكثر، إذا لم تكن أكثر آية يستدل بها الشيعة على عصمة الأئمة وطاعتهم وما إلى ذلك.

وفي هذه الآية الرد عليهم، في هذه الآية نفسها التي يستدلون بها ويكثرون عليها الرد، فانت نازعتم في شيء أنتم وهم، سواء فسرتموها على الأئمة أو على غيرهم، في الأخير الآية تقول: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول". وهذا دليل أن هذه هي المرجعية المطلقة، وأن ما سواها من المرجعيات مرجعيته.

ذلك، فأول شيء: التثبيت، ثم الإيمان بشموليتها، ثم التعظيم. وهذا التعظيم يوجب إلى الثمرة الرابعة التي هي التسليم والانقياد.

التسليم والانقياد، وهذه فيها آية: "ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا". والآية الأخيرة أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. ثم بعد ذلك طبعًا الاهتداء الواسع بهذه المرجعية في مختلف الأبواب.

وفيها حديث: "من اتبعه كان على هدى، من اتبع القرآن كان على هدى". وكذلك في بيان الهدى في الشق الآخر الذي هو السنة: "وخير الهدي هدي محمد".

بعضهم قرأها: "وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم". الحديث الأخير في الباب هو حديث عجيب وعظيم في طبيعة تلقي الصحابة للوحي وتعظيمهم له، وأن الآية لم تكن تمر عليهم مرورًا عاديًا، ولهذا لما نزلت هذه الآية التي فيها: "وإن تبدوا ما في أنفسكم ويحاسبكم به الله اشتد ذلك عليهم".

ولم يكن ليشتد عليهم إلا لماذا؟ أيوه، إلا لأنهم أصلاً يتلقون هذا القرآن تلقي من يؤمن به إيمانًا تامًا، يعني يؤمن بكل شيء فيه، ويأخذه على أنه الحق المطلق التام.

فلما قرأوا هذه الآية خافوا من أن يكون هناك شيء مما في صدورهم على غير مراد الله فيحاسب عليه. فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال، وباركوا على الركب، واشتد ذلك عليهم.

وقالوا: "أمرنا بالجهاد وبالصلاة وبالصيام وبالصدقة، وأمرنا بالصلاة والصيام والجهاد والصدقة وهذه نطيقها". لاحظوا فيها الجهاد الذي فيه إزهاق الأنفس.

قالوا: "هذه نطيق"، ولكن اشتد عليهم ما يحيك في الصدور وما يتردد في النفوس. قالوا: "هذه لا نطيق، وإذا حسبنا على ما في النفوس مما قد يخطر أو يمر لا نطيقه".

فأراد الله سبحانه وتعالى أن يختبرهم بهذا وأن ينقادوا له انقياد المؤمن.

سؤال الآن: هل الانقياد هنا انقياد في تطبيق شيء عملي أو انقياد في تسليم شيء قلبي؟

تسليم شيء قلبي، لأنه العائله ليس فيها أمر أو نهي، الآية فيها: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله".

هذا الذي في الآية، صح؟ هم قالوا: "يا رسول الله، ما نطيق هذا، صعب، يعني شيء".

فأراد الله أن يختبرهم بذلك، فقط ليسلموا قلبيًا بهذا المعنى.

فلما سلموا بذلك، نزلت تخفيف: "وإن الله لن يحاسبهم على هذا الذي في الصدور".

وهذا الختان، أو هذه الآيات بقيت، مع أن الآية الأولى من الأولى منها منسوخة.

تعتبر به، يعني طبعًا هي النسخ باعتبار العام ليس بالاعتبار أنه رفعت، يعني وإن كان النسخ باعتبار التقييد أو رفع دلالة بعض الألفاظ، فعلى أي حال بقيت هاتان الآيتان من آخر سورة البقرة من أعظم آيات القرآن.

وفيها من الفضل والمكانة الأمر العظيم. ومن يقرأ الحديث في صحيح مسلم الذي فيه أن بابًا من أبواب السماء فتح لم يُفتح قبل ذلك، وأنه نزل منه ملك كذا، وكان من جملة ما فتح الباب لأجله، ونزل هذا الملك لأجله هو أنه نزل بهاتين الآيتين من ختام سورة البقرة. مما يدل على عظمته.

ما المعنى فيها؟ ما خلاصه المعنى فيها؟ هو إي.. التسليم والانقياد.

إذًا، خلاصه من أعظم خلاصات الدين والإسلام، وهو الموافق لاسم الإسلام. هذا هو قضية التسليم والانقياد.

ولذلك، من أراد أن يكون متقربًا إلى الله بشيء، فلن يتقرب إلى الله بشيء أعظم من تسليم القلب له.

وهذا هو المعنى الذي فاز به الصحابة. وبالمناسبة، ترى كثير من العبادات التي تذكر عن العباد فيما بعد زمن الصحابة أكثر من زمن الصحابة من حيث العبادة الظاهرة، أليس كذلك؟ يعني لمن تسمع عن اللي كان يصلي 200 ركعة ولا 300، مدري 400 ركعة ولا كم في اليوم، واللي 60 ختمة، واللي كذا.

بينما الصحابة لم كثير منهم لم يُنقل عنهم هذه الكثرة في العمل. ولكنهم سبقوا بأمورٍ من أهمها ما في القلب. نعم.

وإنما شيء وقرفي قلبي. نعم.

باب في تلقي القرآن على منهاج النبوة، وتقديم المقصد.

مقصد العمل به، وتدبره والاستهداء به، والاستغناء به، وتحكيمه وزيادة الإيمان به على غير ذلك من المقاصد الشريف.

هذا الآن الباب، باب يأتي في الترتيب المباشر بعد باب مرجعية الوحي.

وكان هذا الباب أن يُقال فيه ما يلي: هذه مرجعية الوحي وتكلمنا عنها، ما المطلوب تجاهها. تكلمنا عن أمور من أهمها ما يستحق أن يُفرد في باب مستقل، وهو أننا ذكرنا في البداية أن المتن مراعي أمور متعلقة بالواقع، أليس كذلك؟

من المشكلات الموجودة في الواقع أنه حصل قدر من الاختلال في الرجوع إلى مرجعية الوحي بتقديم شيء من الأشياء المحمودة على غيره وغيره أفضل منه.

ما هو هذا الشيء المحمود الذي قدم في الواقع؟ الذي هو الحفظ.

وغيره أولى منه، وهو قضية الاستهداء والتدبر والتفكر والاتعاظ وزيادة الإيمان به.

القرآن نزل لمقاصد معينة، هذه المقاصد ليست مستنتجة من اجتهاد أحد من الناس، وإنما هي مقاصد مبينة في القرآن، والآيات التي ستقرأ بعد قليل فيها بيان.

وهذه المقاصد، يعني الله سبحانه وتعالى حين أنزل القرآن بين لنا مقاصد ما أنزل القرآن لأجله.

حسنًا، هذا الباب أتى لضبط البوصلة، ضبط المعيار ليقول إن التعامل مع القرآن ينبغي أن يكون على ضوء هذه المقاصد التي ذكرها الله تعالى.

وإذا جاءت الأحاديث والآثار ستبين بشكل واضح هذه المقاصد وكيف قام الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ببناء علاقتهم بالقرآن بناءً عليها أو على ضوءها.

فهذا الباب أتى لضبط إشكال موجود في الواقع. هذه الإشكال، ما هو؟ تقديم الحفظ على غيره من المقاصد المتعلقة بالقرآن نفسه.

ما المطلوب؟ ليس المطلوب بطبيعة الحال إلغاء الحفظ، بل هو أمر محمود وجاء مدحوف الوحي، ولكن المطلوب أن يرفع الاهتمام ببقية المقاصد القرآنية التي أهمها الاستهداء والتذكر والتفكر والتدبر، وهذا له وسائل كثيرة، لكن هنا التأصيل لهذه القضية.

نعم، الآن تأتي الآيات التي تبين المقاصد القرآنية، ولاحظوا، تأملوا في كل آية منها ستجد أنها تدل على مقصد من المقاصد.

قال الله سبحانه وتعالى: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب". وقال سبحانه: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون".

وقال سبحانه: "وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادت هذه إيمانًا"، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون.

وقال سبحانه في أربعة مواضع من سورة القمر: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"، والذكر المقصود هنا هو التذكر والاعتبار والاتعاظ كما قال الطبري رحمه الله: "للقرآن للذكر".

للذكر لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ.

وقال سبحانه: "الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثانيه تخشع منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد".

وقال سبحانه: "الم يعني للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون".

وقال سبحانه: "إن في هذا لبلاغًا لقوم عابدين".

كثيرًا رحمه الله، أي إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغة لمنفعة وكفاية لقوم عابدين.

وقال ابن سعيدين رحمه الله: "أن يتبلغون به في الوصول إلى ربهم".

وقال سبحانه: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".

وقال سبحانه: "فقالوا: إنا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرشد، فآمنّا به".

وقال سبحانه: "ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون".

وقال سبحانه: "فلا تطيع الكافرين، وجاهدهم به جهادًا كبيرًا، به أي بالقرآن".

وقال سبحانه: "يا أيها الناس، قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين".

هذه الآيات القرآنية العظيمة فيها بيان كافٍ وشافٍ في ما يتعلق بمقاصد القرآن، المقاصد التي أنزل الله لأجلها القرآن.

وهناك آيات أخرى كثيرة لم تذكر، هذا فقط على سبيل الاختصار.

الآية الأولى المقصد المذكور هو ما هو التدبر والتذكر. جيد، والآية الثانية زيادة الإيمان، إذا وابتليت عليهم آياته وزادتهم إيمانًا.

والآية الثالثة نفس الشيء، زيادة الإيمان، فمنهم من يقول: أيكم زادته هذه إيمانًا.

والأربع آيات التالية التي هي في سورة القمر، للذكر الذي هو الاتعاظ والاعتبار. لاحظوا، هذه مقاصد قرآنية لبيان ما أنزل القرآن لأجله، وهي في غاية الأهمية.

والتي بعدها ما هو؟ ما هي ما هو المعنى أو المقصد؟ الخشية والخشوع. مثالية تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم. والتي بعدها نفس الشيء: أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق.

والتي بعدها الاستغناء بالقرآن والاكتفاء به من حيث كونه زادًا إلى الآخرة: "إن في هذا لبلاغًا لقوم عابدين".

وتفسير "بلاغًا" طبعًا هو أحد الأقوال في تفسير بلاغًا ومن أشهرها: لمنفعة وكفاية، كما قال ابن كثير وكما قال السعدي. أي تبلغون به.

طيب، والتي بعدها مقصد: أي الهداية.

قرآنًا عجبًا يهدي. والتي بعدها لا، لا. قبل، لكن يكون ربانيين. أيوه، أنه التعلم والدراسة.

التعلم والدراسة، وهذا معنى أكثر من مجرد التلاوة والقراءة والتعليم كذلك: بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون في دراسة الآيات القرآنية وتدارسها.

طيب، والتي بعدها المجاهدة به. ودفع أعداء الباطل وشبه المشبهين وأصحاب الزيغ والانحراف والإلحاد به، بالقرآن.

والتي بعدها الاتعاب وأنه شفاء لما في الصدور. لاحظوا يا جماعة، كم مقصد أن القرآن ذكره الله سبحانه وتعالى نفسه عن القرآن الكريم، كم مقاصد قرآنية، مقاصد كثيرة وعظيمة جدًا ومهمة.

طب، تخيلوا أن يعني تختزل هذه المقاصد في أنه يكون حظ الإنسان من القرآن كثرة القراءة والحفظ وانتهينا. فهذا يعني، لا شك أنه فيه نقصًا كبيرًا.

تأتي الأحاديث النبوية الآن لتكون كذلك مؤكدة ومعززة ومفصلة ومبينة لحال الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كيف تلقوا القرآن على زمن النبي صلى الله عليه وسلم ليكون هذا موافقًا للباب الذي هو تلقي القرآن على منهاج النبوة.

نعم.

الحديث السادس عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لقد عشنا برهةً من دهرنا، وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل الصورة على محمد صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تعلمون أنتم اليوم القرآن".

ثم: "لقد رأيت اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما أمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فيندره نثر الدقيق". أخرجه الحاكم والبيهقي واللفظ له.

الدقيق أخرجه الحاكم والبيهقي واللفظ له.

الحديث السابع عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان الحزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا". أخرجه ابن ماجه.

الحزاورة جمع الحزور، وهو الغلام الذي قارب البلوغ.

عن الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده". أخرجه مسلم.

الحديث التاسع عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن بعث معنا رجالًا يعلمون القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار، وقالوا لهم: القراء فيهم، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل، يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، يحتطلبون، فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء". أخرجه مسلم.

الحديث العاشر عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال: "حدثنا من كان يقرؤنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر إلا أن يعلموا ما في هذه من العلم والعمل". قالوا: "فعلمنا العلم والعمل". أخرجه أحمد.

الحديث الحادي عشر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كان الرجل منا إذا تعلم آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن". أخرجه الحاكم والبيهقي في الكبرى، وأخرجه الطبري في تفسيره واللفظ له.

الحديث الثاني عشر عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مكث على سورة البقرة ثمانية سنين يتعلمها. أخرجه مالك.

الحديث الثالث عشر عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رجل يكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران يعد فينا عظيمًا". أخرجه أحمد.

هذه الأحاديث المهمة جدًا في بيان تلقي القرآن على منهاج النبوة. الحديث الأول منها حديث عبد الله بن عمر وحديث أو الحديث التالي حديث جندب رضي الله تعالى عنهما، هي في بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتني بتهيئة القلوب لتلقي القرآن، فيعزز فيها الإيمان واليقين، ثم ينزل القرآن على هذه القلوب، وهي قلوب متهيئة لهذا التلقي.

وقد فاتني أن أذكر حديثًا هنا وهو حديث مهم موافق لهذا المعنى، موافقة تامة، وهو حديث حذيفة في البخاري أيضًا، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة قال: "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نزول الأمانة، وحدثنا عن رفعها". فذكر أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال.

طبعًا، ليش مقصود بالأمانة؟ الأمانة المقصود بها الإيمان. جيد، قال: "حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن نزول الأمانة في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة".

جيد، أو ثم علموا من القرآن وعلموا من السنة. فلاحظ ترتيب قضية الإيمان ثم تعلم القرآن والسنة. وهكذا في الحديث: "كنا نؤتى الإيمان قبل القرآن"، وحديث جندب: "فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن".

وهذا المعنى مركزى وينبغي أن يُعتنى به المربون والدعاة، للأب والأمهات، معنى مركزي وأساسي ومهم، أن صاحب مشروع يريد أن يستصلح في النفوس، ويستصلح في حتى سواء أجيال صاعدة، ذكورًا وإناثًا، أيا كان، مهم جدًا أن يكون من أعظم الموضوعات وأولها تعزيز الإيمان واليقين في القلوب.

وهذا التعزيز من أولى ما يدخل فيه قضية أعمال القلوب، وبيان مركزية الآخرة وعظمة الخالق سبحانه وتعالى، وأنه المستحق وحده للعبادة وما إلى ذلك من المعاني الإيمانية الكبرى التي تدخل تحت قوله: "فتعلمنا الإيمان".

وتعلم الإيمان هو هذا، ترى هذا التعليم الإيمان هو ليس منعزلًا عن القرآن، ليس هذا تعليم الإيمان، أصلاً من أهم ما يدخل فيه هو معاني القرآن، يعني تشرب معاني القرآن.

ومن الأدلة على ذلك حديث ابن عمر نفسه الأول، لأنه أيش الذي يقول؟ يقول فيه: "يقول أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل الصورة على محمد صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها".

هذا جزء من تعلم الإيمان، أصلاً.

جيد، فتعلُم الإيمان ليس بمعزل عن معاني القرآن. وفي نفس الوقت، تعلم الإيمان ثمرة منه تهيئة القلب بأن يكون قلبًا مؤمنًا صالحًا خاشعًا معظِّمًا لله ولحدوده، ومعظِّمًا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فإذا جاءت الآيات، نزلت على قلب منقاد مُعظِّم مُسلم، مثل ما مر معنا قبل قليل في الصحابة، تأتيهم الآية: "وأنتم ما في أنفسكم، ويحاسبكم بالله".

فيقفون عندها ويخافون ويهابون: "تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون". تخيل، لن تنال.

أي آية كذا، أنت تمر عليها، يأتي أبو طلحة، أحسن وأثمن شيء يملكه هو مزرعة اسمها بيرحال، يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "يا رسول الله، إني سمعت الله يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون، وأنا أحب أموالي إلى غير حاء، وأنا جعلتها صدقة لله ورسوله".

يعني هي قلوب مؤمنة معظِّمة، حين تأتي الآية تأتي لقلب متلقي مستعد للامتثال.

أما قضية أنه: "اقرأ، اقرأ، واتلو"، يعني في أسرع وقت أو في أكثر مرات تكرار أو في مجرد الحفظ والضبط، فليس هذا هو القصد الأعظم، ليس هذا هو القصد الأعظم.

وهذه القضية ليست تكميليّة، هذه القضية من جوهر ما ينبغي الإصلاح فيه اليوم.

من جوهر ما ينبغي فيه الإصلاح اليوم، خاصة وأن مشاريع تحفيظ القرآن هي الأكثر انتشارًا في الواقع.

ولذلك، فإن من أعظم صور الإصلاح الذي ينبغي أن يبدأ به اليوم هو الاستصلاح في داخل المعاهد القرانية وحلقات التحفيظ، بأن يزاد في مفرداتها ما يتعلق بالتدبر والاستهداء والخشية والدروس الإيمانية التزكية التي تؤدي إلى تعظيم القرآن والانقياد له والاستجابة له وتدارس آياته.

هذا بالنسبة للحديث الأول والتالي والثاني، وحديث حذيفة الذي لم أذكره.

حديث أبي هريرة الثالث هو حديث: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده".

هذا فيه إشارة إلى قضية السكينة، وأن القرآن يجلب السكينة، وأن المجالس التي تؤسس على القرآن تكون مجالس مباركة، ولذلك ينبغي أن يسعى الجميع إلى هذه المجالس.

أما الحديث عن عبد الله بن مسعود كان الرجل منا إذا تعلم أسري آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.

هذا أيضًا بيان أن الطالب ينبغي أن يتثبت في العلم.

فكل ما تكرر تأكيد الهداية، وهو علم في طريق الاستهداء.

أحسن الله إليكم.